جريدة الجرائد

القضية الفلسطينية بعد قرار اليونسكو

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

يوسف نور عوض

منذ أن أعلن الرئيس محمود عباس قراره بالتوجه إلى الأمم المتحدة لقبول فلسطين عضوا في المنظمة الدولية تغير المزاج الإسرائيلي ومعه المزاج الأمريكي اللذان كانا يريدان أن يظل الفلسطينيون دائما يعتقدون أن السلام سوف يأتيهم من جهة إسرائيل وأنها هي التي سوف تمنحهم دولتهم المنتظرة، ولم يكن الفلسطينيون يتجاهلون حقيقة أن أي قرار في مجلس الأمن يجب أن يحصل على التأييد الأمريكي وهو تأييد غير متوافر للسلطة الفلسطينية في الوقت الحاضر، لكن الفلسطينيين كانوا يعلمون أنه في حال لم يفلحوا في مجلس الأمن فإن توجههم سيكون نحو الجمعية العامة الممثلة الحقيقية لشعوب العالم، وذلك ما فعلوه عندما توجهوا إلى منظمة اليونسكو من أجل الحصول على العضوية الكاملة لهذه المنظمة المهمة التي ستوفر لهم حضورا مستمرا في المجتمع الدولي.
وأخيرا حققت السلطة الفلسطينية انتصارا كاملا في اليونسكو عندما أعلنت المنظمة أن مئة وسبعا من الدول وافقت على عضوية فلسطين من بين مئة وسبع وثلاثين دولة، وقد أحدث القرار أصداء دولية سنتوقف عندها قبل أن نقف وقفة شاملة لقراءته.
تقول صحيفة الواشنطن بوست إن الولايات المتحدة تجد نفسها منصاعة للقوانين الأمريكية التي تنص على وقف المساعدات عن أي مؤسسة تابعة للأمم المتحدة إذا تأكد أن هذه المنظمة تقدم أي دعم للدولة الفلسطينية، وتلك قوانين أقل ما يقال فيها أنها جائرة لأنه من غير المفهوم أن تتخذ الولايات المتحدة قرارات لا تتسم بالعدل وتنسبها إلى قوانين تلتزم بها لا يدري أحد كيف أجازتها السلطات القانونية في الولايات المتحدة، وفي ضوء هذا التطور ستوقف الولايات المتحدة نحو ستين مليون دولار من الدعم كانت تقدمها للمنظمة الدولية.
ولا شك أن قرار الولايات المتحدة أثار دهشة السلطة الفلسطينية إذ قال ياسر عبد ربه إن الولايات المتحدة لم تدرك حتى الآن إن العالم قد تغير وهي مازالت تواصل سياسات قديمة عفا عليها الزمن.
وتقول رئيسة اليونسكو 'إيرينا بوكوفا' إنها لم تكن تتوقع موقفا مثل هذا من الولايات المتحدة، والغريب أن تسمح الدول العربية للولايات المتحدة أن تبسط نفوذها على هذا النحو مع أنها قادرة على تقديم أضعاف ما تقدمه الولايات المتحدة لهذه المنظمة الدولية من أجل تحقيق هذا الهدف المهم.
وفي الوقت ذاته تصف صحيفة 'الفاينانشيال تايمز' موقف اليونسكو بأنه خطوة جريئة 'وليس ذلك فقط لأنها تتحدى مواقف الولايات المتحدة في ما يخص تقديم الدعم لهذه المؤسسة الدولية، بل لأن القرار سيظل دائما يذكر العالم بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وسيدعم الطلب الذي تقدم به محمود عباس إلى المنظمة الدولية لقبول عضوية فلسطين، كما سيذكر الدول التي تقف في سبيل هذه العضوية أنها لا تستطيع أن تقف إلى الأبد ضد الإرادة الفلسطينية، وتقول صحيفة الفاينانشيال تايمز إن القرار لا يقدم سابقة لأنه سبق لكوريا الشمالية وكوريا الجنوبية أن قبلتا في عضوية المنظمة الدولية عندما كان طلباهما محل خلاف.
وتحذر الفاينانشيال تايمز الولايات المتحدة من الا ستمرار في الوقوف في وجه الرئيس الفلسطيني الذي لا يدعو إلى العنف بل يدعو بالطرق السلمية إلى إقامة دولته المستقلة.
ولكن إذا كانت الفاينانشيال تايمز تتخذ مثل هذا الموقف المعتدل، فإن أكبر الأحزاب المعارضة في المانيا وهو الحزب الاشتراكي الديمقراطي يرى أن تصويت اليونسكو للفلسطينيين أشبه بالكارثة، ولام الحزب حكومة بلاده لأنها لم تعرقل عملية التصويت في اليونسكو، لكن نائب رئيس الكتلة البرلمانية في الحزب لم يبين الأسباب التي تجعله يقف مثل هذا الموقف المتشدد تجاه شعب يريد أن يحصل على حريته بالوسائل السلمية
وفي هذا السياق قال 'جاي كارني' الناطق باسم البيت الأبيض إن قرار اليونسكو منح العضوية الكاملة لفلسطين في المنظمة سابق لأوانه وإن هذا القرار يصرف النظر عن الهدف الرئيسي للمباحثات مع الفلسطينيين والتي تتركز حول شروط التعايش مع إسرائيل مؤكدا أن الولايات المتحدة تعتقد أن المفاوضات المباشرة هي السبيل الوحيد للتوصل إلى حل مع الفلسطينيين، ولا شك أن مثل هذا الكلام يتكرر كثيرا ويدل في الأساس على ضيق أفق السياسة الأمريكية التي تعتقد أن الأمور ستسير على ما كانت عليه قديما خاصة في منطقة الشرق الأوسط. بعد موسم الثورات العربية وتغير المناخ العقلي في كثير من الدول العربية.
وأما في إسرائيل فقد دعا بنيامين نتنياهو إلى اجتماع عاجل لمجلس وزرائه المصغر لدراسة موقف حكومته من منظمة اليونيسكو.
وقالت صحيفة 'هاراتس' ليس من المؤكد أن إسرائيل ستتخذ قرارا ضد المنظمة العالمية ولكن من المؤكد أن إسرائيل سوف تتخذ إجراءات عقابية ضد السلطة الوطنية الفلسطينية، ومن بين هذه الإجراءات وقف البطاقات التي تمكن قيادة السلطة الفلسطينية من عبور الحواجز الإسرائيلية وإذا توقفنا عند ردود الفعل هذه جميعها، برز تساؤل أساسي وهو لماذا تتخذ إسرائيل وبعض الدول الغربية مثل هذه المواقف من الفلسطينيين، نحن نعرف أنه كانت هناك في وقت من الأوقات حالة حرب بين إسرائيل والعالم العربي، وكانت إسرائيل تبرر مواقفها بأنها كانت تدافع عن وجودها، وكان يفسر موقفها على أنه يتم في ضوء الظروف القائمة، كما كانت تفسر مواقف الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة على أنه دعم لأمن إسرائيل، ولكن تغيرت الصورة الآن ولا يمكن أن تقول إسرائيل إنها تدافع عن أمنها، كما أنها لا يمكن أن تتجاهل حقيقة أن هناك أمنا إسرائيليا وحقوقا يجب أن تراعى، ولا يمكن أن تستمر إسرائيل في سياسة الكذب وتزعم أنها ستحقق المصالح الفلسطينية عن طريق المفاوضات، لأن المفاوضات مجرد ذريعة من أجل التسويف، ولكن يجب أن تدرك إسرائيل أن خارطة السياسة في العالم العربي قد تغيرت بعد الثورات العربية، وإذا كانت إسرائيل تلقى في الماضي دعما سريا من بعض الدول العربية فإن الأمر قد تغير الآن وأصبحت كثير من الدول العربية تخشى على واقعها السياسي بعد هذه الانتفاضات، كما أصبحت بعض هذه الدول لا تثق في السياسة الأمريكية بعد أن أظهرت الولايات المتحدة دعما شكليا أو انتهازيا لها.
ومؤدى قولنا هو أن تدرك إسرائيل أن هناك شعبا فلسطينيا يريد الحياة وهو يعاني أكثر من ستين عاما ظروفا لم يتحمل مثلها أي شعب من شعوب العالم وقد حان الوقت ليأخذ الشعب الفلسطيني حقوقه كاملة لأنه لا معنى لأن تقف إسرائيل أمام طموحات هذا الشعب خاصة إذا كان ما يطالب به الفلسطينيون هو إقامة دولتهم الخاصة، فهل هناك أي سبب يجعل إسرائيل تتوقف عن دعم هذا الحق خاصة إذا كان سيوقف استمرار الصراع وإسالة مزيد من الدماء، وهنا يجب ألا يوجه الكلام لإسرائيل وحدها بل يجب أن يوجه إلى سائر الدول العربية التي يتحتم أن تقف بقوة من أجل دعم المطالب الفلسطينية، كما يجب أن توضح هذه الدول موقفها بالنسبة للولايات المتحدة حتى لا تستمر في الاستخفاف بالمطالب العربية، خاصة إذا عرفنا أن مصالح الولايات المتحدة في البلاد العربية أكبر بكثير من مصالحها في إسرائيل، فما الذي يجعلها تنحاز للمصالح الإسرائيلية بينما تتجاهل المصالح العربية، الإجابة هي أن الولايات المتحدة لم تتعود على احترام الحقوق العربية، ولكن يجب أن تتعلم هذا الاحترام في هذه المرحلة الجديدة من تاريخ العالم العربي.


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف