الربيع العربي... والحالة الخليجية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
أحمد عبد الملك
خلال منتدى الاتحاد السنوي السادس الذي عقد الأسبوع قبل الماضي في أبوظبي، تناول زميلنا الدكتور شملان العيسى الأوضاع في منطقة الخليج على ضوء التغييرات التي حصلت في العالم العربي. وكان قد تساءل: هل دول الخليج في مأمن من الحركات الشعبية؟ وهل نجاح الربيع العربي في بعض الدول لن يؤثر على القيم التقليدية السائدة في الخليج مع الولاء القبلي والديني لفترات طويلة؟
والحديث عن هذا الموضوع يتطلب الموضوعية والعقلانية بعيداً عن "الشطط" الفكري الذي ظهر في الأدبيات السياسية والثورية منذ حركات الخمسينيات والستينيات في الخليج. كما يتطلب الأمر عقد مقارنات حقيقية وواضحة بين ما تحقق في دول مجلس التعاون خلال الأربعين أو الخمسين عاماً الماضية، وبين الحالة في النظم العربية الأيديولوجية! كما ينبغي فهم واستيعاب شكل الحالة "الأبوية" بين رموز الحكم وبقية أفراد الشعب! ومبدأ "المصالحية" أو "التصالحية" الذي قامت عليه تلك العلاقة. ولا أحد يستطيع أن ينكر ما حصل من تطور وتغيّر في هذه الدول، التي كانت ظروفها صعبة في الأربعينيات، حيث نجدها اليوم تقدم للمواطن أحدث الخدمات، وأرقى التجهيزات في الطب أو الجامعات، مع التعليم المجاني، ناهيك عن الخدمات الضرورية التي لم تنجح النظم "الثورية" في توفيرها للمواطن. هذا إضافة إلى الرواتب المجزية والحوافز وبناء المساكن، والأمن الذي يعتبر من ضروريات الحياة، ومن ينكر كل هذا فإنما يجافي الحقيقة.
ولعل المحظور الذي لم تقترب منه أدبيات المرحلة السابقة هو تطوير العلاقة بين الدولة الخليجية والمواطن! مع كل التقدير لطرح دساتير جديدة، وتطور النظام البرلماني في بعض هذه الدول، إلا أن سيادة مجالس الشورى -محدودة الدور- ظل حتى هذا اليوم في أغلب دول الخليج محل نقاش كبير. ذلك أن تلك العلاقة (البطريركية) قد تأثرت، ولربما توطدت بحالة "التصالح" بين البنية الاجتماعية المؤثرة والأنظمة، مع مشاركة معينة في مداخيل النفط، وهذا ما أوجد حالة التناغم والرخاء الاجتماعي. كما أن أدبيات الإعلام والرأي العام ما زالت تؤكد على حرية الرأي وحق المواطن في إبداء رأيه في الشأن العام، ولكن ضمن قانون المطبوعات الذي يضع "الضوابط"! وتلك معضلة ما زالت موجودة في العديد من الدول وخصوصاً مع ظهور أدوات التواصل الاجتماعي والمدونين، والظواهر الإعلامية الجديدة التي لم تحط بها قوانين المطبوعات. ولكن هذا الإعلام أيضاً يتفاوت في مدى اقترابه من الحالة الخليجية، التي توصف دوماً بأن لها "خصوصية" معينة، كمبرر، تدفع بالصيرورة السياسية والاقتصادية والاجتماعية لاستمرار واقع الحال.
إن حالة الرفاه -مع تقدير وجود حالات فقر في بعض الدول، وأن نسبة كبيرة من أبناء المنطقة الغنية تسكن في بيوت لا تمتلكها، وبعضها يعيش على إعانات وزارة الشؤون الاجتماعية، وتحت خط الفقر، ناهيك عن شرائح كبيرة ما زالت مدينة للبنوك- هي التي أوجدت معادلة صعبة/ سهلة في آن واحد، لتفهم أو تبرير استمرار تلك الصيرورة، مع أننا قد نستثني مملكة البحرين ودولة الكويت من ذلك، كون الكويت تمتلك دستوراً واضحاً منذ الستينيات حدد العلاقة بين الحكم والشعب، وكذلك البحرين التي مرّت بمخاضات سياسية وطبقت نظام المجلسين (المعين والمنتخب)، ومشروع الملك الإصلاحي، على رغم الظروف الأخيرة التي وتّرت الأجواء وزعزعت الأمن في هذا البلد. ولا نستطيع تجاهل "حالة الرفاه" في شكل تفكير ملايين الخليجيين واتجاهاتهم ورؤاهم المستقبلية.
معادلة "النفط والديمقراطية" ستحتاج إلى وقت ليس بالقصير لإثباتها أو دحضها! إذ أن الاستحقاقات التاريخية والاجتماعية والأبوية، تؤثر على أي تحرك أو مطالبة بالديمقراطية أو أي نزوح عن "بركات" النفط. وستظل المشاركة السياسية إحدى المسائل الشائكة التي لن يؤثر على مساراتها الربيع العربي، ذلك أن التحالفات القائمة بين أنظمة الحكم والنسيج الاجتماعي، والاسترخاء الاقتصادي، وتوجه الأنظمة نحو الإصلاح وتوفير الحياة الكريمة الهانئة للإنسان، والتعديلات التي تجري على بعض القوانين لمنح حريات أكثر، وإقامة المؤسسة الداعمة لتفعيل المواطنة، كل ذلك يمكن أن يوثق العلاقة بين أنظمة الحكم والشعوب. كما أن تلك الحالة الخليجية قد أفرزت اهتمامات محدودة لشباب الخليج تنحصر في الحصول على وظيفة -حسب دراسة لشركة "بوز" وردت في ورقة شملان العيسى، كما أن دراسة للمفكر الراحل خلدون النقيب قد أوضحت أن ما بين 37 في المئة و83 في المئة من شباب الخليج يرى أن الأوضاع تحتاج إلى مزيد من الديمقراطية، وتستنتج الورقة أن "شباب الخليج لديهم اهتماماتهم الخاصة ومشاكلهم المحلية؛ ولا يلتفتون للقضايا السياسية إلا في فترة الانتخابات البرلمانية، وقد يعود السبب إلى وجود الدولة الريعية ومجتمع الرفاه".
إننا نعتقد أن الحالة الخليجية ستستمر بنفس الوتيرة، وأن تجاوب نظم الحكم مع مطالبات الإصلاح ستُنضج العديد من الرؤى التي ستخدم الطرفين، عبر الحوار والنقاش الهادئ! ذلك أن اللجوء إلى أعمال الشغب لن يثمر خطوات إيجابية بقدر ما يساهم في تشطير المجتمع.
وهنالك مساحات في مسيرة الدولة الحديثة في الخليج تحتاج إلى مراجعات، مثل: إدارة مداخيل النفط والغاز، والاستثمارات الخارجية، والتشريعات المتعلقة بالحريات، والتغريب الحاصل نتيجة الخلل السكاني، وتطوير الخدمات التعليمية والتطبيبية. ونعتقد أن العقلاء من أبناء المنطقة -سواء الذين يَحكمون أم الذين يُحكَمون- قادرون على دراسة هذه المساحات ووضع الحلول الناجعة لها عبر الحوار.