جريدة الجرائد

حمص.. وكفى

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

وائل مرزا

كيف يمكن لسوريا أن تفي مدينة حمص جزءاً صغيراً من حقها في يومٍ من الأيام؟ أي سرٍ سرمدي كانت تُخفيه حمص وأهلها عن الدنيا بأسرها قبل اشتعال الثورة السورية؟ أي هواءٍ يتنفّسه أهل هذه المدينة؟ أي طعامٍ يأكلون، وأي نوعٍ من الماء يشربون؟ تبدو الأسئلة بلهاء، وتشعرُ بذلك وأنت تكتبُها. لكنك تكتبها في جميع الأحوال لأنك تحاول تفسير مدينةٍ/ظاهرة أصبح اسمها حمص.
قد لا يكون في الأمر مخاطرةٌ إذا تحدّى المرء جهابذة العلوم الاجتماعية بأسرهم على تفسير هذه الظاهرة بأي طريقةٍ ومن أي مدخلٍ من المداخل. فليعودوا إلى كل نظرياتهم ومدارسهم ومناهجهم لمحاولة فهم الظاهرة. سيعودون يقيناً خائبين. وسيبقى إلى زمنٍ قادمٍ أمراً أقرب للمستحيل أن نفهم كيف تحوّلت حمص من مدينةٍ وادعةٍ، كادت أن تكون هامشيةً في يومٍ من الأيام، لتصبح اليوم عاصمة الثورة السورية دون منازع. بل إن ما جرى ويجري في هذه المدينة يجب أن يفتح بعد الآن أبواباً جديدة للدراسة والتحليل في مجالات العلوم الإنسانية والاجتماعية لم تخطر ببال أحدٍ من قبل.
سأستعير فقرة وردت على صفحة الثورة السورية لا أعرف كاتبها وتتحدث عن إنسان حمص على الشكل التالي: "رأيته يمشي وكأن الأرض تتنافس على موطئ قدمه. ثبات في القامة، وثقة في الخطوات. نضرة في الوجه هي للنور أقرب من مخايل الدلال. تساءلت في نفسي ما سر هذه الهامة المرفوعة؟!! وهذه الهيبة المهيبة؟!! لا شك أن الذهب قد شدّ من عوده، وأن الجاه قد علمه مشية الملوك. اقتربت منه وفي نيتي السؤال عما يشبع فضولي، سلمت عليه، فرد التحية بأحسن منها، وأخذ بيدي يصافحني. ليست هذه يد من تربى بين الخدور في القصور، بل يد من نحت الدنيا وصارعها، حكمها ثم اعتصرها فأخرج منها قوت يومه وثمن عزته. زاد فيَّ الفضول حتى قطع منابت الكلام مني، فلما لاحظ ارتباكي أخرجني من صمتي بدعوته للنزول في بيته فقد تفرس أنني غريب وظن أنني أبغي السؤال عن طريق. فقلت له وأين بيتك أخي؟ أجابني وابتسامة محزونة ارتسمت على شفتيه: كان لي بيت في بابا عمرو ولكنه قصف، إلا أن بيوت حمص الآن كلها بيتي. مرت بي لحظات من الصمت والخشوع لا أدري مقدارها ولكن أعرف جيدا أثرها. فقد رسمت أخدودا في مخيلتي وذاكرتي، ولم يعد هناك داع لأسئلتي فقد عرفت السر وزال عني تعجبي.. هو من منابت بابا عمرو".
أخجل بكل ما في طاقتي من خجلٍ إنساني أنني لم أكن أعرف إلى قيام الثورة بابا عمرو.. يقتلني الخجل كسوري أنني لم أكن أعرف باب السباع والخالدية والقصور وتلبيسة وجورة الشياح وباب الدريب والقصير ودير بعلبة وغيرها وغيرها من أحياء حمص وضواحيها.. وأحلم بيومٍ قريبٍ أزور فيه كل منطقةٍ وكل شبرٍ في حمص لأُقبِّلَ جباه أهلها وأياديهم على ما قدّموه للثورة السورية.
فحمص اليوم تقدّم نفسها فداءً لهذه الثورة بكل ما فيها من قدرةٍ على العطاء، وتهبُ نفسها بكل وضوحٍ وإصرار قرباناً لتلك الثورة.
كان يمكن لحمص أن تهدأ لتتنفس، لكنها لم تفعل. كان يمكن لها أن تأخذ قسطاً من الراحة بعد أن فعل مغول العصر بها ما فعلوه، ولم يكن ليخطر في بال سوريٍ أن يؤاخذها من قريبٍ أو بعيد. لكنها أصرّت ولاتزال على أن تكون الجبهة الأولى والصف الأول من جبهات الثورة وصفوفها.
حمص اليوم بإنسانها ظاهرةٌ فريدةٌ في التاريخ العربي المعاصر على الأقل. وهي في صمودها وبطولتها وعزيمتها وإصرارها تكتب تاريخاً جديداً عن كُمُونٍ إنساني هائل نسي البشر في هذا الزمن إمكانية وجوده في هذا المخلوق العجيب.
حمص اليوم تختصر ببساطةٍ تكاد تكون مخيفة قصة الإنسان على هذه الأرض. فأحداثها تُظهر من جانب درجةً من الانحطاط الأخلاقيٍ يمكن أن يصل إليها الإنسان، تجعله أسوأ بكثير من الحيوان. ذلك أن حجم الحقد المصبوب على هذه المدينة لا يمكن أن يصدر عن مخلوقٍ ينتمي للإنسانية من قريبٍ أو بعيد. لكن الأحداث نفسها تبين درجةً أخرى من السموّ والنبل يمكن أيضاً للإنسان أن يصل إليها، ويكون معها أقرب إلى الملائكة.
لا نريد أن نبخس أحداً حقه فسورية مليئة بالأبطال اليوم في كل مكان. ولسنا هنا في مقام إعادة التأكيد على الدور الكبير لدرعا وحماة وإدلب ودير الزور وغيرها من مدن سورية ومناطقها في الثورة السورية. ولا نعتقد بأي حالٍ من الأحوال أن سورياً يعشق وطنه وثورته يمكن أن يفكر اليوم بأننا نُفضّل مدينةً على أخرى في مجال عطائها للثورة. يكفيني في هذا المجال أن أرى صورة شابٍ خرج في مظاهرة يوم الجمعة وهو يحمل لافتةً كتبَ عليها "أنا كردي من عامودا وأعشق حمص".. لأتجاوز كل الاعتبارات الدبلوماسية التي قد يفكّر البعض بها في هذا المقام.
منذ أكثر من أربعة عقود، كتب نزار قباني أبياتاً قال فيها: وقبرُ خالد في حمصٍ نُلامسهُ فيرجف القبر من زواره غضبا، يا رُبّ حيٍ رخام القبر مسكنه وربَّ مَيتٍ على أقدامه انتصبَ. كان ذلك في زمن الهزيمة والانكسار ووسط أجوائها الكئيبة المسكونة بالذل والعار. ليت نزار كان حياً اليوم ليرى كيف تفوح من قبر خالد رائحة الفخر والعزة والكرامة. ليته كان موجوداً فيرى كيف عادت الحياة في أروع معانيها تدبُّ في أحفاد ابن الوليد، وكيف باتوا يُسطِّرون ملامح في التضحية والعطاء والفداء لم يشهد التاريخ المعاصر لها مثيلاً.
لن يرجف قبر خالد من زواره غضباً بعد اليوم يا نزار. وأبطال حمص المنتصبون بقاماتهم العالية يقهرون الخوف والمستحيل، ويرتفعون بها إلى عنان السماء بشكلٍ يفخر به ساكن القبر كما لم يفخر من قبل على مدى قرون.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
حبيبتي حمص
عبدالله العثامنه -

كما الوردة المضرجه كما الحمرة المؤججه كما الرحيق المختوم كما البعيد الغالي في ثغر التخوم،، كما لم ارى الزهو في حياتي،، موت يتبختر ويختال يصيد ويغتال،، يتحدى ومبسم الحمصي الأخاذ يكشف عن الثغر !! يمرغ انف الموت بالتراب... باب سباع يا لك من باب!! من اي سفر من اي كتاب... من اي شمس معلقة من اي نور، من اي مشكاة ذاك الحضور...من اي اجنحة الورد انت!!وهذا المبسم... قسما والليل اقسم ان لا يعود على رباك ليل .

حبيبتي حمص
عبدالله العثامنه -

كما الوردة المضرجه كما الحمرة المؤججه كما الرحيق المختوم كما البعيد الغالي في ثغر التخوم،، كما لم ارى الزهو في حياتي،، موت يتبختر ويختال يصيد ويغتال،، يتحدى ومبسم الحمصي الأخاذ يكشف عن الثغر !! يمرغ انف الموت بالتراب... باب سباع يا لك من باب!! من اي سفر من اي كتاب... من اي شمس معلقة من اي نور، من اي مشكاة ذاك الحضور...من اي اجنحة الورد انت!!وهذا المبسم... قسما والليل اقسم ان لا يعود على رباك ليل .

رحم الله ايام حمص
مواطن سوري -

كانت حمص الجميلة الوادعة مضرب المثل في الدماثة والظرف وفي حسن التعايش بين أهليها حتى أنها كانت قبلة الفقراء يقصدونها للعيش الهادىء في حاراتها ويحسدهم في ذلك كل السوريين حتى تبينت لهم كل تلك الوحشية اللتي كان بعض الحمصيين يخفونها - معظمنا لم يصدق ما يسمع أويرى -هل يمكن لسوري وخاصة الحمصي أن يفعل بأخيه السوري الذي عاش معه قرونا كل هذا- قتل واختطاف وتنكيل بالجثث وحرق ثم يستغل كل ذلك ليقول ان النظام هو من يفعل ذلك وليعرضه على الفضائيات لتشويه سمعة بلده -انا نادم حقا على كل لحظة أحببت فيها حمص - لقد أثبتت حلب ودمشق حقا أنهما مدينتا الفكر والحب والتسامح والوطنية- عاشت سوريا

بالعكس
متشائم -

ليت الأخ الكاتب اختار عنوانا بسيطا اخر فقط بتبديل الكلمتين لتصبح (كفى حمص ) كفى ياحمص قتلا وكفى عنفا لقد قرفنا ونريد العودة الى أمننا وأماننا الى سوريا الجميلة الرائعة بتكاتف جميع ابنائها وحبهم بعضهم بعضا لقد أثبتت الأحداث أننا كنا في نعمة عظيمة يحسدنا عليها الاخرون فخربناها بأنفسنا

بالعكس
متشائم -

ليت الأخ الكاتب اختار عنوانا بسيطا اخر فقط بتبديل الكلمتين لتصبح (كفى حمص ) كفى ياحمص قتلا وكفى عنفا لقد قرفنا ونريد العودة الى أمننا وأماننا الى سوريا الجميلة الرائعة بتكاتف جميع ابنائها وحبهم بعضهم بعضا لقد أثبتت الأحداث أننا كنا في نعمة عظيمة يحسدنا عليها الاخرون فخربناها بأنفسنا

حمص يا دار السلام العدية
فارس الحمصي -

نعم هي نفسها حمص دار السلام حمص العدية فيها ضريح سيف الله المسلول والصحابي ابا ذر وكنيستي يوحنا المعمدان وام الزنار والتي قال عنها رحالة مغربي انها رمز التآخي حيث الكنيسة ملاصقة للمسجد منها يذكر التاريخ جاء اربعة اباطرة حكموا روما ومنها خرج اول رئيس منتخب للاستقلال الراحل هاشم الاتاسي الذي رفض فرض الاحكام العرفية لوقف المظاهرات احتضنت كافة الاحزاب السياسية في سورية من الشوعيين حتى الاخوان لم تعرف الطائفية الا في عهد حكم عائلة الاسد ومع ذلك شاهدوا هتافات اهلها يوم 18 نيسان ونجاتي طيارة يقف مع الشيخ الدالاتي

إلى المعلق رقم 2
أميمة ترمس -

هل حقاً تعتقد أن دمشق وحلب هما مدينتا الفكر والحب والتسامح والوطنية وحمص لم تعد كذلك لأنها قامت ضد النظام بشراسة بينما هدأت دمشق وحلب ووقفتا مع النظام لتفضيل التجار فيهما المال والسلطة على الدم السوري.وماذا سيكون رأيك إذا قامت دمشق وحلب ضد النظام. هل ستصف أهلها بالوحشية المخبأة كما وصفت أهل حمص. اتق الله يارجل في دماءإخوتك، ففي حديث عن الرسول (ص) لا أذكره حرفياً أنه قال بأن المسلم الذي لا يساعد أخاه عند الحاجة فإن الله لن يساعده عندما هو يكون بحاجة لمساعدة.كفانا أحقاداً ولنفكر كيف نوقف آلة القتل من الزحف إلى كل مكان.

إلى المعلق رقم 2
أميمة ترمس -

هل حقاً تعتقد أن دمشق وحلب هما مدينتا الفكر والحب والتسامح والوطنية وحمص لم تعد كذلك لأنها قامت ضد النظام بشراسة بينما هدأت دمشق وحلب ووقفتا مع النظام لتفضيل التجار فيهما المال والسلطة على الدم السوري.وماذا سيكون رأيك إذا قامت دمشق وحلب ضد النظام. هل ستصف أهلها بالوحشية المخبأة كما وصفت أهل حمص. اتق الله يارجل في دماءإخوتك، ففي حديث عن الرسول (ص) لا أذكره حرفياً أنه قال بأن المسلم الذي لا يساعد أخاه عند الحاجة فإن الله لن يساعده عندما هو يكون بحاجة لمساعدة.كفانا أحقاداً ولنفكر كيف نوقف آلة القتل من الزحف إلى كل مكان.

سأنقل خانتي الى حمص
حلبي حر -

كفى يا طغاة ومغول وقرامطة العصر يا ال الاسد. هناك شراذم لا تستحي على نفسها من ان تقول للضحية كفى موتا على يد جلادك !!.. يا حيف بس. شكرا حمص. واؤكد لكم انني من حلب، التي سأفتخر بالتبرء منها بعد التحرير وانقل خانتي الى حمص.

لله در احفاد خالد
مصطفى العراقي -

مدينة سيف الله المسلول لله درها, رفعت الرأس فانت اخت الفلوجة. لك من العراق المحتل امريكيا وايرانيا كل التقدير والاحترام ولشبابك الابطال لا نقول الا عافاكم الله ونصركم والله لقد رفعتم رؤوسنا عاليا.

لله در احفاد خالد
مصطفى العراقي -

مدينة سيف الله المسلول لله درها, رفعت الرأس فانت اخت الفلوجة. لك من العراق المحتل امريكيا وايرانيا كل التقدير والاحترام ولشبابك الابطال لا نقول الا عافاكم الله ونصركم والله لقد رفعتم رؤوسنا عاليا.

To # 2 ....3
Salam -

Which dark tunnel you live in? Hase any of you read or seen a different version of the events than the one that emanates from your tribe or your stupid cosusin the butcher of Syria

To # 2 ....3
Salam -

Which dark tunnel you live in? Hase any of you read or seen a different version of the events than the one that emanates from your tribe or your stupid cosusin the butcher of Syria