جريدة الجرائد

الأمير سلمان ... و«شوية البدو الرجعيين»!

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

عبدالله ناصر العتيبي


قبل أكثر من ثلاث سنوات، جمعني لقاء مع الأمير سلمان بن عبدالعزيز وزير الدفاع السعودي الجديد في مكتبه السابق بإمارة منطقة الرياض. وكان الأمير قد أرسل في طلبي للحديث عن موضوع معين كنت قد أثرته في كتابة سابقة في صحيفة "الحياة".

تحدث معي الأمير في أمور كثيرة، وتشعب في مواضيع شتى اعتماداً على معرفته وحصيلته الثقافية الموسوعية التي أعرفها ويعرفها الكثير من السعوديين، لكن ما بقي في ذاكرتي من ذلك اللقاء هو تأكيده على أنه مع حرية التعبير عن الرأي أياً كان مصدره وأياً كانت وجهته بشرط أن يكون نتاجاً للموثوقية والصدقية، وألاّ يتسبب بضرر للوطن أو أي من مكوناته، وأنه لا يقبل أبداً أن تحيد شعيرة العدل عن مكانها، فكل المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات تحت العلم السعودي.

أظن أن الإيمان العميق والاعتقاد الراسخ اللذين يملكهما الأمير سلمان تجاه هذه المسائل خصوصاً، واللذين (الإيمان والاعتقاد) ينسحبان تأكيداً على بقية المتنفذين في السلطة السعودية بحكم مكانة الأمير في منظومة الحكم وقوة تأثيره محلياً، ساهما بشكل واسع في ثبات السفينة السعودية واتزانها على سطح بحر التغيير برغم تلاحق موجات الربيع العربي في الأشهر العشرة الأخيرة.

السعوديون مطمئنون إلى عقائدهم وأعراضهم وأنفسهم وأموالهم وعقولهم، ويعرفون أن هذه الطمأنينة ما كانت لتكون لو لم يقيض الله لهم أناساً من بينهم انبروا لتحقيق توازنات شديدة التعقيد كرامةً وحباً في أهليهم. ويعرفون أكثر أن للعدل في حياتهم قيمة عليا لا يمكن المساس بها من أي "كائن كان" حتى وان كان ذا قوة ظاهرة وتأثير غير محدود.

التوافق التاريخي وهامش الحرية المنضبطة الذي لا سقف له والعدل المحقق على أرض الواقع، كلها جعلت المواطن السعودي مراقباً لما يحدث في بعض الدول العربية، وداعياً اخوته العرب لأن يتخلصوا من ديكتاتوريات جرحت ضروراتهم الخمس، وفي الوقت ذاته معصوماً من طلب التغيير من أجل التغيير فقط، وهو الذي يملك ما يبحث عنه الآخرون: الحرية المنضبطة والعدل بين الناس.

قلت في مقالة سابقة هذا العام إن مسببات خروج الناس للشارع برغم مواجهتهم بالقمع والقتل العشوائي لا تخرج عن ثلاثة: الجوع والقمع المبرمج والاضطهاد الديني، وكل هذه الأعمدة الرئيسية للثورات غير موجودة في المشهدين السياسي والاجتماعي في السعودية، بل يمكنني القول إن ما يقابل هذه الأعمدة في الجهة الأخرى الموجبة، هو ما جعل السعوديين يقفون صفاً واحداً، مكونين جداراً منيعاً في وجه موجة سقوط أحجار الدومينو التي جاءت إلى البلاد على صهوة العدوى "الإعلامية" واستجابة لنداءات أطراف يهمها صناعة التابع وخلق حالة متوهمة من التقدمية على حساب وجود قوى رجعية مغلوبة، متوجبة للحشد دائماً، دعماً لتمام بدر الغالب.

في منتصف القرن الماضي كانت البلاد العربية تصنف في الإعلام المصري والإعلام الشامي إلى قسمين: دول تقدمية ودول رجعية. الدول التقدمية هي مصر وبلاد الشام والعراق والدول الرجعية هي دول الخليج ومن بينها المملكة. كان إعلام الحكومات الجمهورية الوليدة في ذلك الزمن يعمل على مدار الساعة على تأكيد هذه الحدية، فيما الدول الرجعية (اسماً) تعمل على بناء اقتصاداتها على أسس متينة وتشتغل على تكريس مفاهيم العدل والمساواة رأسياً وأفقياً في شبكاتها الاجتماعية.

انشغل التقدميون خلال توالي السنوات عن التنمية والبناء بسن القوانين القمعية و "الطوارئية" وتنفيذها على مواطنيهم، واستمر "الرجعيون" في تقديم منظومة الكرامة الإنسانية لمواطنيهم. وفي النهاية وعند بلوغ السيل الزبى، خرج الثائرون إلى الشارع في دول الانقلابات الجمهورية مطالبين بحقهم في الحياة، وأكمل التقدميون الحقيقيون، الذين كانوا يعرفون قبل أقل من ٥٠ عاماً بـ "شوية البدو الرجعيين"، مسيرتهم نحو تحديث دولهم وتفعيل آليات الإصلاح بما يتناسب مع تطور أنظمتها الاقتصادية والاجتماعية.

اليوم، والربيع العربي يضرب شواطئ دول المنطقة، عاد التقدميون الجدد إلى الدعوة تلو الدعوة إلى تغيير الأنظمة الحاكمة في الخليج اعتماداً على النشوة الثورية الناشئة وعودة لتكريس مفهوم المراكز والأطراف الذي نُسخ منذ أكثر من ٢٠ عاماً، وبدلاً من الاشتغال على تحقيق أهداف الثورات "المباركة" والعمل على نفي الجوع والقمع والاضطهاد الديني من بلدانهم، حولوا أنظارهم إلى دول "التوافق التاريخي" والحياة الكريمة، مطالبين أبناءها بالثورة من أجل الثورة فقط، تقليداً واتباعاً. لكن التاريخ يعيد نفسه من جديد، فثبات السعودية ورسوخ قيم "العدل والحياة الكريمة" بين أبنائها وتراكم التجارب الإصلاحية على أرضها، ساهمت في بناء رمز إقليمي شديد الصلابة لا يمكن أن يهتز أو يضطرب لمجرد المحاكاة والتقليد، وهذا ما أكده التغيير الذي طال منظومة الحكم مؤخراً والذي تم بسلاسة واضحة وهدوء كامل الدسم في ظل متغيرات إقليمية ذات جلبة كبيرة وأصوات عالية شديدة الحدة.

العدل وضمانات حرية التعبير والتنمية الشاملة التي لا تفرق بين مواطن وآخر ومنطقة وأخرى، كما يقول الأمير سلمان، هي حصانة الدول ضد موجات الزمان المتعاقبة، وأظن أن على إخوتنا العرب الخارجين من رحم الديكتاتوريات، أن يقرأوا أسفار الاستقرار ومسبباته كي لا يقعوا في أخطاء أسلافهم قبل أكثر من نصف قرن نفسها.

رحم الله سلطان الخير وأمدّ بالقوة إخوته وعلى رأسهم الملك المصلح عبدالله بن عبدالعزيز.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
البرج العاجي
عبد المجيد -

يظهر والله اعلم انك تتكلم من برج عاجي محاط ومجهز بنجهيزات موانع الصوت والصورة ايضا وكأنك لا تدري عن معدلات البطالة للشباب الجامعي فضلا عن معدلات الفقر والتي تتكلم عنها الجرائد المحلية واحيانا تنشر امثلة علي صفحاتها ولكن اظن انك من حقك ان تتكلم بهذا الاسلام حيث تعتبرانت من الصفوة التي لا تشعر بمعاناة الضعوف ولا تسمع أنات المقهورين فقرا اوبطالة واشياء أخري والله وحده المستعان

حقا؟
أحمد الأعظمي -

هل المواطنين الشيعة في المملكة العربية السعودية على قدم المساواة؟ او انهم الرافضة؟ هل يمكنهم ممارسة شعائرهم الدينية بالطريقة التي يؤمنون بها علنا ، ومن الواضح اننا نختلف معهم في ذلك ، ولكن هذا هو اعتقادهم

حقا؟
أحمد الأعظمي -

هل المواطنين الشيعة في المملكة العربية السعودية على قدم المساواة؟ او انهم الرافضة؟ هل يمكنهم ممارسة شعائرهم الدينية بالطريقة التي يؤمنون بها علنا ، ومن الواضح اننا نختلف معهم في ذلك ، ولكن هذا هو اعتقادهم

كلامك ذهب
وليد العراقي -

قلت في مقالة سابقة هذا العام إن مسببات خروج الناس للشارع برغم مواجهتهم بالقمع والقتل العشوائي لا تخرج عن ثلاثة: الجوع والقمع المبرمج والاضطهاد الديني، وكل هذه الأعمدة الرئيسية للثورات غير موجودة في المشهدين السياسي والاجتماعي في السعودية

ماشاء اللة احنا وين؟
ابن الرافدين -

واللة ياستاذ مادام انت تنتقد الجمهوريات الدكتاتورية واختزلت العدالة والتنمية في الملكة السعودية نحن ايضا نعرف شنو تاريخكم كيف استوليت على الحكم من عائلة ال رشيد بحد السيف الاملح وانت تتكلم عن المثاليات واختزلت كل الشعب السعودي موافق على الحكم طيب اتركوا الناس تعبر عن رايها بحق التظاهر الذي تويدونة بقوة في سوريا وتحرمونة عندكم وابعد من هذا تتهمون من يطالب بحقة انة يمثل اجندات وولاءة ليس للوطنة بس سوال انت وين تعيش ؟ارجو من ايلاف النشر

الحمد لله
أبا فاروق -

اخي معلق رقم ١ في كل دولة وكل عصر المشاكل الاجتماعية هذه موجوده من أزمنة قبل الاسلام .. و لا اختلف معك على كثير من الامور الموجودة في البلد لكن الحمد لله على كل حال والله ثم والله انها ليست شماته ولا استحقار بل ادعوا من أعماق قلبي لكل الامة العربية بان يسودها الأمن والأمان كما لدينا في السعودية من اليمن الى سوريا والعراق ومصر . أمور كثيرة جداً تغيرت والباقي في الطريق وملاحظ حركة الإصلاحات .. لكن لا تستطيع فتح الأبواب على مصراعيها دفعة واحدة في الوقت الراهن . تأكد الكل مدرك حكومة وشعب عدم الحراك المباشر سوف يؤدي الي كارثة غير متوقعة لا تحمد عقباها لا سمح الله .

ماشاء اللة احنا وين؟
ابن الرافدين -

واللة ياستاذ مادام انت تنتقد الجمهوريات الدكتاتورية واختزلت العدالة والتنمية في الملكة السعودية نحن ايضا نعرف شنو تاريخكم كيف استوليت على الحكم من عائلة ال رشيد بحد السيف الاملح وانت تتكلم عن المثاليات واختزلت كل الشعب السعودي موافق على الحكم طيب اتركوا الناس تعبر عن رايها بحق التظاهر الذي تويدونة بقوة في سوريا وتحرمونة عندكم وابعد من هذا تتهمون من يطالب بحقة انة يمثل اجندات وولاءة ليس للوطنة بس سوال انت وين تعيش ؟ارجو من ايلاف النشر

محمد - الخبر
محمد -

نعم الشيعة على قدم المساواة ولكن ما حال العرب السنة في ايران؟ والعراق؟ قانون اجتثاث البعث في العراق لماذا يطبق فقط على السنة بينما معظم البعثيين شيعة؟

محمد - الخبر
محمد -

نعم الشيعة على قدم المساواة ولكن ما حال العرب السنة في ايران؟ والعراق؟ قانون اجتثاث البعث في العراق لماذا يطبق فقط على السنة بينما معظم البعثيين شيعة؟