جريدة الجرائد

دور السعودية في الأزمة اليمنية

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

غازي العريضي

موقفان ميّزا إيجاباً صورة الأحداث العربية المؤلمة التي تشهدها دولنا في كل من مصر وسوريا واليمن والبحرين وليبيا...

الموقف الأول عبّر عنه خادم الحرمين الشريفين الفارس العربي الكبير الملك عبدالله بن عبد العزيز في حديثه خلال مناسبة رعايته الاتفاق بين القيادة اليمنية ممثلة بالرئيس علي عبدالله صالح وأحزاب المعارضة. وهو اتفاق يستند إلى المبادرة الخليجية التي أقرت منذ فترة لتأمين انتقال سلمي للسلطة في اليمن وضمان عدم إنزلاق البلاد نحو الفتنة والفوضى والدم، ولم يكتب لها النجاح طيلة الفترة السابقة.
الملك عبدالله، خاطب الحاضرين بالقول: "... نحتفي اليوم بما وفقكم الله إليه من تحكيم العقل ونبذ الفرقة وجمع الكلمة"... ودعاهم إلى الثبات على قول الحق الكريم جل جلاله: "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم". ودعاهم إلى مواجهة التحديات المقبلة "بحكمة وصدق وشفافية، وليكن طريقكم إلى ذلك الصبر والعمل، ومن دون ذلك لا مجال لتحقيق آمالكم وطموحاتكم وأهدافكم النبيلة". وختم بالقول:"أقول قولي هذا وأدعوكم للتمسك بقول الحق وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولاً " .

هو موقف الرجل المؤمن الصادق العاقل الشجاع الحكيم الحريص على أمن واستقرار اليمن ووفاق الأخوة وجمع الكلمة ونبذ الفرقة بينهم والوفاء بالعهد.

وهي خطوة لوضع حدّ للخلاف ولتأمين انتقال سلمي وفاقي للسلطة وتجنيب اليمن وشعبها فتنة واقتتالاً الجميع بغنى عنهما. يكفي الأمة ما يصيبها اليوم من فتن وأعمال دموية بسبب تعنت قادة ومسؤولين واختيارهم طريق التحدي والمواجهة بالدم لشعوب تريد التغيير.

واليمن دولة جارة وشقيقة للسعودية التي كانت دائماً إلى جانبها تشّد أزرها وتساعد أبناءها. وأمن اليمن واستقرارها ضرورة لليمنيين والسعوديين وكل أبناء الجوار. واستمرار الاحتقان والتظاهرات والمواجهات في مدنها المختلفة سوف يؤدي إلى إنزلاق البلاد نحو الحرب الداخلية، والتي لن تكون في مصلحة أحد من فقراء تلك البلاد الكبيرة الواسعة ومعظم أبنائها فقراء. لم يتوقف جهد خادم الحرمين الشريفين خلال الأشهر السابقة لوقف هذا المسلسل وتأكيد روح المصالحة والاتفاق والتضامن بين اليمنيين. اليوم، توج الجهد بالنجاح. وحضرت أمامنا صورة الملك عبدالله وهو يرعى الاتفاق منذ سنوات بين الإخوة الفلسطينيين في مكة المكرمة. وموقف اليوم هو ثابت من ثوابت سياسة هذا الرجل وتوجهاته وهو الذي يناشده كثيرون لوضع يده هنا أو هناك لحل مشكلة وتوتر نظراً لما يتمتع به من صدقية وبعد نظر وحكمة وتفان وتواضع وترفع وعفة وأخلاق وتسامح، تجعله هذه الصفات قادراً على تجاوز الكثير من الحساسيات والحسابات. لكنه لا يستطيع وحده فعل معجزات.

الأمر بحاجة إلى فعل وحكمة أصحاب الشأن في الدول العربية الأخرى. وإلى الوفاء بالعهد كما ذكر في كلمته. وعسى أن يكون تجاوب الرئيس اليمني في الساعات الأخيرة التي سبقت توقيع الاتفاق، خطوة جدية وأن يلتزم الجميع بما تم التوصل إليه لا أن يفشل الأخوة وتذهب ريحهم ويذهب الاتفاق أدراج الرياح!

نحن أمام فرصة حقيقية ينبغي تلقفها من قبل جميع الأخوة اليمنيين لضمان أمن واستقرار ومستقبل بلادهم.

وفي البحرين، كانت خطوة متقدمة وشجاعة من قبل مليكها حمد بن عيسى آل خليفة الذي قبل أمام كل المواطنين تقرير لجنة تقصي الحقائق، الذي أورد معلومات عن تجاوزات ارتكبتها عناصر الأجهزة الأمنية بحق المواطنين البحرينيين المعترضين، وأشار إلى عدم وجود أدلة على تورط إيران في ما جرى. وقد تناول الملك البحريني هذا الأمر أيضاً مؤكداً الالتزام بمضمون التقرير لاتخاذ الإجراءات اللازمة.

هذه فرصة أخرى، وللسعودية وقيادتها دور في حماية البحرين وتوفير الظروف الملائمة للمصالحة فيها وللخروج من المأزق، ولعدم انزلاقها نحو مشاكل ستؤدي إلى توترات في أكثر من مكان. هذه فرصة ينبغي أيضاً الاستفادة منها من قبل الجميع سلطة حاكمة ومعارضة في البحرين لتثبيت روح الوفاق والمصالحة في البلاد وفتح صفحة جديدة بين أبنائها.

إن عامل الوقت مهم في مواجهة مثل هذه الأحداث والحقائق والمتغيرات. ولا بد من التقاط الفرص واللحظات التاريخية والمبادرات في الوقت المناسب للحد من الإنفلات، وإبقاء الأوضاع تحت السيطرة، وتجنب التدخلات الأجنبية والتوترات وعمليات الشحن النفسي والتعبئة المذهبية أو الطائفية. فالمكابرة والعناد والاستعلاء والإدعاء من قبل أي مسؤول أو من يجلس في مركز قرار ليست صفات يمكن أن تؤهله لاتخاذ القرار الصائب الحكيم العاقل. والشجاعة ليست في التهّور والتسرّع والإحتكام إلى منطق القوة، بل تكمن في الاحتكام إلى قوة المنطق والإيمان والعقل والحكمة والاستيعاب.

المسؤول هو الذي يستوعب الأحداث وإفرازاتها والناس وانفعالاتها ويعرف كيف يتعاطى مع الوقائع ويستبق بمعرفته أي تطور دراماتيكي، ويبقي الأبواب مفتوحة للمعالجات والتسويات.

تحية إلى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز الذي يختزن في شخصيته تجربة ومعرفة وخبرة كبيرة تضعه في موقع المرجع الحكيم العاقل القادر على التدخل هنا وهناك لكنه يقف، ويتطلع حوله فيجد نفسه بدون شركاء وللأسف... هل يتعلم الآخرون منه قبل فوات الأوان؟ هل يستفيدون من تجربته ويقلعون عن الإدعاء ومخاطبته ومناشدته بالواسطة؟ الأمل اليوم في نجاح اتفاق اليمن، وتأكيد قرار وتقرير البحرين لضمان مصير آمنِ ومستقر هنا وهناك.

غازي العريضي

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف