بسيوني... محللاً سياسياً
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
قاسم حسين
في إحدى تجليات محمود شريف بسيوني، وقوفه أثناء كتاب تقريره الشهير على بعض اللحظات التاريخية المفصلية في تاريخ البحرين.
إحدى هذه اللحظات، كانت يوم 14 فبراير/ شباط 2002، مع الإعلان عن تحوّل البحرين من إمارة إلى مملكة، وإصدار الدستور المعدّل، يقول عنها: "وفي هذه اللحظة الهامة من تاريخ البحرين تفاوتت ردود فعل المواطن والشارع السياسي البحريني لدى استقباله التعديلات الدستورية... حيث كانت العديد من قوى المعارضة تتوقع عقد مشاورات سياسية واسعة النطاق لتدارس آلية تطبيق ما وافق عليه الشعب (في الميثاق) قبل اعتماد الدستور... ما دفعهم إلى انتقاد إصدار الدستور المعدل دون مناقشة عامة أو عرضها للاستفتاء الشعبي".
بسيوني أشار إلى انتقادات كبيرة وُجّهت للتعديلات، وخصوصاً عدم وجود توازن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وكذلك انتقاد جانب كبير من السنة والشيعة للدور الذي مُنح للشورى بما يتجاوز دوره الاستشاري، ويخرج به عمّا وافق عليه الشعب في الميثاق، حيث إن "التعديلات منحت السلطة التنفيذية قدرةً جائرةً على التدخل في العملية التشريعية" بحسب تعبيره.
في الفقرة التالية (94) من "الخلفية التاريخية"، يقول بسيوني انه لم تكن التعديلات وحدها السبب الوحيد للسخط والإحباط الذي أحس به جانب هام من قوى المعارضة السياسية، حيث رأوا في تقسيم الدوائر محاولة حكومية لمنح الفرصة الأكبر للموالين للحكومة. (ص 56). هذا الإحباط عزّزته سلسلة من المراسيم بينها مرسوم 56، ومرسوم (47) بقانون الصحافة "الذي كان مقيداً بشكل مبالغ لنشاط الحرية والنشر".
وينتقل بسيوني بتحليله في الفقرة التالية (96) أربع سنوات إلى الأمام، حيث يتوقف عند محطةٍ مفصليةٍ أخرى، عند حديثه عن التقرير الذي انتشر في العام 2006، وكان له دويٌّ هائلٌ آنذاك. ويبني بسيوني رؤيته واقتباساته من مصادر أجنبية وليست محلية، (لورين فراير "واشنطن بوست"، حسن فتح "نيويورك تايمز"، وألين جريش رئيس تحرير "لوموند ديبولماتيك" المعروف بسعة اطلاعه على قضايا المنطقة). وفي هذه الفقرة يتحدث بسيوني عن رهانٍ لبعض الجماعات والأقليات على تزوير الانتخابات، وتعرّض البحرين للانقسام، وعن التوترات الطائفية المتوقعة. ويتبنى البروفيسور بسيوني أيضاً فكرة وجود محاولات لإنشاء "منظمات حقوقية موالية، وتمويل نوعية محددة من الصحف ووسائل الإعلام و (المواقع) الاجتماعية على شبكة الإنترنت والمنتديات".
في الفقرة التالية (97) يقفز بسيوني في تحليله السياسي إلى درجة أعلى من الاستقراء فيقول: "تحوّل التفاؤل والاستبشار الذي كان سائداً في بداية الألفية الثالثة بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية شاملة، إلى حالة من الخوف والشك لدى قطاع عريض من المعارضة السياسية... في رغبة وقدرة حكومة البحرين على مواجهة المظالم التي طالما كانت السبب في جولاتٍ من الاضطراب المدني التي دامت عقوداً طويلة".
ويضيف: "خوف وشك دعمهم بطء التعامل مع المظالم الاجتماعية والاقتصادية الكامنة وراء السخط الشعبي بين العديد من البحرينيين، وعلى الأخص المستويات العالية من البطالة في صفوف (بعض من الناس)، والسياسات الحكومية في شأن منح الجنسية، واستمرار تفضيل الاستعانة بالأجانب على حساب المواطنين العاطلين". شكٌ وإحباط، وغياب أمل وتآكل ثقةٍ بالالتزام بمعالجة المظالم، وهي العوامل "التي أسهمت في جولات متكررة من الاضطرابات المدنية" بحسب تشخيص بسيوني للمشكل البحريني.
جاء بسيوني إلى البحرين محقّقاً ورئيساً للجنة تقصي حقائق، وربما لم يدُر بخاطره أن يكتب تقريراً فيه الكثير من عناصر التحليل السياسي المحكم. وربما نقرأ له في المستقبل مذكراتٍ عن تجربته "الصحافية" حين تحوّل من كواليس التقصي والتحقيق الجنائي إلى مجال التحليل السياسي