ربيع الثورات العربية يتوقف في اليمن عند «التسوية»
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
صنعاء - فيصل مكرم
لم تكن ثمة مؤشرات الى توفر فرص حقيقية توصل الحكم وقوى المعارضة إلى توافق ينهي أزمات متلاحقة استمرت سنوات طويلة وتفاقمت في السنوات الثلاث الأخيرة نتيجة فشل الحوار بين الطرفين في عديد جولات انتهت جميعها إلى طريق مسدود. كانت مطالب أحزاب المعارضة المنضوية في تحالف "اللقاء المشترك" تنحصر في ضرورة إجراء إصلاحات في النظام الانتخابي من خلال تعديلات جوهرية في قانون الانتخابات تضمن تكافؤ الفرص بين الحزب الحاكم (المؤتمر الشعبي العام) وأحزاب المعارضة، وتعزيز شروط نزاهة العملية الانتخابية وتؤكد حريتها، وعلى مبدأ التداول السلمي للسلطة، وتوفير الضمانات الكافية لمنع الحزب الحاكم من توظيف امكانات الدولة لمصلحته في العملية الانتخابية، إضافة إلى إعادة تشكيل اللجنة العليا للانتخابات ولجانها الأساسية والفرعية مناصفة وبالتساوي بين جميع الأطراف.
كانت المعارضة ترفع سقف مطالبها وشروطها كلما أبدى الرئيس علي عبدالله صالح والحزب الحاكم استعداداً لتقديم بعض التنازلات في مقابل الحصول على توافق مبدئي على حوار مع المعارضة. كان لأزمة الثقة بين الطرفين دور مهم في فشل التوافق على أجندة محددة للحوار. وكانت تدرك رغبة الرئيس صالح في إجراء تعديلات دستورية توافقية تلبي بعض مطالبها في مقابل منح الرئيس فرصة جديدة تمكنه من الترشح في الانتخابات الرئاسية لدورة انتخابية قادمة العام 2013 من خلال تعديل للمادة الدستورية النافذة التي تنص على دورتين انتخابيتين فقط للرئيس مدة كل دورة سبع سنوات. وبالنسبة للرئيس صالح فإن الدورة الحالية هي الأخيرة وفقاً لآخر تعديل دستوري في عام 1997، حيث ترشح مرتين وفاز بهما في انتخابات الرئاسة عامي 1999 و2006.
وخلال السنوات الأربع الماضية قبل اندلاع الاحتجاجات المطالبة برحيل علي صالح وإسقاط نظامه مطلع العام الجاري نجحت أحزاب المعارضة في "تكتل اللقاء المشترك" في الضغط على الرئيس صالح الغارق في أزمات اقتصادية وسياسية وحركة احتجاجات شعبية في المحافظات الجنوبية ومواجهة مع حركة التمرد "الحوثية" المسلحة في محافظة صعده (شمال البلاد) التي استنزفت الجيش اليمني في قوته وعتاده ورجاله في حرب خاسرة دارت رحاها منذ العام 2004، وحتى 2010 في جبال صعده ووديانها وقراها. وامتدت إلى مناطق مجاورة في محافظات الجوف وعمران وحجة ووصلت في العام 2008 إلى مناطق متاخمة للعاصمة صنعاء في مديرية بني حشيش (30 كيلومتراً شمال صنعاء) واستمر لعدة أشهر قبل أن تتمكن وحدات من قوات الحرس الجمهوري المدربة جيداً بقيادة نجل الرئيس العميد أحمد علي عبدالله صالح من إخمادها بعد مواجهات دامية أسفرت عن سقوط مئات المدنيين بين قتيل وجريح وتدمير عشرات المنازل والمزارع في المنطقة.
صعده والحوثيون
ولجهة حرب صعده، رفضت أحزاب المعارضة تأييد النظام في التعاطي معها على أنها حركة تمرد على الدستور والنظام الجمهوري كما كان النظام يصفها. واختارت المعارضة الحياد تارة، وتارة أخرى إدانة النظام واتهامه بشن حرب ظالمة غير مشروعة على شعبه في صعده.
أما لجهة حركة الاحتجاجات في الجنوب التي اندلعت في عدد من المحافظات في منتصف عام 2007 والتي بدأت بتظاهرات ومسيرات ترفع مطالب حقوقية، وتطالب بإنهاء سياسة الإبعاد والإقصاء لآلاف العسكريين، والموظفين المدنيين منذ نهاية حرب صيف عام 1994، ثم ما لبثت أن تحولت تلك الاحتجاجات إلى حركة "انفصالية" تحت مسمى جماعات "الحراك الجنوبي" ترفع شعارات مناهضة للوحدة اليمنية بين الشمال والجنوب وتعتبرها وحدة قسرية بعد حرب 1994، وتطالب باستعادة دولة الجنوب من الشمال، فقد سارعت أحزاب المعارضة إلى دعم المطالب المشروعة لأبناء الجنوب، وتحميل نظام صالح مسؤولية ما آلت إليه المحافظات الجنوبية من تفشي الفساد، والقمع المنظم، ونهب الأراضي، واستبعاد الكوادر العسكرية والمدنية من الوظائف والمناصب التنفيذية، ولمزيد من الضغط على نظام صالح دأبت المعارضة على رفض كل الحلول التي تبنتها الدولة لمشاكل الجنوب، وعلى رغم أن حركة الاحتجاجات في الجنوب خرجت عن إطارها السلمي في محطات عديدة.
اللقاء المشترك
وفي حين تمكنت أحزاب المعارضة اليمنية في "اللقاء المشترك" من الحصول على تأييد دولي يدعم مطالبها لجهة الإصلاحات السياسية ومحاربة الفساد المتفشي في مفاصل الدولة، وإحداث تغيير في مفاصل النظام ينهي حكم الحزب الأوحد ويجبر الرئيس صالح على العدول عن مشروع توريث الحكم لنجله والحصول على إصلاحات جذرية في النظام الانتخابي الذي يمكن كل الأطراف السياسية من الحصول على فرص متساوية في المنافسة عبر صناديق الاقتراع. فإنها ما لبثت تشكك في صدقية النظام حول حجم تواجد تنظيم "القاعدة" ونشاطه في اليمن، واعتبرت ما يقوله النظام لشركائه في الحرب على الإرهاب وفي مقدمهم الولايات المتحدة ودول الجوار الخليجي لا يستند إلى حقائق على الأرض، وإنما الغرض منه كسب تأييد ودعم تلك الدول، والحصول على مزيد من الدعم المادي والعسكري والأمني، والحصول على غطاء أميركي ودولي لجهة تشبث نظام صالح بالسلطة. ورغم ميل تلك الدول الى تصديق بعض ما تقوله المعارضة إلا أنها خشيت انزلاق اليمن إلى مصاف الدول الفاشلة والفوضى الداخلية بأنه سيكون في مصلحة "القاعدة" والجماعات المتطرفة، خصوصاً أن قوات الجيش والأمن اليمنية تخوض حرباً مع مسلحي القاعدة في محافظات شمالية وجنوبية منذ سنوات.
وكانت هذه الحرب تتم تحت سمع وبصر الشركاء الدوليين وواشنطن في المقدمة، كما أن وحدات مكافحة الإرهاب تحظى بدعم أميركي في مجال التدريب والتسليح منذ نحو عشر سنوات، ومع ذلـــك كانــت واشنطن وبعض دول الاتحاد الأوروبي تبدي تذمراً من تجاهل الرئيس صالح نصائحها لجهة تحقيق إصلاحات حقيقية في مؤسسات الدولة ومحاربة الفساد والاستفادة من مســاعدات البــنك الدولي والدول المانحة في مجال التنمية والبني التحتية والحد من البطالة والفقر.
وعلى رغم مما عُرف عن الرئيس صالح مقدرته على "تدويخ" معارضيه خلال 33 عاماً في سدة الحكم، فقد نجحت أحزاب "اللقاء المشترك" خلال الأعوام القليلة الأخيرة في "تدويخه" وتحقيق الكثير من المكاسب السياسية على حساب الأخطاء الكارثية التي مارسها حزبه الحاكم، ومنظومة نظامه في التعاطي مع الأزمات "المتوالية" مع المعارضة، والتعاطي مع إصلاحات حقيقية في مختلف المجالات، وقطاعات الدولة.
وفي هذا السياق توالت الضغوط الداخلية، والخارجية على نظام علي صالح، واتسعت مساحة الإحتجاجات، ورفعت المعارضة سقف مطالبها السياسية، ورفعت الصحافة سقف نقدها لسياسة الرئيس وفساد مقربيه، واستحواذهم على المناصب القيادية في المؤســـسة العســـكرية والأمنية، واستئثار أنصاره ومواليه بالمصالح والنفوذ على حساب الشعب، وعلى رغم أنف قطاع واسع من الخصوم والمعارضين، كان علي صالح يبدي استــعداداً في أحايين كثيرة لتقديم تنازلات لمعارضيه كلما اشتدت علــيه الضغوط، غير أنها جاءت غالباً في الـــوقت الذي تـــكون المعارضة تجـاوزتها إلى مطالب وشروط أرفع.