جريدة الجرائد

لبنان الشاهد و"ربيع الأصوليّات"!

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

الياس الديري

عاجلاً أم آجلاً، كان لا مفرَّ للبنان من أن يتهيّأ لتلقي نفحات من طراطيش "الربيع العربي"، وهدايا مربكة من ثورات التغيير والثورات على الثورات، من بعيدٍ وقريب.
مع سلبيّات تدغدغ عناصر التركيبة الهشة والتعدّدية التي تحوّلت عبئاً وخطراً كامناً، بعدما تغنّى بها الشعراء والأدباء وكبار القادة، على مستوى المنطقة العربيّة وعبْر البحار والقفار.
بلدٌ صغيرٌ يضم كل التناقضات والأضداد، فضلاً عن ثماني عشرة طائفة تشكّل كلٌ منها "مجتمعاً" قائماً بذاته، وإن تبدّى لمرحلة عابرة أنه مقبل على الانصهار في الصيغة "الفذّة"، والانتماء إلى النظام الديموقراطي البرلماني، بعفشه ونفشه وتقاليده وأعرافه...
بلد بهذه الأوصاف والأثقال، واقع في قلب العالم العربي، تحاصره مجتمعات واتجاهات بدعوات وأفكار وميول مندفعة نحو التطرّف، ونحو عكس كل ما يمثّله هذا البلد، وما يميّزه، وما جعله مؤهّلاً لفترة قصيرة أن يكون جسراً صالحاً بين الشرق والغرب، فكيف له أن يصمد في وجه أعاصير الخارج والداخل؟
وكيف له أن يبقى سويسرا الشرق، ومصيف العرب، ومشتاهم، وأوكسيجينهم، ومنبر حريّتهم، وجامعتهم، وملهاهم، ومنهل ثقافتهم ورغباتهم وتطلّعاتهم؟
وكيف تدعه الأنظمة القمعيّة يشهد ضدّها كلما صاح الديك وطلع النهار، وكيف لثورات التغيير المسرعة في عودتها وانعطافتها صوب الأصوليّات وينابيع التطرّف... وهو الذي يضمّ تحت جناحيه ثماني عشرة طائفة كانت مسرعة في اتجاه المزيد من التطوّر والإندماج تحت عباءة الديموقراطيّة والمواطنيّة والمساواة والتسامح والتسامي؟
وفي عصر "القاعدة"، والقاعدين حولها...
تذكرون فيلم "زاباتا"، وكيف قتل المتشدّدون حصانه قبل أن يتحوّل شاهداً ضدّهم؟
عاجلاً أم آجلاً، كانوا سيخربطونه، والأصحّ كانوا سيخربطون ما لم يخربطه بعد أهل الداخل والعازفون معهم على وتر إزالة هذا الشاهد المنغِّص لكل المشاريع الأصوليّة.
ولو بقي الرئيس نيكولا ساركوزي يرفع في قصر الإليزيه بنديرة لبنان ليل نهار، ويدافع بصوته وحركة يديه الإثنتين عن "استقرار لبنان وحريّته الضروريّين أكثر من أي وقت".
ولو تطوّر السجال المفبرك بحنكة حول قواعد وهميّة لـ"القاعدة" منتشرة في عمق لبنان وعلى تخومه التي يعبرونها ذهاباً وإياباً وسلاحاً وإرهاباً، بلا رقيب أو حسيب.
ليست الدولة اللبنانيّة هي التي تأمر وتنهي، بقدر ما هي آخر مَنْ يعلم وآخر مَنْ يُستشار وآخر مَنْ يصغى إليه.
فالأمر، الآن، عائدٌ إلى الدويلات بكل أسمائها ومواقعها وقواها.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف