جريدة الجرائد

في ذكرى العدوان على غزة.. أين نحن وأين هم؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

عدنان سليم أبو هليل

سبحان من قدر أن تكون محاكمة الساقط حسني مبارك وولديه وبعض وزرائه في ذات اليوم الذي يحتفل فيه الغزيون وحماس بالانتصار في حرب الفرقان.. وسبحان من جعل الذين كان العدو يحضرهم وميليشياتهم في العريش للانقضاض على غزة ومقاومتها تحت جنح العدوان.. جعلهم يهربون من الضفة أيضا ويتهمون في الضفة بمثل ما اتهموا به في غزة.. وسبحان الذي أرسب إيهود أولمرت ووزيرة خارجيته - ليفني - بعد ذلك العدوان بشهر في الانتخابات حتى كادوا يغيبون عن الذاكرة.. وسبحان من أصمد غزة وأصمد المقاومة فيها أمام أعتى الجيوش وأقذرها وها هي غزة والمقاومة تحتفلان بالنصر وتنتقلان من فرح لفرح وها هي المقاومة التي أرادوا إبادتها لا تزال على هيأتها وحالها وقدرتها وصواريخها ولا تزال في قلب معادلة ردع الاحتلال.. وسبحان من جعل إسماعيل هنية الذي تجاهلوه وحاولوا تقليله وأرادوا قتله.. سبحان من جعل مصر تستقبله استقبال الرؤساء والعظماء (المحبوبين) وها هو يجوب العالم ويتنقل حيث يريد..
كانت غزة يوم العدوان قبل ثلاث سنوات على ثلاثة مواعيد ؛ موعد مع العدوان، وموعد مع تواطؤ بعض الأشقاء، وموعد مع الصمود الذي عده المراقبون أسطورة وانتصارا باهرا في ظل اختلال معادلات القوة مع العدو وداعميه والساكتين والمتآمرين معه.. هذه المواعيد الثلاثة كلها صبّت في النهاية لصالح غزة وفي محصلة المقاومة.. فعلى صعيد العلاقة بين غزة وحماس توطدت بينهما لحمة الدم والمشروع والحياة والموت وتغيرت كثير من المواقف والمعادلات من حولهما لصالحهما، وعلى صعيد الأمن الداخلي ومحاولات البعض انتقاص سلطة المقاومة والمشاغبة وتحريش العائلات والاتجاهات عليها فقد انتهت تماما ولم تعد تحديا جديا، وعلى صعيد محاولات الاحتلال كسر إرادتها عبر ذاته وأذنابه وعملائه كأشخاص وكمواقف وكمواقع نفوذ وكاعتداءات.. انخفضت بل انتهت حتى رأينا فيما بعد قادة حماس والمقاومة يتنقلون ويتحركون ويبرزون في احتفالات النصر بالعشرات وأحيانا يجتمعون كلهم (من رئيس الوزراء إلى النواب إلى القادة الميدانيين) في مكان واحد وتحت سقف واحد غير عابئين بالاحتلال وغير آبهين بإمكاناته.. وعلى الصعيد السياسي والعلاقة بالسلطة في الضفة فقد وقع التحول الأبرز والمباشر الذي جعل قيادة السلطة تتحول من رفض التفاهم (مع القتلة) واشتراط إنهاء (الانقلاب) قبل الحديث عن أي مصالحة.. إلى البحث عنها وتقبل فكرة أن الوطن يتسع الجميع، وإلى طرق أبواب الوساطات المحلية والإقليمية لعقد المصالحة ليتحقق موعود الله تعالى للمؤمنين (ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين).
العدوان على غزة فشل، وهو فشل لا يمكن عزله عن سلسلة أفشال العدو الكثيرة والكبيرة التي سبقته أو رافقته أو لحقته ؛ فقد فشل في القضاء على حماس في 1996، وفشل في الانقلاب عليها بخطة دايتون دحلان، وفشل في تثوير الناس ضدها في غزة، وفشل في اغتيال السيد هنية بيد بعض الفلسطينيين في مرات معروفة، وفشل في كسب الرأي العام الفلسطيني لمفاوضات لا متناهية تهتك الحالة والحقوق الفلسطينية، وفشل في منع العمليات الاستشهادية، وفشل في حماية المستوطنين، وفشل في وقف الصواريخ والاحتماء منها، وفشل في ردع إيران وحزب الله..
ومنذ أن وضعت معركة الفرقان أوزارها.. بدأ يبرز الفارق بين ما قبلها وما بعدها على الفريقين.. وليس من المبالغة في شيء القول إن ثلاثة متغيرات طرأت على معادلات المنطقة وكلها مرتبطة بوثاقة بتلك الحرب ونتيجتها.. وتصب في محصلة ومصلحة المقاومة ونموذج غزة ؛ المتغير الأول: تجذرت حماس والمقاومة في الحالة الفلسطينية.. بما أطلق مساعي المصالحة بعدها مباشرة وجعل السلطة تحرص على احتوائها سياسيا ودبلوماسيا وبالتأكيد لم يكن مصادفة أن توقع السلطة على ورقة المصالحة وأن تقدم التنازلات بعد ذلك وليس قبله.. المتغير الثاني: الثورات العربية التي أسقطت حسني وبن علي وغيرهما وحررت الشعوب من الخوف.. صحيح أنها جاءت متأخرة بسنتين ولكن ذلك في الميزان الاستراتيجي لا يعني الكثير لو تذكرنا أن قيام الكيان الصهيوني عام 1948 كان السبب في تغير كثير من النظم بعضها كان تغييره بفارق سنوات.. والمتغير الثالث: كان على جانب العدو فقد تهتك ردعه وتحول من كلب حراسة في المنطقة وكان الغرب يهدد به (المارقين) على مصالحه الاستعمارية إلى حليف خائف يطلب الحماية وتقوم وزيرة خارجية أمريكا - السابقة رايس - بعقد اتفاقات أمنية إقليمية ودولية لحمايته - ثم تأتي الجيوش الأمريكية لتعززه بمناوراتها وتصريحاتها ولتحمي حدوده من جهة غزة ولبنان..
بعض من ناسنا الذين يستصغرون كل نصر ويستكبرون كل هزيمة.. سيقولون: هذا كلام جميل ولكنه أقرب إلى الأمنيات البعيدة المنال والأبعد عن الواقع والأقرب إلى الخيال.. وسيجتهدون في تذكيرنا بالانقسام في الحالة الفلسطينية خصوصا والحالة العربية والإسلامية عموما وبعظم قوة جيش العدو وتدججه بالأسلحة النوعية والذكية والاستراتيجية والتقليدية وبوجود جيوش أجنبية جرارة على أراضينا، وبما ابتلينا به من طغيان الفكر المادي والإحساس بالعجز العام والهزيمة وتواطؤ البعض مع الأعداء كثيرا أو قليلا مجاهرة أو في الخفاء.. وأقول:
وأقول: لو تجاوزنا قلة الدقة في هذا التشخيص للحالة الراهنة ولو افترضنا أن هذا الاعتراض صحيح فإنه يكون وجيها لو كان الحديث عن زوال دولة العدو متعلقا بهذه الليلة أو الغداة أو يرتجى بالهمم الساقطة والجيوش الرسمية البليدة الباردة، وأما أن العدو يمتلك قوة.. فإن وجود الدول واستمرارها ليس مرهونا بقوة مجردة عن المنطق الإنساني والمبرر القانوني والدعم الأيديولوجي ولقد شهدنا وقرأنا عن ممالك ودول وإمبراطوريات زالت وهي تمتلك قوة جبارة.. آخر مثال على ذلك الاتحاد السوفييتي، ونسأل: لماذا انسحب العدو من جنوب لبنان عام 2000 وترك من خلفه عملاءه اللحديين؟ ولماذا لم ينتصر في صيف 2006 على بضعة آلاف من المقاومين الأشبه بالمدنيين؟ ولماذا انسحب هذا العدو - المدجج بكل أسباب القوة العسكرية والاستخبارية - من غزة العزلاء الجائعة 2005 انسحابا كيفيا ومن طرف واحد؟ (ما أكثر اللماذيات في هذا السياق)!!
آخر القول: إن القوة العسكرية التي يمتلكها العدو ومهما عظمت أو فتكت فلن تستطيع تعطيل سنن الحياة ولن تقدر على حسم مشكلات التناقض بين الاستراتيجيات التي تقوم عليها دولته، ولن تكون قادرة على لجم ما سيترتب على تلك التناقضات من تهديد للسلم الداخلي في الكيان نفسه ولقد صار زواله حقيقة واقعية وحتمية تاريخية وإن نصر المقاومة وردها العدوان وردعه كلها مبشرات تحدد أين صرنا وأين صاروا هم و(من كان يظن أن لن ينصره الله فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ)!!

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف