جريدة الجرائد

إسرائيل وجنوب السودان

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

أحمد عمرابي


"إنها ستكون علامة فارقة في تاريخ الشرق الأوسط". هكذا وصف الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز مغزى العلاقة الناهضة بين إسرائيل وجمهورية جنوب السودان كما جسدتها زيارة الرئيس الجنوبي للدولة اليهودية الأسبوع المنصرم.

فما هو هذا المغزى؟

يجمع المحللون الإسرائيليون على أن إسرائيل أضحت تتبنى بُعداً استراتيجياً جديداً لمواجهة التداعيات الحاضرة والمستقبلية للصحوة الثورية المتفاعلة في العالم العربي من حيث إن هذه الصحوة الثورية تفرز أنظمة حكم جديدة ذات أيديولوجية إسلامية راديكالية تهدد الدولة الإسرائيلية في صميم وجودها.

ووفقاً للبُعد الاستراتيجي الجديد تتجه الطبقة الإسرائيلية الحاكمة صوب القارة الإفريقية (جنوب الصحراء) - لإنشاء تجمع إفريقي غير إسلامي تحت رعاية قيادة إسرائيلية على أن تكون جمهورية جنوب السودان الناشئة رأس الحربة الإفريقية لهذا التجمع المرتقب.

العلاقة التاريخية لإسرائيل مع حركة التمرد في جنوب السودان عريقة حقا.. فعمرها ينيف على نصف قرن. ولنرجع قليلاً للوراء.

ابتداءً من مطلع ستينات القرن الماضي انطلقت حركة التمرد المسلح الأولى من الأراضي الأوغندية في الجوار الجغرافي لجنوب السودان متخذةً في الوقت نفسه في العاصمة الكينية (نيروبي) مركزاً لنشاطها السياسي والدبلوماسي كحركة ترفع شعار العداء للشمال السوداني العربي والإسلامي مطالبة بفصل الجنوب الزنجي غير الإسلامي.

وسرعان ما تحركت القنصلية الإسرائيلية في نيروبي فأنشأت خيوط اتصال مع الحركة الجنوبية. وكانت النتيجة ليس فقط إمداد قوات الحركة "التي كان يطلق عليها اسم (أنيانيا)" بالسلاح بل وإقامة معسكرات تدريب لهذه القوات داخل أوغندا يديرها ضباط إسرائيليون.

كانت الحركة حينئذ بقيادة النقيب جوزيف لاقو. وابتداءً من الثمانينات وحتى حلول السلام بين الجنوب والشمال في عام 2005 كان التمرد المسلح الثاني بقيادة جون قرنق وباسم "الحركة الشعبية لتحرير السودان" وفي هذه المرحلة اتسع نطاق التعاون الإسرائيلي مع الحركة من حيث التسليح والتدريب. وشمل ذلك التعاون ابتعاث ضباط الحركة للتدريب في إسرائيل نفسها. وتواكب مع ذلك زيارات سرية منتظمة كان يقوم بها قرنق.

الآن وبعد انفصال جنوب السودان وتحوله إلى دولة مستقلة لم يعد هناك مبرر للخفاء والسرية. من هنا كانت الزيارة الرسمية إلى إسرائيل التي قام بها سلفاكير ميارديت رئيس الجمهورية الوليدة إيذاناً بدخول العلاقة التحالفية بين الدولتين مرحلة رسمية من التعاون الاستراتيجي.

خلال الزيارة التقى رئيس جنوب السودان كافة القيادات العليا الإسرائيلية: شمعون بيريز رئيس الجمهورية وبنيامين نتانياهو رئيس الوزراء وايهود باراك وزير الدفاع وأفيغدور ليبرمان وزير الخارجية. وورد في بيان رسمي صادر عن مكتب بيريز أن الرئيس الإسرائيلي قال لضيفه "إن هذه الزيارة لحظة تاريخية". وقال أيضاً إن "إسرائيل دعمت جنوب السودان وستواصل تقديم الدعم".

ولم يكن الرئيس الجنوبي أقل صراحة من نظيره الإسرائيلي بل بلغ في صراحته حد التذلل، فقد خاطب الرئيس الإسرائيلي قائلا: "بدونكم ما كنا لنكون موجودين، لقد قاتلتم معنا من أجل إنشاء جمهورية جنوب السودان".

ولم يكتف الرئيس ميارديت بمثل هذا القول بل حرص على اتباع القول بعمل فقام بزيارة نصب "ضحايا" محرقة اليهود في القدس. ولاحقاً أعلن أحد مساعدي الرئيس الجنوبي أن مقر السفارة الجنوبية المرتقبة سيكون في مدينة القدس باعتبارها "العاصمة الأبدية الموحدة لإسرائيل".

الإشارات واضحة: جنوب السودان يتحول إلى قاعدة إسرائيلية.. بل يمكن أن التحول حصل بالفعل أو على أقل تقدير وضع حجر الأساس. وهو تحول ينطوي على بُعد استراتيجي يستهدف انطلاقاً من الجنوب السوداني دخول إسرائيل كلاعب جديد مع الولايات المتحدة في منطقة القرن الإفريقية لإقامة تكتل من دول إفريقية معادٍ لتيار الصحوة العربية وأنظمة الحكم الجديدة في العالم العربي. ويمكن القول إنه كبداية جرى استقطاب كينيا وأوغندا وإثيوبيا - إضافة إلى جمهورية جنوب السودان بالطبع.

هذه هي معركة المستقبل بين إسرائيل والعرب.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف