رسالة الشعب المصري
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
أحمد عبد الملك
هل أرسل الشعب المصري رسالة للشعوب والحكومات العربية، على غرار ما قام به الشعب التونسي؟ وهل سيتم تلقي الرسالة بإيجابية وسعة صدر؟ أم أن الرسالة ستوغر صدور "البعض"، وتجعلهم يتمترسون أكثر وراء الحلول الأمنية؟
إن ما حدث في تونس شيء غير عادي، تماماً كما هو الحال في مصر! ولئن كانت هنالك أوجه تشابه في الحالتين من حيث تماثل النظامين! وصعوبة الأحوال الاقتصادية والاجتماعية، وغياب الشفافية، واستفحال نشاط مراكز القوى، إلا أن النهاية الدراماتيكية لابن علي، قد أوضحت الصورة في تونس، على رغم عدم الاتفاق على الترتيبة النهائية لشكل النظام. وما زالت الشرطة في مواجهة مع المتظاهرين. أما الحالة المصرية فما زال يكتنفها الغموض والأمل والأسئلة المفتوحة! فعلى رغم خطاب مبارك -الذي أقال فيه الحكومة- ومن ثم التعيينات الجديدة التي حدثت لأول مرة في حكمه الذي دخل عامه الثلاثين، وذلك بتعيين نائب لرئيس الجمهورية، ما اعتبر سدّاً أمام أية محاولة لتوريث الحكم لابنه، وتصريحات نائب الرئيس بإجراء إصلاحات معينة، إلا أن الثروة المليونية لم تلتفت إلى كل ذلك! وظهرت الجماهير غاضبة يوم الثلاثاء الماضي بعد أن تلاشت الشرطة -التي لم تحسن التصرف مع الشعب- وضمور دورها في الأيام التي تلت الجمعة. وما زالت الجماهير حتى كتابة هذا المقال متمسكة بموقفها.
ونحن إذ نعترف بأن ما يجري في مصر شأن خاص بالمصريين! إلا أننا مع كل إجراء أو وسيلة لحماية دولة القانون، وسيادة الأمور للشعب، وتحقيق الشفافية، واحترام حقوق الإنسان، واستغلال الثورة من أجل رفاهية الشعب وتنمية قدراته ورخائه.
ونأمل أن تتواصل الجهود كي يرضى الشعب المصري ويهدأ ويحقق مطالبه المشروعة دون مزيد من سفك الدماء أو الزج بأبناء الشعب في السجون. ولئن كانت تلك هي رغبة الشعب فلابد للحكومة ومجلس الشعب أن يتجاوبا معها، دون أن تكرر وسائل الإعلام أن تلك الثورة هي تحرك للغوغاء أو "الحرامية" كما نعتت ثورات شبيهة في العصور الماضية!
لن ندخل في تفاصيل المشهد المصري، ولكن تركيزنا سيكون على الرسالة التي أرسلها الشعب المصري للشعوب والحكام العرب! وفحوى هذه الرسالة يتلخص في الآتي:
إن القمع ليس من الوسائل الحضارية التي تقابل بها التجمعات الاحتجاجية التي يكفلها الدستور! وإن رغبة الشعوب هي المحك الأساسي في التعامل بين السلطة والشعوب! وإن الإعلام؛ مهما دافع عن التشوهات التي تكتنف أداء بعض الحكومات، لابد أن يخلع القناع قبل أن يسقط من حسابات الشعب، وتفقد الجماهير ثقتها فيه. وهذا يدعونا لضرورة مراجعة أداء وسائل الإعلام في العالم العربي كله، وأن يكون هنالك نهج جديد يعتمد الشفافية والحياد والرؤية الواقعية للأمور. ومن مضامين الرسالة للعالم العربي كله، أن غياب مؤسسات المجتمع المدني يكون سبباً رئيسيّاً في "تغول" بعض منفذي السياسات دون حساب أو مراقبة! بل إن وقت الأزمات يكشف عن أقنعة جديدة لم تكن الحكومات قد "عملت لها أي حساب". لأن فقدان هذه المؤسسات ومنعها من المساهمة في تأمين الحياة الكريمة للمجتمع يجعل الشعوب تعتمد على الأيديولوجية الدينية المتطرفة، أو العشيرة، وبذلك يسقط مفهوم المواطنة التي تتكرر في الأدبيات كل يوم.
ومن مضامين الرسالة أيضاً أن سعة الصدر وحب الحاكم لشعبه هما صمام أمان العلاقة بين المواطنين والحكومة! ولابد لهذا الحب أن يتمأسس على الصراحة والاحترام المتبادل. نعم تحتاج الشعوب العربية إلى الحديث المباشر مع حكامها لمواجهة الأحوال الاجتماعية وخراب المؤسسات والفساد والرشوة وعدم جودة الصناعة إن وجدت، وكذلك تهاوي البنى التحتية وشيوع الجريمة.
ومن الرسائل أيضاً أن هذا الحب بين المواطنين والحاكم لا ينبغي أن يبنى عبر العسكر أو قوانين الطوارئ.
إننا نعتقد أن هذا الحب إن وجد فلن تتحرك الجماهير ولن تغضب، لأنها ستأخذ حقها غير منقوص! وسيتمكن ممثلوها من نقل هموم المواطنين وطلباتهم إلى الحكومة، دونما لف أو دوران، وتلتفت الحكومة إلى تلك الهموم، حتى لو طالت رموزها ومقربيها. ومتى تمأسس ذلك الحب فإن المناخ لن يتهيأ للمستغلين لتكوين ثروات غير مشروعة .
والآن، كم من الشعوب العربية تنتقد حكامها؟! هذا سؤال جوهري ومهم طرحه في هذه المناسبة! لقد نشرت وسائل الإعلام الغربية لائحة بصور خمسة حكام للولايات المتحدة كلهم تغيروا. ماذا نستنتج من تلك اللائحة المصورة؟ أن بعض الساسة العرب يتمسكون بالكرسي، ولا يبعثون دماء جديدة! وأن تغيّره يكون عن طريق إزاحة بالقوة كما حدث مع صدام. وللأسف فإن بعض الحكام العرب يستوزرون فئات معينة أو أصدقاء معينين، دون بقية المؤهلين من أبناء الشعب، كما يقومون بتوزيع المنافع توزيعاً غير عادل. ناهيك عن غياب المساءلة!
نعم الرسالة وصلت وعلى كثيرين أن يتقنوا ترجمتها، وها نحن نرى الدول الكبرى مترددة حتى مع أقرب الناس إليها. والنظام الذي لا يحميه الشعب فلن تحميه القوى الخارجية.
اقرأ المزيد : وجهات نظر | رسالة الشعب المصري | Al Ittihad Newspaper - جريدة الاتحاد http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php?id=57336#ixzz1CqZbLZ00