NY Times : الثورات ليست جميعها وليدة تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
Andrew Woods - NY Times
تمنح الشبكات الاجتماعية المتظاهرين أداة للتنسيق السريع في ما بينهم، كما أنها تكشف عن معلومات مهمة بشأن خيارات الآخرين وآرائهم، وهي توفر أيضاً منصّة لطرح عبارات تشجيعية مثل "أنت لست وحدك، نراك في ميدان التحرير"، وقد تكون تلك المبادرات بسيطة للغاية، لكن ذلك العمل البسيط هو ما نسميه في عالم السياسة تضامناً، إنه أساس جميع الحركات الاجتماعية.
أدت الاضطرابات الأخيرة التي ضربت الشرق الأوسط إلى تجديد الجدل المتعلق بقوة وسائل الإعلام الاجتماعية.
فاضت الصحف بالعناوين الرئيسة التي تهلل بوصول "ثورة الفيس بوك" أو "دبلوماسية تويتر"، ويرد النقاد من أمثال يفغيني موروزوف على هذه الموجة من التحليلات عبر الإشارة إلى مبالغة الصحافة في تقدير نفوذ وسائل الإعلام الحديثة انطلاقاً من دهشتها بمفهوم "المثالية التكنولوجية". تساهم وسائل الإعلام الاجتماعية بالتنسيق السريع بين الأطراف، بحسب قول النقاد، ولكنها لا تحل المشاكل بما يضمن الحفاظ على حركة ناشطة متماسكة. إنها تحركات عفوية لا تحل مكان المنظمات السياسية.
صحيح أن "الفيس بوك" لا يحل مكان الحركات الناشطة التقليدية الفاعلة، لكن هذا الاعتراف لا يفسر دور "الفيس بوك" الحقيقي في مكان مثل مصر، فما دوره الفعلي في ذلك البلد؟
يرى مالكولم غلادويل، في نقده الأخير للحركات الناشطة الإلكترونية، أن مشكلة "الفيس بوك" ومستخدميه تكمن في واقع أن الشبكات الاجتماعية تفيد حصراً في تنفيذ بعض المهمات الصغيرة التي تعزز الروابط الاجتماعية الضعيفة. يسهل حشد مليون شخص ليسجلوا في موقع إلكتروني دعماً لقضية معينة، لكن غالباً ما تكون تلك القضية أشبه بحملة "أنقذوا دارفور"، ولا تُعنى بقضايا سخيفة مثل "مؤسسة حماية العارضات السويديات". لا يمكن أن تحل أدوات وسائل الإعلام الاجتماعية مكان العمل التنظيمي الذي تستلزمه حركة الحقوق المدنية مثلاً. في هذا الإطار، يقول غلادويل إن أدوات الوسائل الاجتماعية "ليست العدو الطبيعي للمراوحة في الأوضاع القائمة".
لكن ماذا لو كان الكشف عن المراوحة في الوضع كافياً للتغيير؟
"التجاهل الجمعي" هو ظاهرة مألوفة بالنسبة إلى علماء النفس. إنها عبارة عن المواقف التي يحتفظ فيها الناس بخياراتهم الحقيقية لأنفسهم لأنهم يعتبرون أن نظراءهم لا يشاركونهم قناعاتهم. عام 1975، أثبت عالم الاجتماع هوبرت أوغورمان أن "التجاهل الجمعي" هو المُلام على الاعتقاد الخاطئ الذي كان سائداً بين الجنوبيين البيض بأن نظراءهم كانوا يدعمون الفصل العنصري بشدة.
في مواقف مماثلة، قد تحصل تحولات سريعة في السلوكيات بمجرد طرح معلومات بشأن أولويات الآخر الفعلية. يُعتبر استغلال هذه السلطة، أي سلطة الآخر، ظاهرة قوية، فقد أظهرت الدراسات أن حجم استعدادنا لإثارة الفوضى أو تخفيض استعمال طاقتنا يرتبط بنظرتنا إلى ما يفعله نظراؤنا، وتساهم معرفة المعلومات بشأن الديناميكيات الاجتماعية في تغيير تلك الديناميكيات فعلياً.
لطالما استعمل الخبراء في مجال الصحة هذا المفهوم لمحاربة ظاهرة الإدمان على شرب الكحول. كشفت الدراسات في جامعة برينستون أن معظم الطلاب لا يحبون معاقرة الكحول، لكنهم كانوا يعتبرون أنفسهم أقلية. بالتالي، بدل حث الطلاب على معاقرة الكحول، كشف المسؤولون في المجال الصحي عن واقع أن معظم الطلاب لا يحبون شرب الخمر، وقد جعلوا بعض الطلاب الجامعيين ينشرون هذه الرسالة. يشكل نشر معلومات بشأن ما يفضله الزملاء قوة نافذة تؤثر في سلوكياتنا.
في مصر، لطالما كانت عدم شرعية الرئيس حسني مبارك سراً عائلياً، قلةٌ من الناس تجرأت على التكلم علناً خوفاً من عدم الحصول على دعم الآخرين.
هنا تكمن قوة "الفيس بوك"! إذ تمنح الشبكات الاجتماعية المتظاهرين أداة للتنسيق السريع في ما بينهم، كما أنها تكشف عن معلومات مهمة بشأن خيارات الآخرين وآرائهم، وهي توفّر أيضاً منصّة لطرح عبارات تشجيعية مثل "أنت لست وحدك، نراك في ميدان التحرير". قد تكون تلك المبادرات بسيطة للغاية، لكن ذلك العمل البسيط هو ما نسميه في عالم السياسة تضامناً، إنه أساس جميع الحركات الاجتماعية.
لا يعني ذلك أن الاحتجاجات الشعبية التي ينظمها "الفيس بوك"- حتى لو كان احتجاجاً واحداً أدى إلى نزول آلاف الأعضاء المطالبين بالثورة- تكفي للإطاحة بالحكومة، أو أن "الفيس بوك" يستحق الشكر على فعل ذلك. تستلزم الحركات السياسية حتى الآن درجة عالية من التنظيم.
اتضح هذا الأمر جلياً خلال الحملة الرئاسية التي خاضها باراك أوباما في عام 2008، وقد اعتُبرت أول حملة تتم عبر وسائل الإعلام الاجتماعية، وأعظم حملة منظَّمة في التاريخ الحديث. يُفترض أن تكون الشبكات الاجتماعية مفيدة في دفع الناس إلى اتخاذ خطوات صغيرة- مثل إطلاق الوعود أو تقديم الهبات الصغيرة- لا إلى إطلاق ثورات وطنية. غير أنّ حملة أوباما نجحت في إيصال رجل أسود إلى البيت الأبيض. كيف يُعقل ذلك؟
يكمن الجواب عن ذلك في واقع أن منظمي حملته نجحوا في إدارة علاقاتهم رأسياً وأفقياً مع الفرقاء المختلفين، فقد انطلقوا من معنى الشبكات الحقيقي، باعتبارها مصدراً عشوائياً لامركزياً للهِبات الصغيرة والتصريحات الإلكترونية، وسرعان ما ربطها منظمو الحملة بقيمهم السياسية. عنى ذلك ترك الشبكة تعبر عن نفسها، فهتف ملايين الأميركيين بشعار أوباما: "نعم نستطيع!".
لا شك أن الحركات العظيمة تستلزم قادة عظماء، لهذا السبب، يشكل غياب القيادات في الشرق الأوسط عاملاً سياسياً ملتهباً، ولهذا السبب لاتزال الفوضى عارمة في تونس.
لا تتعلق المسألة المحورية، في مصر واليمن وتونس معاً، بمدى توافر خدمات "تويتر"، بل يتعلق الأمر باحتمال وجود شخصية مؤثرة يمكن أن تُقدم على خطوات جريئة وتقتنص الفرصة لأداء دور القيادة أو الاكتفاء بالبقاء مع الحشود، ضمن مجموعة لامركزية أخرى على شبكة الإنترنت.
* باحث بارز في كلية الحقوق في جامعة هارفارد، ساعد في تحرير الكتاب المرتقب "فهم العمل الاجتماعي وترويج حقوق الإنسان" (Understanding Social Action, Promoting Human Rights)