جريدة الجرائد

محنة مصر..محنة العرب أيضاً...!

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك


خيرالله خيرالله

لا حاجة الى عبقري من اي نوع كان للتأكد من ان الشرق الاوسط دخل مرحلة جديدة في ضوء ما جرى في تونس، التي طوت صفحة الرئيس زين العابدين بن علي والعائلة المتفرعة عن زوجته السيدة ليلى طرابلسي، وفي ضوء ما تشهده مصر من تطورات حاليا. ليس صحيحا ان مصر لن تتأثر بالثورة الحقيقية التي شهدتها تونس على حدّ قول احد الوزراء المصريين. قال هذا الوزير بالحرف الواحد ان الكلام عن انعكاسات للحدث التونسي على مصر "كلام فارغ". تبين بعد اسبوع من اضطرار بن علي الى مغادرة تونس ان الكلام الفارغ هو كلام الوزير المصري الذي لم يدرك حجم التحولات التي تشهدها المنطقة التي "يعاد تشكيلها". وعبارة "إعادة تشكيل المنطقة" هي تلك التي استخدمها وزير الخارجية الاميركي كولن باول في سياق تبريره للحرب الأميركية على العراق التي بدأت في آذار من العام 2003.
ما زلنا في بدايات البدايات. الدول المرشحة لأن تشهد ثورات من داخل كثيرة. لا يزال مبكرا على وزير الخارجية الإيراني الجديد علي اكبر صالحي الكلام عن قيام "شرق اوسط اسلامي"، اي عن شرق اوسط تهيمن عليه إيران بسبب ما يجري في مصر. كلّ ما في الامر ان مصر ستكون قادرة عاجلا ام آجلا على تجاوز محنتها. اكثر من ذلك ان اي نظام جديد في مصر لابدّ من ان يسعى الى استعادة الدور الذي يفترض في اكبر الدول العربية ان تلعبه على الصعيد الاقليمي. في السنوات القليلة الماضية، كان هناك فراغ في المنطقة لانّ مصر لم تلعب الدور الذي يتوجب عليها ان تلعبه في مجال صدّ الهجمة الإيرانية على كل ما هو عربي في الشرق الاوسط. بكلام أوضح، لم يكن هناك تصد مصري فعال للخطر الذي تشكله إيران الساعية الى ان تكون قوة اقليمية فاعلة تسعى الى تقاسم النفوذ مع إسرائيل...
اذا كان من مأخذ على السياسة الخارجية لمصر في السنوات الاخيرة، فان هذا المأخذ يتلخص بان القاهرة كانت في وضع الرد على الهجمات التي تتعرض لها بدل ان تكون مبادرة الى فرض اجندتها على الآخرين. على سبيل المثال وليس الحصر، كان الهدف من وراء استيلاء "حماس" على قطاع غزة منتصف العام 2007، إقامة "إمارة اسلامية" على حدود مصر، على ان تدار هذه الإمارة من طهران وليس من اي مكان آخر. وهذا ما دفع رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية السيد محمود عبّاس (ابو مازن) الى الاعلان صراحة خلال زيارة قام بها اخيرا للقاهرة ان إيران هي التي تمنع "حماس" من توقيع وثيقة المصالحة الفلسطينية. لو كان الوضع طبيعيا في مصر، هل كان لـ"حماس" ان ترفض توقيع وثيقة مصالحة مع "فتح" لأن الوثيقة تلك صاغتها مصر ولأن التوقيع يجب ان يكون في القاهرة وليس في أي مكان آخر.
على الذين يفرحون حاليا بما أصاب مصر ان لا يبالغوا في الشماتة. يقول المثل الفرنسي: يضحك طويلا من يضحك اخيرا.على الشامتين بمصر ان يفكروا في ان هناك دولا في المنطقة، بينها إيران تعاني من مشاكل ضخمة، تبدو مشاكل مصر صغيرة لدى مقارنتها بها. نعم، حصلت اخطاء في مصر. نعم كان هناك ترهل على مستوى القيادة. وكان هناك افتقاد لاي نوع من المبادرات. كانت مصر في وضع المتلقي لا أكثر. كان هناك فساد وكان هناك سوء توزيع للثروة. وكان هناك نقص في التخطيط ونمو غير طبيعي في عدد السكان. في القاهرة نفسها، كان هناك ازدياد للمناطق العشوائية التي انطلق منها المشاغبون الذين ارتكبوا السرقات والاعتداءات طوال يومي الثامن والعشرين والتاسع والعشرين من كانون الثاني- يناير الماضي...
تبدو مصر الآن عند مفترق طرق. في حال استطاعت تجاوز محنتها، سيتمكن العالم العربي من تجاوز محنته ايضا. المهم ان يؤمن الجيش المصري انتقالا طبيعيا وآمنا للسلطة. متى تأمن ذلك، سيكون هناك نظام ديموقراطي معقول الى حدّ ما وحياة حزبية سليمة. سينعكس ذلك إيجابيا على المنطقة ككل. الاهم من ذلك كله، ان تعافي مصر سيعني تعافيا للدور العربي. ستكون الدولة العربية الكبرى قادرة على ان تقول لاسرائيل ان كفى تعني كفى وان لا مجال لاستمرار الاحتلال الى ما لا نهاية. وستكون قادرة على ان ترسم لإيران حدودا لدورها، اكان ذلك في الخليج او في العراق او في اليمن او في لبنان...
هل الرهان على مصر في مكانه؟ الارجح انه كذلك، لا لشيء سوى لان ما يدور في المنطقة ليس طبيعيا. صار الكبير والصغير يتجرآن على مصر وعلى سياسة مصر. صارت مصر مكسر عصا. صارت تخاف بدل ان تُخيف. ولذلك، صارت استعادة مصر ضرورة عربية. انها ضرورة للتوازن الاقليمي الذي اختل بعد الاجتياح الاميركي للعراق الذي امن انتصارا لإيران ومكنها من اختراق الامن العربي عن طريق العراق واستخدام الغرائز المذهبية. اثبتت مصر في الماضي ان العرب من دونها ليسوا شيئا وانهم في حاجة الى وزنها. ولذلك، يبدو الانتقال الهادئ للسلطة فيها، في حال حصوله، حدثا تاريخيا. سيمهد ذلك لتغييرات في دول عدة تعاني من انظمة فاسدة وديكتاتورية في الوقت ذاته تتاجر بالقضية الفلسطينية وتحاضر في الوطنية والعروبة.
تلك أهمية مصر وتلك إهمية ما تشهده ارض الكنانة هذه الايام. اذا اصطلحت اصطلح الوضع العربي. واذا لم تصطلح، سيكون في الامكان القول الف سلام على استقرار الشرق الاوسط وعلى كل ما هو عربي فيه...

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف