رحم مصر يقرر شكل الشرق الأوسط !
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
راجح الخوري
لا شيء يوازي الالتباس الذي عكسته مواقف قوى المعارضة المصرية التي تشارك في الانتفاضة على الرئيس حسني مبارك والنظام، إلا ذلك الالتباس الذي عكسته المواقف الاميركية المتلاحقة وبوتيرة على مدار الساعة!
واذا كان ليس هناك من عاقل لا يدعم التغيير في مصر، فإن خريطة الطريق الى هذا التغيير ليست متوافرة بطريقة واضحة ومتفاهم عليها بين "القيادة الموحدة لشباب ثورة الغضب" من جهة، والاحزاب المعارضة من جهة ثانية.
في المقابل، "خريطة الطريق" الأميركية ليست واضحة ولا مفهومة من خلال المواكبة الاميركية المضحكة - المبكية للتطورات الزلزالية في أكبر بلد عربي حليف لواشنطن. ومن الضروري التشديد هنا على ان من يتحدث عن حرية الشعوب في تقرير ما تريد لا يحق له في أي حال من الاحوال وضع مثل هذه الخرائط، أو حتى مجرد الإيحاء بها!
ليس الآن وقت الحديث عن سياسات أميركا وقباحاتها وحتى عن مسؤوليتها المتمادية عما آلت اليه أحوال مصر والمصريين الذين عاشوا في الماضي الضغوط بسبب متطلبات الحرب ضد العدو الاسرائيلي، ثم عاشوا الاستبداد بسبب الحماقات التي تفوق الخيال في تطبيقات "السلام" و"اتفاق كمب ديفيد".
واذا كان من كلمة ضرورية يجب قولها الآن، فهي انه ليس هناك في العالم من يحتاج الى سماع الرئيس باراك أوباما وهو يقول: "ان مصر لن تعود الى ما كانت عليه". فهذا أمر مفهوم وواضح وجليّ ونهائي. لكن ما ليس مفهوما بالتأكيد هو لماذا تعود أميركا دائما الى ما هي عليه من الاخطاء والحماقات؟
لعل ما يزيد الطين بلة، كما يقال، هو الاسلوب السمج الذي تطبقه واشنطن عندما تخاطب مبارك والمصريين مستعملة أسلوب الاملاء والأوامر: ينبغي ان يكون كذا... يجب ان يكون كذلك... على مبارك كذا الآن... وعلى الانتفاضة كذا وكذا غداً... ولكأن مصر تحت "الانتداب الاميركي". وهذا طبعا أمر عبيط ومهين ايضا.
❒❒❒
نعود الى جوهر الموضوع الذي هو الانتفاضة ضد مبارك والنظام لنقول:
❒ أولا: ان مبارك انتهى. والتوريث انتهى. والبطانة او الحاشية او مجموعة الحيتان في الحزب الحاكم انتهت ايضا، كما سينتهي الحزب عينه، وحتى لو حصلت تطورات اقليمية زلزالية انتهى هؤلاء، وما بعد 25 كانون الثاني المصري هو غير ما قبله فعلا.
❒ ثانيا: إن "تمسّك" عمر سليمان ورئيس الحكومة أحمد شفيق بعدم دفع مبارك الى التنحي أو الاستقالة، هو كما يقال "لأسباب تشريعية وقانونية... وكي لا تقع البلاد في فراغ دستوري".
المعنى السياسي والسيكولوجي، وهو الاعمق لهذا الكلام، ان المؤسسة العسكرية التي خرج منها مبارك، وقد يخرج منها على الاغلب خلفه (ربما رئيس هيئة الاركان سامي عنان)، لا ولن تسمح بدفع مبارك الى مصير يشبه مصير زين العابدين بن علي، لأن الأمر يمس بطريقة أو بأخرى هيبة وكرامة المؤسسة والجنرالات.
❒ ثالثا: على أساس هذا، واضح أن الانتفاضة كسرت "تابو النظام"، لا بل علقته من رقبته في "ميدان التحرير"، لكن سيُترك لمبارك فتح بوابة إجراءات التغيير إداريا، وهذا يعطيه خروجا لائقا عبر التوقيع على سلسلة من اجراءات التغيير: (التعديلات الدستورية - الإحالات الضرورية الى مجلس الشعب، المتصلة بفصل الحزب الحاكم عن الدولة - وبتعديل المواد 76 و77 و88 - وبالطعون النيابية التي قد تؤدي الى اعادة شبه كاملة للانتخابات التي تم تزويرها - ثم الغاء حال الطوارئ قبل فترة محددة من الانتخابات).
الملخص الموضوعي لكل هذا، ان مبارك لم يعد رئيسا، وانما خَتْمٌ للتوقيع على التعديلات في يد الجنرالات.
❒ رابعا: ان الانتقال الدستوري الفوري كان يقتضي وجود دستور مكتوب وبرنامج حكم وخطة عمل ومسار سلطات توافق عليها أغلبية المصريين الـ85 مليونا، لكن الانتفاضة المصرية لم تحمل شيئا من كل هذا:
قالت وتستمر في القول: "ارحل"، من دون تأمين بدائل، بما يعطي مشروعية لمخاوف متزايدة من الفراغ والفوضى، وخصوصا بعد تصاعد ازدحام الاصابع الخارجية المتدخلة اقليميا ودوليا في مسار الانتفاضة.
❒ خامسا: هناك أحزاب تفاوض السلطة في مصر. هذه الاحزاب في المعارضة منذ زمن، لكنها لم تفعل شيئا. الآن امتطت صهوة حركة الشباب وستحاول بلا ريب تجييرها لمصلحتها وإن كان هناك خلاف بين هذه الاحزاب عينها.
في المقابل، تشكلت "القيادة الموحدة لشباب ثورة الغضب" وتواصل الاعتصام والتظاهر، وإن كان بنسبة أقل، في ميدان التحرير، وتتمسك بمطالبها:
رحيل مبارك وتغيير النظام. الرحيل مفهوم يحتاج الى طائرة لرئيس قرر ان يموت في بلده، كما قال (!) أما النظام البديل فسيولد مع "الوقت" وعبر مرحلة انتقالية تقودها حكومة وحدة وطنية تتفق عليها القوى الوطنية.
هنا من الضروري القول: إذا كانت حقبة مبارك تنتهي بعد 8 أشهر، فإن بداية الحقبة الجديدة قد تحتاج الى أكثر من هذا الوقت، وخصوصا بسبب الخلافات بين الشباب وأحزاب المعارضة، وفي وجود "الطوابير الخامسة" التي إن لم تكن دخلت على خط الانتفاضة فانها تستعد الآن للدخول، فمصر ثمرة يريد المتصارعون على استراتيجيات المنطقة نهشها، ربما لأن الشرق الاوسط الجديد وتوازناته تولد من رحمها.
مصر لن تكون كما كانت، صحيح، لكن ليس من الواضح كيف ستكون. شباب مصر حققوا شيئا عظيما عندما حطموا جدارا من الكلس والفولاذ لم يبدأ مع مبارك بل قبل ذلك بكثير، وإن كان الماضي المصري لم يشهد ضمور الحاضر.
لكنها مصر، والتغيير فيها ولو بالتقسيط تغيير في المنطقة كلها، الى درجة أن أحد المتحمسين وصف القمة العربية المقبلة بأنها ستكون قمة للتعارف بين الزعماء الذين أفرزتهم الانتفاضات العربية المتلاحقة وهو أمر يحتاج الى وقت طويل!