الجيش في العلاقات المصرية - الأميركية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
عبيدلي العبيدلي
منذ اندلاع الثورة المصرية في 25 يناير/ كانون الثاني 2011، لم تتوقف الدوائرالحاكمة في واشنطن عن محاولة زج نفسها فيما يدور من أحداث على الساحة المصرية، فتارة يبرز الرئيس الأميركي باراك أوباما، وأحياناً أخرى تظهر علينا وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون، وفيما بينهما نجد اجتهادات مسئولين في وزارتي الأمن والدفاع الأميركيتين.
من بين الاهتمامات المكشوفة تلك المكالمات الهاتفية التي قام بها نائب الرئيس جوزيف بايدن في يوم الخامس من فبراير/ شباط 2011، وحادَثَ فيها نائب الرئيس المصري عمر سليمان، حاثّاً إياه خلالها على ضرورة "التقدم في بدء مفاوضات شاملة، وذات مصداقية لانتقال مصر إلى حكومة ديمقراطية لمعالجة تطلعات الشعب المصري، مشدداً على الحاجة إلى خطة إصلاح ملموسة وجدول زمني واضح، وخطوات فورية تظهر لعامة الناس وللمعارضة أن الحكومة المصرية ملتزمة بالإصلاح، ومعرباً عن قلقه إزاء الهجمات المستمرة على المجتمع المدني، وداعياً إلى الإفراج الفوري عن الصحافيين والنشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان الذين اعتقلوا بدون سبب".
في اليوم ذاته أجرى الرئيس أوباما مجموعة من الاتصالات الهاتفية مع عدد من الزعماء من بينهم رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل لمناقشة "الوضع الراهن في مصر"، معرباً، هو الآخر "عن قلقه البالغ إزاء استهداف الصحافيين ومجموعات حقوق الإنسان"، مؤكداً من جديد "أن الحكومة المصرية تتحمل مسئولية حماية حقوق شعبها والإفراج فوراً عن أولئك الذين اعتقلوا ظلماً".
بعد هاتين المحادثتين بيوم واحد، صرحت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، لمحطة "إن بي آر" الألمانية، بأنها ومسئولين آخرين عرباً "قلقون، حول ما سوف يحدث لاحقاً... بعضهم يقلق بدرجة أكبر من غيره". ولم تنكر كلينتون في المقابلة ذاتها التي أجراها معها ميشال كليمان أن تؤكد على أنها قدمت للحكام العرب "النصيحة نفسها التي قدمناها على مدى سنوات خلال الإدارات الأميركية الجمهورية والديمقراطية على حد سواء. إننا نؤمن بأن الأنظمة الديمقراطية هي أكثر استقراراً من الأنظمة الدكتاتورية. إننا نؤمن بالإصلاح الاقتصادي الذي ينشر الازدهار بصورة واسعة بين السكان، الذي يبني طبقة متوسطة، والذي لا يُثري النخبة فقط. نحن نؤمن بأن الإجراءات ضد الفساد ضرورية لمنع تقويض الثقة القائمة بين القادة ومواطنيهم".
ملخص كل ذلك، أن واشنطن تتابع قلقة تطور الأحداث التي، لم تتوقعها ومن ثم أربكتها، في مصر، وتخشى تكرار ذلك في المناطق العربية المجاورة، وعلى وجه الخصوص منها المناطق النفطية، حيث تنام الاحتكارات الأميركية ناهبة خيرات المنطقة على مستويين: الأول في ضمان تدفق النفط بالكميات التي تحتاجها، والأسعار التي لا تتجاوز السقوف التي تحددها، والثاني إعادة استعادة الأموال المسخرة لشراء النفط في بيع أسلحتها، واستشاراتها العسكرية الباهظة الثمن على من اشترت منهم تلك النفوط.
في ثنايا ملف الانتفاضة المصرية، يختفي فصل مهم من سفر العلاقات المصرية - الأميركية وهو المتعلق بالعلاقات العسكرية، وهو أمر لفتت النظر إليه العديد من الدراسات والمقالات الجادة ومن بينها ما دوّنه المفكر المصري المعارض حسن عبدالرازق وقال فيه: "هناك جانب مهم للعلاقات المصرية الأميركية لم يلتفت إليه كثيرون خلال زيارة الرئيس مبارك للولايات المتحدة (15 - 18 أغسطس/ آب)، ربما لطبيعته الخاصة التي يغلب عليها السرية عادة، وهي العلاقات العسكرية بين الولايات المتحدة ومصر، وبالرغم من احتلاله مكاناً بارزاً في العلاقات بين البلدين منذ العام 1979 تحديداً، وقيام وزير الدفاع ورئيس أركان القوات المسلحة المصرية بزيارة للولايات المتحدة قبل زيارة مبارك وتمهيداً لها".
ويضيف عبدالرازق قائلاً "وطبقاً لخبراء الاستراتيجية فالعلاقات العسكرية بين الولايات المتحدة ومصر تتسم بخصوصية واضحة ترتبط بالموقع الجيو استراتيجي المصري، الذي يربط بين مكانة القاهرة المركزية في المنطقة العربية وانتمائها لمنظومات متعددة للأمن الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط وجنوب المتوسط وشمال افريقيا وذات الأهمية الحيوية للمصالح الأميركية، ولاسيما ما يتصل بأمن الطاقة وتأمين منابع النفط في منطقة الخليج ومحاربة الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا والحفاظ على أمن إسرائيل ومكافحة القرصنة في جنوب البحر الأحمر ومضيق عدن".
في السياق ذاته، نوّه نائب مدير وكالة التعاون والأمن الدفاعي التابعة لوزارة الدفاع الأميركية ريتشارد ميليس، في مداخلة له أمام مؤتمر عقد في نيويورك قبيل زيارة الرئيس المصري حسني مبارك للولايات المتحدة في العام 2004 قال فيها: "إن هناك الكثير من الأهداف والاهتمامات الاستراتيجية المشتركة بين الولايات المتحدة ومصر، منها تحقيق الاستقرار الإقليمي في الشرق الأوسط، وتسوية الصراع العربي الإسرائيلي من خلال عملية السلام، وكذلك مكافحة الإرهاب واستتباب الأمن في المنطقة وتحقيق النمو الاقتصادي".
ويعود عهد ازدهار العلاقات العسكرية بين مصر والولايات المتحدة الأميركية، بعد تدهورها إثر حرب 1967، بين العرب والدولة العبرانية، إلى العام 1976، حتى أصبحت مصر، كما تقول العديد من التقارير الموثوق بها: "تحتل المركز الثاني في قائمة الدول التي تتلقى معونات عسكرية أميركية بعد التوصل إلى اتفاق بين البلدين يتم بمقتضاه تنفيذ خطة تطوير القوات المسلحة المصرية، والذي أصبحت مصر بموجبه من بين الدول التي تستطيع الحصول على قروض أميركية لشراء سلاح أميركي وهي القروض المعروفة باسم قروض المبيعات العسكرية الأجنبية، واستمراراً لهذه العلاقات بدأت منذ العام 1994 المناورات العسكرية الأميركية المشتركة المعروفة باسم "النجم الساطع"، حيث جرت أكثر من مناورة شاركت فيها قوات عسكرية من الجانبين، استهدفت التدريب على العمليات الهجومية والدفاعية الليلية والنهارية وتدريب القوات الأميركية على العمليات القتالية في الظروف الصحراوية في الشرق الأوسط".
ما يدفعنا إلى التركيز على العلاقات العسكرية المصرية - الأميركية، هو اتجاه القوى السياسية الأكثر حضوراً في معادلة الصراع المصري في الآونة الأخيرة نحو المؤسسة العسكرية باحثة عن حل يمكنها أن توفره من أجل إخراج مصر مما أصبح يعرف بأزمة النظام "المباركي". وبالتالي فمن غير المستبعد، وبفضل العلاقة المميزة بين واشنطن والقاهرة في نطاق المؤسسة العسكرية المصرية، أن يتفق الرئيسان: مبارك وأوباما على مجموعة من الضباط المصريين من ذوي الرتب العالية، ومن خارج قائمة "السوء" التي قد تواجه برفض من الشارع المصري، كي تأتي في لبوس "المنقذ"، الذي سوف يصعب على الشارع المصري رفضه، لكنه سيؤمن خطة "الفرار والتملص من المسئولية" للطاقم الحاكم الذي يشمل مبارك والشلة اللصيقة به، ويكون بمثابة الحل الذي يخرج مصر من النفق المظلم التي هي، بفضل تعنت مبارك، مقدمة على دخوله.