جريدة الجرائد

هل ستنتقل عدوى الانتفاضة المصرية إلى شرق آسيا؟

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

عبداالله المدني

ما بين مخاوف الإسرائيليين، ومخاوف الأوروبيين، وتردد الإمريكيين، وترحيب الإيرانيين، ونصائح الأتراك إزاء أحداث مصر الأخيرة، بقيت الصين وحدها، دون كل القوى الدولية والإقليمية، تراقب التطورات بصمت القبور.
وبطبيعة الحال فإن لهذا تفسيره المعروف. فالقيادة الصينية لا تزال، رغم تقادم السنين، تعيش تحت وطأة مخاوفها من تكرار ما حدث في عام 1989 ، حينما واجهت الشبيبة الصينية بصدورها العارية دبابات الجيش الأحمر في ساحة "تيان إن من"، مطالبة بالديمقراطية والتعددية والحرية.
ولعل أكبر دليل على وجود وتوارث تلك المخاوف هو مسارعة السلطات الصينية، في خضم أحداث مصر، إلى تعطيل البحث عن كلمة "مصر" في مواقع المدونات الصغيرة، وبوابات البحث الصينية المشابهة لموقع "تويتر"، وذلك من منطلق القلق من احتمال امتداد الإحتجاجات الإصلاحية والتغييرية في مصر إلى فضاء الإنترنت الصيني. وهو قلق له أسبابه الوجيهة. فإذا كانت أحداث ميدان "تيان إن من" قد استلهمت بعض الزخم من انتفاضة البولنديين وبقية شعوب دول أوروبا الشرقية الشيوعية ضد أنظمتها الحديدية، واستلهمت البعض الآخر من انتفاضة الشعب الفلبيني في عام 1986 ضد ديكتاتورية فرديناند ماركوس، وإذا كان ذلك قد حدث في زمن لم تكن شبكات الإنترنت، ووسائط التواصل الاجتماعي والجماهيري قد شاعت بالصورة التي هي عليها اليوم، وبشكل استغنت فيه الجماهير عن دور الأحزاب التقليدية، كقائدة ومحرضة، على نحو ما فصله الزميل العزيز الأستاذ سعيد الحمد في سلسلة مقالاته في "الأيام" عن "المدن القلقة"، فإنه من باب أولى أن يستلهم أي تحرك جماهيري قادم في الصين زخمه مما يجري اليوم في دول شرق أوسطية، على الرغم من البعد الجغرافي وإختلاف الظروف، خصوصا وأن الصين صارت اليوم إحدى الدول الرائدة في صناعة الوسائط قليلة الثمن للإتصال الجماهيري.
وفي رأي بعض المراقبين، أنه إذا لم يتأثر الشعب الصيني بمجريات الأحداث وتطوراتها في الشرق الأوسط، فإن هناك شعوبا آسيوية أخرى قد تتأثر وتنتفض ضد أنظمتها بشكل أو بآخر بوحي من أحداث الشرق الأوسط. وهنا يمكن إستبعاد كوريا الشمالية، بسبب ظروف شعبها البائسة وما يعيشون فيه من عزلة مطبقة عن العالم كله. لكنه لا يمكن استبعاد حدوث انتفاضة جماهيرية في غيرها من الدول الآسيوية التي لا تزال تدار بعقلية الحزب القائد والزعيم الأوحد، أي على نحو ما فعله الإندونيسيون ضد الديكتاتورية السوهارتية في عام 1998. وفي رأي هؤلاء أن فيتنام مرشحة قبل بورما وكوريا الشمالية للتغيير لأسباب عديدة.
من هذه الأسباب وجود طبقة وسطى متعلمة ضمن الملايين ألـ 86 من الشعب الفيتنامي. وهؤلاء تنامى عددهم بإضطراد خلال السنوات القليلة الماضية كنتيجة لتحقيق البلاد معدلات نمو جيدة بفضل مناخ السلام الجالب للإستثمارات الأجنبية، وذلك من بعد التجربة الفاشلة ما بين عامي 1975 و1986 لبناء المجتمع الاشتراكي الخالص، والتي أشاعت الحرمان والبؤس لأسباب لا مجال للخوض فيها هنا. والطبقة الوسطى في أي مجتمع، كما هو معلوم، تضطلع بدور هام ومحوري في أي تغيير مثلما حدث في ثورة الياسمين التونسية. والمنتمون لهذه الطبقة لئن صاروا اليوم في وضع معيشي جيد نسبيا، ويتمتعون بمعدلات دخول تصل إلى 1200 دولار، علاوة على إمتلاك السكن، وأجهزة التسلية "التلفاز"، ووسيلة التنقل الشعبية "الدراجة النارية"، ووسيلة التواصل "الهاتف النقال والإنترنت" التي بإمكانهم استخدامها بسهولة للتجمهر والتحشيد على نحو ما يفعلونه فعلا اثناء مبارات كرة القدم، إلا أنهم في الوقت نفسه لا يستطيعون من البوح بآرائهم بحرية، ومحرومون من تغيير قادتهم، وتكوين تنظيماتهم الحزبية المعبرة عن رؤاهم وطموحاتهم.
ومن الأسباب أيضا - بحسب ما ظهر على بعض المواقع الفيتنامية - وجود معضلة عدم التناسب ما بين أعداد الخريجين الجدد الباحثين عن العمل وعدد الفرص الوظيفية المتاحة، الأمر الذي أوجد بعض التذمر الصامت تحت مسمى "غياب العدالة الإجتماعية وتكافؤ الفرص". والشعار الأخير كما هو معروف كان من أبرز الشعارات التي رفعت في الإنتفاضة المصرية.
وهناك سبب آخر يتمثل في تراجع السلبية التي كان الفيتناميون يتعاملون بها مع أحداث العالم الخارجي. وقد لوحظ هذا في العام الماضي حينما تواصل الفيتناميون ساعة بساعة مع أعمال الشغب والتظاهر في بانكوك، كما لوحظ مؤخرا أيضا حينما بادرت أهم الصحف اليومية إلى تخصيص صفحات بأكملها للحديث عما جرى في تونس وعما يجري في مصر.
ويضاف، طبعا، إلى كل ما ذكر من أسباب، ترهل القيادة الحاكمة في هانوي وعجزها عن تقديم المبادرات الخلاقة، ناهيك عما بين أفرادها من تنافس على الإختصاصات والصلاحيات، وتفشي الفساد والمحسوبية ضمن أطرها. والمعروف أن القيادة الحالية للحزب الشيوعي الحاكم، التي أختيرت مؤخرا، يأتي على رأسها الأمين العام للحزب "نيغوين بو ترونغ" "67 عاما"، الذي يتوقع أن يختار هذا الشهر لمنصب رئاسة الجمهورية، وبالتالي قيادة الترويكا الحاكمة، ورئيس الوزراء "نيغوين تان دونغ" المعروف بشراسة دفاعه عن الإبقاء على شركات القطاع العام رغم خسائرها المتوالية وعجزها عن مسايرة الحراك الإقتصادي الآسيوي، والأمين العام الإحتياطي "ترونغ تان سانغ" الذي يكثر من ترديد مفردة "الإستمرارية" كضمانة للاستقرار - علما بأن "الاستقرار ليس مهما في حد ذاته، فالأهم من ذلك أسس الاستقرار وقواعده وإنعكاساته" على الناس" على نحو ما قال به زميلنا أستاذ العلوم السياسية في جامعة الملك سعود بالرياض الدكتور خالد الدخيل. والمعروف أن الرجلين الأخيرين قد تجاوزا الستين من العمر وينتقدان بعضهما البعض علنا بسبب التنافس على الصلاحيات والمكاسب المتأتية من التراخيص الإستثمارية.
وهكذا يصبح مفهوما ما صار يتردد على نطاق واسع في اليوميات والدوريات الآسيوية من أن شرعية الحزب الحاكم في فيتنام باتت محل تساؤل، وأن حماية الحزب كمتربع وحيد على السطة لا يمكن أن يستمر بالأساليب الأمنية وإغراء قادة الشرطة "يبلغ عدد أفراد قوات الأمن الفيتنامية 1.2 مليون نسمة" بالمقاعد والمناصب داخل البرلمان واللجنة المركزية للحزب، وأن بقاء الحزب يجب ألا يعتمد فقط على تقديم مستويات معيشية أفضل، وإنما تحقيق الحريات والعدالة الإجتماعية جنبا إلى جنب. فذلك تحديدا هو ما خرج به مراقبو إنتفاضة ميدان "تيان إن من" الصينية، وثورة الياسمين التونسية والانتفاضة الخضراء الإيرانية في العام الماضي. وبعبارة أخرى، فإن السبب في إندلاع تلك الأحداث لم يكن الإيديولوجيا، وإنما غياب الحريات والعدالة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف