عودة مصر لشعبها... وأمتها
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
إياد أبو شقرا
يا شعب جرحك في يديـ
ك وبين كفيك الدواء
(عبد المطلب الأمين)
أجمل ما في "ثورة 25 يناير" المصرية أنها جاءت عبر انتفاضة شعبية تفهمتها المؤسسة العسكرية واستوعبت دوافعها وأدركت أنها نابعة من قلب الشعب. فلا قوة - داخلية كانت أم خارجية - ادعت، ولا جهة تجرأت أساسا على الادعاء، بأنه كان لها دور في ما شهدته مصر من تحول تاريخي.
الشعب المصري، وبالأخص، الشباب الذي يشكل ثلاثة أرباع سكان مصر ومعظم دول وطننا العربي الكبير، كان القوة المحركة والدافعة... من دون جدول أعمال خارجي، أو ارتباطات وصفقات تحت الطاولة وفوقها. وهذا واقع، أعتقد، جازما، أن كل مصري مخلص، وكل عربي محب لمصر وحريص على سلامتها ورفعتها ودورها الإقليمي والقومي المميز، يأمل أن يتبلور ويتجسد - في الوقت المناسب - بحكم مدني وطني حقيقي التمثيل، يقوم على الشرعية السياسية المستمدة من إرادة الشعب الحرة والمرتبطة به وبمصالحه.
مع هذا، يدرك الجميع أن مصر ليست جزيرة معزولة عن محيطها. بل لا يمكن لمصر أن تكون "ضيفة" على هذا المحيط.
إنها منه وهو منها.
والشرارة التي حركت القوة التغييرية الجبارة الكامنة في ضمير الشعب المصري وإرادته الحرة ربما كانت تلك التي تطايرت من خارج الحدود... من تونس محمد البوعزيزي وأبو القاسم الشابي، قائل:
إذا الشعب يوما أراد الحياة
فلا بد أن يستجيب القدر
ثم مع الاحترام الواجب للجميع، فإن مصر ليست مجرد "دولة" عربية. إنها القلب الجغرافي للعالم العربي، ومركز الثقل السكاني والثقافي الأكبر فيه. وهي إحدى القوى الإقليمية الأربع الكبرى في منطقة الشرق الأوسط، إلى جانب إسرائيل وتركيا وإيران، بل هي الأكبر سكانا بينها.
لمصر دور إقليمي تاريخي هو قدرها، وما كان في الماضي ولا يمكن أن يكون في المستقبل، خيارا... تقبله أو ترفضه.
في عالم يرفض "الفراغ"، كان أمام مصر إما أن تنكفئ على ذاتها فيصبح شغلها الشاغل وهمها الأوحد الدفاع عن هذه الذات، وبذا تتعرض بالتدريج لفقد أوراقها وتحالفاتها وارتباطاتها المصلحية الحيوية ووصولها إلى روحها التي هي وحدتها الوطنية... أو تجعل من "الهجوم خير وسائل الدفاع"، فتتحصن داخليا عبر تعزيز حضورها وتفاعلها مع محيطها العربي الذي هو عمقها الاستراتيجي وحيزها الثقافي.
نعم، مصر كانت، وما زالت، محكومة بأن تكون "بروسيا العرب". قدرها ومصيرها أن تكون نقطة التلاقي وجسر الاتصال وبؤرة التفاعل في العالم العربي. وهذا الكلام ليس تمنيات بل واقع "جيو - سياسي" ملموس أدركه أعداء مصر والعرب منذ عهد بعيد، فعملوا على تمزيقه وشطبه. وبالتالي، بقدر ما هو بعيد تماما عن الحقيقة الزعم بأن مصر عبء اقتصادي على العالم العربي، فمن الغباء المطبق التوهم أنه بمقدور العالم العربي مواجهة اعتداءات المعتدين وتسللات المتسللين بمعزل عن حضور مصر ودورها الطبيعي في قلبه.
اليوم، العالم العربي في أمس الحاجة إلى مصر قوية منيعة، وحاضنة متفاعلة، بينما تدمر إسرائيل أي أمل باق في كيان فلسطيني قابل للحياة ونسيج فلسطيني قادر على الصمود، ويبدأ مسلسل تقسيم السودان، ويتهدد مستقبل اليمن، ويسقط كل من العراق وسورية ولبنان وبعض الخليج تحت خطر الهيمنة الخارجية المباشرة، وتتفجر في أماكن أخرى من شمال أفريقيا العربي انتفاضات الجياع والعاطلين عن العمل... ويتحول عشرات الألوف منهم إلى مشاريع "مهاجري قوارب" غير شرعيين إلى أوروبا.
من المفهوم، أن أمام مصر اليوم معركة كبرى من أجل إعادة البناء داخليا. وقد تكون هنا بالضبط نقطة البداية الأنسب للعالم العربي، لكي يستثمر في صحة مصر البشرية والاقتصادية والاستراتيجية، التي هي خير ضمانة له وخير دفاع عنه في الآتي من الأيام.
لقد تكلمنا كثيرا عن التكامل العربي والمصير العربي المشترك، وها هو الآن وقت الفعل. ومثلما العرب في حاجة إلى دور مصري إقليمي فاعل يحميهم ويدافع عنهم، فمن حقها أن تنتظر منهم دعمها في هذا المفصل الحيوي من تاريخها الحديث.
المسألة في النهاية مسألة تكاتف وجودي، فإما تتوحد الإرادات لتقوم الجبهة الواحدة، وإما يستمر التشرذم - لا قدر الله - فيتحول العرب، كل العرب، إلى أيتام على مائدة اللئام.
الصورة واضحة ولا تحتاج إلى "رتوش".