مبارك.. كنتُ سأحيّيك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
عبدالمنعم الاعسم
سقوط رئيس مصر محمد حسني مبارك خرج من الاحتمالات الى الحقيقة. لا تهم طريقة إعلان السقوط، مباشرة بنفسه من على الشاشة الملونة، ام من خلال وسيط له تكفل الاعلان بالنيابة، لكن لابد ان نتهجأ بعض خطوط الفروسية في تفاصيل هذا الزلزال، بعضها تـُحسب له، إذ انقذف الى خارج المعادلة، مع سلطة الاستبداد التي شيدها بكيمياء القوة والتخويف ونصوص الدستور خلال ثلاثين سنة باقل ما يمكن من الخسائر بالارواح والخراب.. وكنت سأحييه عن ذلك.
لم يكن مبارك فارسا تماما، حتى حين قرر ان يتخلى طوعا عن السلطة وينال عبارة تحية خجولة من العسكر. كان الفارس هو الجيل الذي انتفض على مبارك واختار ان يكون متحضرا وشجاعا وصبورا، وقبل كل شيء، وطنيا. وبين الفروسية والوطنية مصاهرة قديمة تظهر آياتها في تحولات التاريخ حيث يصبح الوطن امانة بيد ابناء بواسل يغارون عليه ويضعونه في وسط عيونهم، ويبللون وجهه بالدموع.
اقول كنت سأحيي مبارك وهو يترجل عن الحكم بالتي هي احسن، وفي الذاكرة حكام ترجلوا الى توابيت او مزابل ، وتنازلوا وسط بحيرات من الدماء والفواجع، واستقالوا بعد ان اقالوا بلدانهم من خارطة الدول الآمنة، وكنت ساقول يمكن لنا ان نعطيه العذر عندما لجأ الى تلك المناورات والمحاولات لاطالة امد البقاء على الكرسي سبعة اشهر زيادة على الثلاثين، حيث طاول على كرسيّه جيلا عن جيل فماذا ستنفعه هو، او تضر تلك الاجيال، بضعة اسابيع، بل كنت ساصدقه وهو يعلن انه لن يترشح للرئاسة مرة اخرى ولن يورثها لابنه المدلل، وانه ملتزم بنقل السلطة سلميا الى من يختاره الشعب، وانه سيضع وعود الديمقراطية موضع التطبيق في تشريعات جديدة.
لم تكن هذه التداعيات لتنفصل عن حالة سقوط صدام في ذاكرتي، بل وفي ذاكرة ملايين العراقيين، فلو تركها، بعد حرب الكويت الكارثية، لجنب العراق الاحتلال والحواسم وصراع الطوائف وبرك الدماء وقطعان القاعدة وعصابات الانتقام والمليشيات، لكنه مضى بها الى حتفه وخراب البلاد.
كنت اوطّن قضية مبارك على وهم، او على حزمة من الاوهام، أو فقاعات من الاوهام، بان للسلطة سحرا محدودا بالنسبة لبعض اصحابها، وان الرجل شبع منها حد التخمة، وليس في العمر بقية من طموح الى المزيد، كما انه اتعض (هكذا توهمت) من تجارب حكام سبقوه الى ساعة الحساب الفاصلة فنحروا بلدانهم قبل ان ينتحروا، وفي لحظة اختلطت الاوهام بالواقع، فقد اعطانا الرجل فرصة ثمينة لنثق بقدرات الشعب الاعزل، المقموع، المغلوب على امرة، على ان يغيّر اقداره بالعصيان المدني السلمي.
في هذا.. في اتاحته لنا هذه الفرصة النادرة على مستوى هذا الارخبيل الجغرافي.. كنت سأحيي مبارك وهو يتنحى..
وهو يسقط.
وكلام مفيد.. ldquo; أفضل وسيلة للبر بالوعد أن لا تعد".
نابليون
*
" أفضل وسيلة للبر بالوعد أن لا تعد".
نابليون