شخصيات صنعت الحدث : خالد ســعيد أيقونة الثورة وعريســـها الحاضـر الغـائب
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
القاهرة - مجدي كامل
هكذا فجر مقتل خالد سعيد شرارة الغضب الاولى
إعدام بلا محاكمة وإلباس الضحية ثوب الجاني علي طريقة حبيب العادلي!!
كيف بدأت عملية تصفية خالد الجسدية بسؤال بريء : إحنا بنتفتش ليه ؟!
حقق الشعب المصري معجزة عظيمة طالما حلم بها المناضلون من أجل الحرية في مصر وفي العالم، ونجح بشجاعته وعزيمته وتضحياته الجسيمة في إسقاط نظام الخوف والقمع والإقصاء، نظام كان يظن علي نطاق واسع، في مصر وخارجها، أنه غير قابل للسقوط. ونحن إذ نترحم اليوم علي أرواح شهداء ثورتنا المجيدة، ندعو كل المصريين إلي تجسيد أهدافها العظيمة، وفي مقدمتها إقامة نظام سياسي ديمقراطي حقيقي، يحترم إرادة الشعب، ويضمن حرياته الفردية والجماعية دون إقصاء أو استثناء أو تمييز. ويعد الشاب المصري خالد سعيد، أيقونة الثورة المصرية في طليعة شهداء هذه الثورة، بعد أن كان مقتله علي أيدي أجهزة الأمن القمعية للنظام في السادس من يونيو عام 2010 سببا لانطلاق مظاهرات 25 يناير عام 2011 والتي انتهت بسقوط مدو لمبارك ونظامه.
فقد قتل سعيد علي يد أفراد من الشرطة السرية بعد كشفه عن تورط أفراد في هذا الجهاز الأمني في تجارة المخدرات.
لقد كان قتل البوليس لخالد سعيد هو الشرارة الأولي لثورة الشباب في يوم الغضب.
بدأت قصه اشتعال الشراره الأولي لثورة الشباب التي إشتهرت بإسم ثورة الغضب بصفحة علي الفيس بوك اسمها "كلنا خالد سعيد" وسرعان ما إنضم أكثر من نصف مليون عضو من شباب مصر في هذه الصفحة ودعوا ب أيام الغضب التي بدأت يوم 25 يناير ثم حدث ما شاهده العالم حتي تحققت مطالبهم بتنحي مبارك.
وقد أدت ثورتهم إلي تغييرات كبيرة في نظام الحكم في مصر أهمها سقوط النظام البوليسي، ومعه إنتهاء عملية توريث الحكم في مصر، و إقصاء رموز الفساد من المشهد السياسي، وسقوط قيادات الحزب الوطني الفاسد، وتحرك مكنسة التنظيف لتطهير مصر من الفساد.
الشهيد خالد سعيد هو شاب من مدينه الاسكندريه (28 سنة) وصاحب مكتب استيراد و تصدير، قام بتصوير ونشر مقطع فيديو لمخبرين وضابط شرطه يتاجرون بالمخدرات.. ونشره علي شبكة الإنترنت.
وسرعان ما قامت الدنيا ولم تقعد، وبدلاً من أن يقوم البوليس نفسه ويحاكم من تاجر في المخدرات من أفراده، أرسل قوة مدججة بالسلاح للقبض علي خالد الأعزل، الذي كان جالسا في " إنترنت كافيه " في وقت متأخر بالليل في منطقة كليوباترا بمدينة الأسكندرية، عندما دخل عليهم عنصران من مخبري شرطة قسم "سيدي جابر" وطلبوا من الجميع الوقوف وإبراز بطاقاتهم. وشرعوا في تفتيشهم ذاتيا بطريقة إستفزازية يتقنها مخبروا أقسام الشرطة ويستخدمونها عندما يكون لديهم أهداف خفية.... وكان أن أفلح إستفزازهم في إثارة غضب الشاب "خالد سعيد". فأبدي إعتراضه علي الطريقة التي يفتشونه بها دون أن يدري أنه هو المقصود وأن تفتيش الآخرين من أصدقائه ومرتادي المقهي لم يكن سوي ذريعة بغية الوصول إليه..
نعم، راح رجال المباحث يفتشون رواد المقهي متسلحين بقانون الطوارئ.. خالد اعترض و قال :احنا بنتفتش ليه؟
وكان ثمن هذا السؤال البرئ أن أمسك بتلابيبه اثنين من المخبرين وضربوه ضرباً مبرحاً في المحل، وفي الشارع، وفي مدخل عماره مجاورة للكافيه، حيث راحوا يضربون وجهه في رخام السلم، وفي مدخل العماره، ثم أخدوه وهو جثة هامدة، ليضعوه في سيارة البوليس "البوكس ".
وليبرر المخبران فعلتهما فقد أدخلاه مسحولا إلي القسم ثم عمدا إلي حشو فمه بالمخدرات، وعادا بجثته مرة أخري وألقيا بها علي قارعة الطريق أمام مقهي الإنترنت الذي أخذوه منها، وإتصلوا بالإسعاف، الذي جاء وحمله إلي المستشفي، حيث سارع طبيب التشريح إلي إصدار تقريره بأن سبب الوفاة كانت إبتلاع جرعة زائدة من المخدرات.
وفي جانب قسم الشرطة، فقد كان التقرير الرسمي الذي تم فبركته قد أشار إلي أن القتيل خالد سعيد مدمن وموزع مخدرات معروف. وأنه خلال تفتيشه داخل مقهي الإنترنت قاوم الشرطة وسارع إلي إبتلاع كمية مخدرات كانت في حوزته تفاديا لضبطه متلبسا.
سارعت أسرة خالد سعيد إلي تقديم بلاغ جنائي عن حالة وفاة إبنهم. فأمرت النيابة بإعادة تشريح الجثة الذي أثبت أن شرايين ودماغ ومعدة وأمعاء القتيل لم تكن تحتوي علي آثار مخدرات. وأن المخدرات قد تم حشوها في تجويف فمه بالقوة بعد وفاته وظلت داخل تجويف الفم وبالتالي فلا مجال للزعم بأنه إبتلعها. كما لا توجد أدلة علي أن القتيل كان مدمنا لتعاطي المخدرات.
وأكد أصدقاء القتيل ومعارفه وجيرانه من أهل الحي الذي يقطن فيه خالد سعيد مع أسرته أنه لا مجال لإتهام خالد بأنه يتعاطي المخدرات ناهيك عن ترويجها. وأن خالد سعيد كان "إبن ناس" وشاب خلوق طيب مسالم ولم يكن قد تشاجر طوال حياته مع غيره من سكان الحي الذي ولد ونشأ وترعرع فيه.
الأم الثكلي والدة "شهيد الإنترنت" أو "شهيد التعذيب"..أو شهيد الطوارئ، تقول هذه الأم الثكلي وقد أظلمت الدنيا في وجهها أن السبب الحقيقي لمقتل إبنها هو أنه حصل علي أسطوانة دي في دي تظهر ضابطا في قسم مكافحة المخدرات بقسم شرطة سيدي جابر وهو يتقاسم مع مجموعته ضبطية مخدرات تم مصادرتها من التجار. وأنه أطلعها علي هذا الفيديو وأخبرها أنه ينوي نشره علي موقع اليو تيوب لفضحهم. وأنها رجته وتوسلت إليه وطلبت منه أن لا يفعل ذلك، لا لشيء سوي لأنها كانت تدرك أنهم لن يتركوه لحال سبيله إذا فعل ذلك.
ولكن يبدو أن روح وبراءة وإندفاع الشباب والدماء الحارة التي كانت تجري في عروق خالد سعيد قد دفعته إلي مواصلة عرض الدي في دي علي أصدقائه ومعارفه ومرتادي مقهي الإنترنت الذين شجعوه علي نشره، والذين لم يكن يخلو منهم في ذات الوقت بعض المتعاونين وعيون الشرطة والأمن الذين بلغوا عنه لاحقا عندما شرعت وحدة مكافحة المخدرات في تقصي الشخص أو الجهة المسئولة عن نشر هذا الدي في دي علي موقع اليوتيوب.
طمس المعالم وتهريب الجناة !!
وقد ظل الأمر في البداية محصورا بين دفاتر النيابة والحي الذي تقطن به أسرة خالد سعيد وأصدقائه ومعارفه.. ولكن بعد حصول البعض علي صورة جثة خالد سعيد خلال تواجدها في المشرحة ونشرها علي مواقع الإنترنت وتداول الحديث عنها في الفيس بوك بدأت مشاعر الغضب تجتاح الشباب من الأسكندرية ثم تمتد لسائر ربوع مصر. وأدرك الجميع أن كل واحد منهم كان يمكن أن يكون مكان خالد سعيد أو سيتعرض لما حدث له مستقبلا جراء الفساد الذي إستشري علي يد عصابات وبلطجية الحزب الوطني الحاكم دون أن يأبه بكرامة المواطن أفرادا كانوا أو مجاميع.
وهذا ماظهر بعد ذلك في تقرير المعمل الجنائي لسبب الوفاة.. وتم اخلاء سبيل رجال الشرطة، وتبرئتهم بعد التغطيه عليهم من وزارة الداخليه برئاسة الوزير القمعي حبيب العادلي.
ومع الغضب الشعبي، قامت لجنة ثلاثية من الطب الشرعي برئاسة د.السباعي أحمد السباعي كبير الأطباء ورئيس مصلحة الطب الشرعي باستخراج جثة الشاب خالد سعيد- قتيل الإسكندرية - من مدافن المنارة وسط حراسة أمنية مشددة لإعادة تشريحها بمصلحة الطب الشرعي بكوم الدكة بالإسكندرية، وذلك بعد تظلم أسرة القتيل من التقرير الأولي الذي أثبت أن الوفاة ناتجة عن اسفكسيا الخنق وليست نتيجة للتعذيب.
من جهة أخري استمعت النيابة إلي عدد من شهود الإثبات في الواقعة ومنهم صاحب مقهي الإنترنت الذي بدأت أحداث الجريمة بداخله، فضلاً عن عدد من الذين وجدوا في مكان الحادث وأصحاب المنازل المجاورة.
وفي سياق متصل، واصل النشطاء والقوي السياسية مظاهرتهم للمطالبة بمحاسبة قتلة خالد سعيد وإقالة وزير الداخلية لمسئوليته السياسية عن جميع وقائع التعذيب والقتل التي تقوم بها أجهزة الأمن.
من جانبه أكد محمد عبد العزيز، محامي مركز النديم لحقوق الإنسان، أن التقرير الأولي للطبيب الشرعي لم يثبت جميع الإصابات ولم يربط بين الإصابات وبين الوفاة وهو ما دفعنا إلي الطعن علي التقرير، مضيفا أن بقاء الجثة مدفونة أربعة أيام في هذا الجو الحار قد يؤثر في نتائج التحليل الباثولوجي، لافتاً إلي أن لفافة البانجو التي قالت وزارة الداخلية إن القتيل بلعها لم يتم تحريزها وإرجاعها للنيابة لمناظرتها ووضعها كحرز في القضية، لكن الطبيب الشرعي قام بإرسالها مباشرة إلي المعمل الكيماوي دون عرضها علي النيابة العامة.
كما فجر دفاع أسرة خالد سعيد العديد من المفاجآت أثناء أولي جلسات المرافعة.. وطالب حافظ أبو سعده عضو هيئة الدفاع المحكمة بتوقيع عقوبة الإعدام علي المتهمين.. وتطبيق بنود المعاهدة الدولية لمناهضة التعذيب والتي أصبحت جزءا من القانون المصري.
و اتهمت هيئة الدفاع عن خالد سعيد رجال المباحث بأنهم أسرعوا إلي المشرحة وقاموا بمساعدة أحد العمال بتغسيل الجثة وإزالة كل آثار الجريمة واستبدال القميص الذي كان يرتديه بآخر وهو ما جعل النيابة العامة حال حضورها لمعاينة الجثة لا تجد شيئا
واستجوبت المحكمة كبير الأطباء الشرعيين الدكتور السباعي محمد السباعي حول تقرير اللجنة الثلاثية في قضية خالد سعيد.. و قال السباعي أن وفاة المجني عليه نتجت عن ابتلاعه لفافة بانجو وأشار إلي أن المخبرين لم يجبرا المجني عليه علي ابتلاع اللفافة!!
وتقدم دفاع أسرة خالد سعيد بثلاثة تقارير فنية استشارية لأطباء شرعيين تدحض ما ورد بتقرير الطب الشرعي أوردوا فيها أسبابا فنية طبية يستحيل معها حدوث الوفاة علي النحو الذي ذكره كبير الأطباء الشرعيين.
عسف السلطة وقهر النظام !!
وقالت والدة الشهيد خالد سعيد أن ما تم تقديمه من أشعة تدل علي ابتلاع نجلها لفافة بانجو أودت بحياته لا تخص ابنها كما أكد لها العديد من الأطباء الشرعيين الاستشاريين ومنهم الدكتور أيمن فوده كبير الأطباء الشرعيين السابق وهو ما أورده الأطباء بتقاريرهم المقدمة للمحكمة. وقالت أم الشهيد : " لا تلوثوا دماء ابني الذكية.. إبني لا يعرف المخدرات، وطاهر ونقي ".
وفي وقت لاحق، حصل مركز النديم للعلاج والتأهيل النفسي لضحايا العنف علي قراءة مهنية من خبيرين دوليين في الطب الشرعي خلصة الي وجود العديد من أوجه القصور والنقص في تقريري الطب الشرعي وعدم قيام مصلحة الطب الشرعي باجراء فحوصات لازمة وأساسية لتشخيص سبب الوفاة.
ووسط هذه الأجواء المشحونة بالغضب، أثارت القضيه الرأي العام المصري وانتشرت في الصحف ومواقع الانترنت.. وخرجت الجماهير المصرية قي موجة غضب شعبي عارمة.وراحت هتافات الجماهير الغاضبة تصب لعناتها أيضاً علي وزير الداخلية حبيب العادلي.
زمن مبارك والعادلي !!
لقد كان التعذيب والقتل يمارس باسم أمن الدولة وفي زمن مبارك الردئ بات يمارس تحت لافتة " أنا الدولة والدولة أنا " فالمخبر أو أمين الشرطة عوضين أو زميله محمود اللذان قتلا خالدا ضرباً وتعذيباً في عرض الطريق بموجب أوامر عليا استلهمها العادلي من رئيسه مبارك، ولا يستمر بمنصبه إلا بالعمل بموجبها، ولشعورهما بأنهما الدولة والقانون والعدل وفوق هذا كله ايضا!! ومن هنا، فالقاتل هنا ليس المخبرين، بل النظام الذي صنع منهما وحوشاً.
ملهم ثورة الشباب المصري التي إنطلقت شرارتها يوم 25 يناير 2011.. الشهيد خالد سعيد... هو شاب مصري إسكندراني طيب خلوق بسيط من مواليد 27 يناير 1982... هو واحد من الشباب المصري الأصيل الذين يعبرون عن وجه مصر الحقيقي... الذي لم تنل منه رداءة العصر!!
وفاة خالد سعيد ربطت بين هذا الشاب الشهيد وحياة كل مصري، وأصبح الأمر يعني أن الجميع يمكن أن يلقي نفس المصير. وهكذا تحول الشاب المصري خالد سعيد رمزاً للثورة المصرية التي اندلعت في الخامس والعشرين من يناير، فلكل ثورة شعبية دائما رموزها ووجهها الذي تطل به علي العالم من صفحات التاريخ.