الخليــــج العربــــي وخطـــأ تصـــدير الثــــورات
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
ظافر العجمي
يصعب علينا مقاومة سحر المترادفات وما تخفي خلفها من أسرار، فالفرق بين ''الخطأ'' و''الغلط'' كما يقول أهل اللغة: أن الغلط هو وضع الشيء في غير موضعه ويجوز أن يكون صواباً في نفسه، وأما الخطأ فلا يكون صواباً على وجه أبداً. ورغم أن الثورة المصرية 1952 قد ساعدت بخطابها النبيل شعوب الخليج على التخلص من تبعات اتفاقيات الحماية البريطانية إلا أنها جوبهت بالرفض حين حاولت تصدير نفسها لنا بكل أهدافها التي لم تكن تناسبنا، فكانت غلطاً تم تداركه لاحقاً. من جهة أخرى كانت تلك الثورة بمثابة جرعة تطعيم ساعدت على تكوين أجسام مضادة وبناء مناعة ضد التحولات السياسية الحادة والانقلابات الدموية التي وشمت جسم الوطن العربي في مواضع عدة. في مطلع العقد الثامن من القرن العشرين، وبفضل تلك المناعة قاومنا في دول مجلس التعاون خطأ القيادة الإيرانية لتصدير الثورة الإسلامية بالقوة، ولم يكن وقود رفضنا لأسباب عقائدية كما يعتقد البعض، بل لدعوتها الصريحة لتغيير نمط حياتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية. أو كما يجمله الأمريكان في كلمات يقاتلون من أجلها وهي ''أسلوب حياتنا''. لاشك أننا في دول مجلس التعاون في حاجة للإصلاح السياسي وبحاجة إلى هياكل رقابية محكمة لوقف الفساد، لكنني أشعر بالإهانة المفتوحة حين تشير بعض وسائل الإعلام العربية والغربية بالتصريح أو بالتلميح إلى أن دول الخليج العربي أو بعضها مرشحة لركوب قطار التغيير الذي بدأ تحركه فجأة في العالم العربي. بل إن أشد ما يقلقنا هو أن يدفع هذا الاستفزاز الإعلامي بعض الخليجيين إلى الوقوف السلبي تجاه ما يجري في تونس ومصر من حراك، وقد صدق الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ حين صرح وبما يمثله من ثقل عقائدي في الخليج العربي قائلاً ''إن من أسباب الفتن والغواية والضلال إثارة الفتن بين الشعوب والحكام من خلال المظاهرات والمسيرات''، ولم يقل سماحته ذلك إلا بعد أن ضاق ذرعاً بخطاب ''تصدير الثورة'' من وسائل إعلامية وصفها بـ ''الإعلام الجائر'' الذين يبثون الأحداث على غير حقيقتها، وشحن القلوب بلا حقائق. إستراتيجية التبشير الفج التي تتبناه بعض وسائل الإعلام تقود المواطن الخليجي إلى شعور بالتعاسة، فما أشده من ظلم حين يفرض عليك أحد أن تحتفظ بخياراتك الحقيقية لنفسك وتتبنى ما يلهمونك به أو حين يقرأ أحد بالنيابة عنك حقيقة المشهد الخليجي. بل ويفرض عليك تكييف مفهوم الحرية والعدالة الاجتماعية كما يراها، ويصمك بكل قبيح حين تفشل في إقناعه أنك تعيش حياتك راضياً بما تنعم به من الازدهار الاقتصادي والتقدم التقني والاعتدال الفكري والتعايش السلمي والاستقرار الأمني في الخليج، بل والانفتاح الإعلامي الإخباري، وانتشار الديوانيات والصالونات الثقافية في المدن الخليجية، وتزايد أعداد التيارات الأكاديمية الإصلاحية المنضبطة رغم المنغصات بين حين وآخر. نجمل القول صافياً إلى أننا في الخليج العربي ننعم بهامش كبير من الاستقرار والرفاه الذي يجعل لدينا أولويات أخرى، وأجندة غير التي تروج لها بعض وسائل إعلام تمتلك أدوات حادة توظفها في الإثارة الرخيصة، فمن أولوياتنا الملحة توطين مشاريع التنمية، وتنويع الدخل، ونشر ثقافة الهم الجمعي الخليجي بما فيه من وحدة خليجية فدرالية كانت أو حتى كونفدرالية. كما إن من أولوياتنا تكييف مفهوم أمن الخليج العربي ليكون خليجيا بالدرجة الأولى بعيداً عن الهجمة الغربية أو الطموح الإيراني، كما إن من خياراتنا الإصلاحية تحول الأمانة العامة لمجلس التعاون إلى ما يشبه المفوضية الأوروبية لتكون الذراع التنفيذي لمجلس التعاون، مسؤولة مباشرة عن اقتراح القوانين والتشريعات من خلال الهيئة الاستشارية المنتخبة، ومسؤولة أيضاً عن تطبيق قرارات مجلس التعاون بقوة عابرة للسيادة المحلية لكل بلد، فالإصلاح في إطاره الإقليمي قد يجبر الجميع على الدخول فيه. لسنا في الخليج بالانعزاليين عن قضايا أمتنا، بل نعرف من المترادفات اللغوية الفرق بين البعض والجزء، وأن البعض ينقسم والجزء لا ينقسم، والجزء يقتضي جمعاً والبعض لا يقتضي كلاً. وبرؤية واضحة نعرف أننا جزء من الوطن العربي، ونقف مع إخواننا في مصر وتونس، ويعرف صبيتنا من هي فايدة حمدي الشرطية التي فجرت ثورة الياسمين حين صفعت محمد البوعزيزي، كما تعرف فتياتنا من هي أسماء محفوظ التي فجرت جمعة الغضب فنزل معها في مصر آلاف الشباب، ونزلت معها قلوبنا بالملايين