جريدة الجرائد

أيهما الغبي: الشعوب أم حكامهم؟

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

محمد الهرفي

رحم الله أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - الذي كانت أول كلمة ألقاها للشعب بعد انتخابه: "ألا إني وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني" فكانت هذه الكلمات مفتاح العلاقة الرائعة بينه وبين المسلمين جميعاً، وأيضا بينه وبين غير المسلمين من مواطني الدولة.
هذه الشفافية الرائعة هي التي جعلت قبطيا يتجشم عناء السفر من مصر إلى المدينة ليشتكي ابن أمير مصر "عمرو بن العاص" ولولا ثقته بعدالة الحاكم لما فعل ما فعل، وكان له ما أراد، وأخذ حقه حتى رضي عن قناعة تامة.
كم كنت أتمنى أن يقتدي كثير من حكام العرب بأسلافهم العظام، ولو أنهم فعلوا ذلك لأراحوا واستراحوا، ولكنهم لم يفعلوا فكانت الاضطرابات والقلاقل والقتل والتدمير والفساد، كل ذلك أدى إلى تخلف البلاد والعباد.
إن الشواهد الحية التي نراها هذه الأيام تؤكد عمق الهوة بين بعض الحكام وشعوبهم، كما تؤكد أن كل التدمير والمآلات المؤلمة لبعضهم كانت بسبب استغفال هؤلاء لشعوبهم وكأن هذه الشعوب مصابة بإعاقات دائمة في الفهم والسلوك فلا تعرف حقيقة ما يفعله حكامها ولا حجم الفساد في البلاد.
كيف يمكن أن يصدق شعب أن حاكمه لم يستطع فهمه إلا بعد أكثر من قرنين من الزمن؟! ثم ألم يفكر هذا الحاكم أنه إن كان صادقا فيما يقول فهو لا يصلح للبقاء مطلقا وإن كان غير ذلك فهو أيضا لا يصلح للبقاء مطلقاً وإن كان غير ذلك فهو أيضا لا يصلح لحكم شعب لم يفهمه ولا يعرف مطالبه إلا بعد عقود!! هل كان هذا الحاكم يظن أن الشعب سيصدقه؟! الرئيس المصري السابق قال - في إحدى خطبه لشعبه وفي عمق الأزمة إنه يترحم على أرواح الشهداء، ويعد بمحاكمة قاتليهم!! ولو كان هذا الحاكم عاقلا لأدرك أن كل فرد من شعبه يعرف أن قتل هؤلاء تم بمعرفته ورضاه!! ثم يتحدث عن تدخلات خارجية في تلك المظاهرات، ومؤامرات داخلية وغير ذلك، يقول ذلك وهو يدرك أنه يقول كلاماً لا صحة له، وأرجح أنه كان يدرك أن شعبه لن يصدقه!!
الشيء المحير لهذا النوع من الحكام أنهم يرددون دائما أن شعوبهم متعلقة بهم، بل إنهم هم الشعب والشعب هم ولا شيء آخر!! ويقولون هذا الكلام عندما تفوز أحزابهم في الانتخابات، مع أنهم يعرفون أن هذه الانتخابات مزيفة، ومع أنهم يعرفون أن الغالبية العظمى من شعوبهم لا تريدهم، ومع هذا كله يكابرون، ويؤكدون عشق الشعوب لهم!! هل هذه مكابرة أم جهل أم سوء ظن بعقول الشعوب؟!!
ويقول هؤلاء: إنهم لا يقبلون بأي إملاءات خارجية!! ويعجب المواطن من هذا القول، كما استغربه من كان يملي عليهم إرادته عشرات السنين وتساءل: لماذا إذن كنا ندفع لهم المليارات؟! أقول: هل هذا القول يعد استخفافا بعقول الشعب أم أن هذا النوع من الحكام غبي إلى درجة أنه يصدق ما يقول؟!
كلمات غريبة سمعناها في تلك الفترة وكلها تعطي مؤشرات سلبية عن هذا النوع من الحكام، بل وكلها كانت تثير الشعب أكثر مما كانوا عليه.. وكان مما قيل: إن الشعب المصري غير مهيأ للديمقراطية!! وهذا يعني ببساطة أن الديكتاتورية هي الأفضل لهذا الشعب!! هذا القول ذكرني بقول بعض قادة إسرائيل: إن الديكتاتورية في مصر أفضل من الديمقراطية لأن الديمقراطية قد تأتي بمتطرفين!! ولكن أن يقول قائد كبير هذا القول لشعب مثل شعب مصر ففيه حط كبير من شأنهم، واستهانة بهم، فكيف يستسيغ هذا القول، بل وكيف يريد من الشعب أن يصدقه؟!!
ومن غرائب كلمات بعض الحكام أنه هدد بقطع الأعضاء التناسلية لكافة قيادات المعارضة إذا لم يتوقفوا عن معارضته ويتركوه يعمل ما يشاء!! أرأيتم أغبياء مثل هؤلاء الحكام؟!
قائد آخر وعد شعبه أن يشاركه في المظاهرات التي تطالب بإزاحته عن الحكم الذي استمر أكثر من أربعة عقود!! لكنه من جانب آخر هدد بمعاقبة شيوخ القبائل التي ينتمي إليها المعارضون!! ولست أدري كيف يستسيغ هذه الأقوال، وكيف يرى تأثيرها على شعبه؟!
على كل الأحوال فالتاريخ البشري يؤكد أن الشعوب هي التي تصنع تاريخها، وأنه ما من قوة تستطيع إيقافها إذا رغبت في أي تغيير نريده.. كما أثبت هذا التاريخ أن الذي يطيل عمر الدولة هو حسن العلاقة بين الحاكم والمحكوم، كما أثبت كذلك أن العدل في المعاملة هو أهم طرق الالتقاء بين الطرفين.
مجموعة من حكامنا - للأسف- يعتبرون شعوبهم جزءاً من ممتلكاتهم الشخصية يفعلون بهم ما يشاؤون، ولأن صبر الشعوب له حدود - هكذا أثبت التاريخ - فإن جميع الثورات كانت نتيجة غباء الحكام واستهتارهم وسوء تقديرهم للأمور.
أتمنى من كل حكامنا أن يعيدوا النظر في مصالح الشعوب وأن يحققوا لها متطلباتها وأن يعرفوا أنهم إنما أصبحوا حكاماً بفضل تلك الشعوب التي أذاقوها البلاء، إن فعلوا فإنهم يخدمون أنفسهم وشعوبهم وإلا فأغلب ظني أن ذكاء الشعوب سيجعلهم من "المخلوعين" في نهاية المطاف.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف