جريدة الجرائد

المنامة وولاية الفقيه

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

محمد الرميحي

في منتصف التسعينات من القرن الماضي، وكان الصراع محتدما على أشده بين نظام صدام حسين الفاشي، وطيف من المعارضة العراقية بمختلف توجهاتها، نشطت الأخيرة بأطيافها في الاتصال مع الآخرين من أجل شرح ما يلاقيه شعبهم من عسف، رغبة في المساندة والتأييد، وكان من بينها المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، بقيادة المرحوم الشهيد محمد باقر الصدر. كانت الكويت إحدى المحطات الرئيسية في محاور الاتصال، كونها بلادا تتمتع بسقف عال من الحريات، ويمكن أن يجري فيها نقاش حر وسهل وعقلاني.

أذكر أن نقاشا جرى بين كاتب هذه السطور وبين أحد أقطاب المجلس، وهو شخصية لها موقع متقدم اليوم في بغداد، كان النقاش صريحا: إنكم، أي المجلس الأعلى، لن تستطيعوا بناء نظام في عراق المستقبل يعتمد على فكرة "ولاية الفقيه"، أمامكم طريق واحد لا غير، هو بناء تحالف يتسع لكل الاجتهادات قائم على التصور التعددي، والأسباب أن ذلك النظام (الإيراني) قد تبين قصوره العميق في علاقته بالحريات كما يحدث أمام أنظار الجميع، وثانيا لأن بغداد غير طهران، فالتفكير في ولاية الفقيه في العراق يظهر لكل عاقل أنه خارج السياق التاريخي. شهادة للتاريخ، قال الرجل محاورا للفكرة، إن ذلك صحيح، وولاية الفقيه غير متوفرة شروطها في العراق.

إذا كانت بغداد وهي ما هي، غير قابلة لأن تستنسخ ولاية الفقيه، وتمكين رجال الدين على المقدرات السياسية، فالأولى أن تكون المنامة لأسباب أعمق وأكثر جذرية غير قابلة لذلك. كما أن كل ما تم في تونس ومصر يقول لنا بوضوح إن زمن الدولة العسكرية، كما الدولة الدينية، قد انقضى زمنه.

الاستمرار في هذا التوجه؛ خلط الديني بالسياسي، لدى بعض المعارضة في البحرين، من خلال ما رشح من شعارات وصدر من هتافات، قد يؤدي إلى طريق ينتهي بالمطالبة بولاية الفقيه. ذلك لا يعرض البحرين لمخاطر عظيمة، بل يعرض الديمقراطية والمشاركة إلى نكسة لا تقوم لها بعدها قائمة. فالديمقراطية والمشاركة التي هي حق من حقوق الناس، فلسفتها الأعمق لا تعني فرض توجه بعينه على الآخرين.. هي ليست خاصة بفئة اجتماعية دون أخرى، أو طيف سياسي دون آخر، في صلبها قاعدة ثابتة هي قبول الآخر وتقبل اجتهاداته والحوار معه، للوصول إلى المشترك والجوهري المقبول للمواطنين كافة، لبناء مجتمع مدني.

الدولة الدينية، كما في إيران وأيضا السودان، تبنت هيمنة القوة واستبداد السلطة وتعسف الرقابة وقمع الحريات العامة، ولست هنا بصدد الاستفاضة في سرد الشواهد، فهي قائمة في شوارع طهران والخرطوم يراها كل ذي بصيرة، واستنساخ مثل هذه كارثة.

منذ أمد طويل سقط من قاموسي الشخصي مفردات مثل "السنة والشيعة"، فقد كنت، ولا أزال، أرى أنها مفردات يجري التكسب من ورائها تكسبا سياسيا مذموما، وقد تأتي بأعظم المخاطر والشرور في المجتمعات التعددية، وتنتج تسلط رجال الدين على السياسة، وهو أمر نضجت الشعوب العربية عنه، واستعاضت عنه بغيره، عنوانه: المجتمع المدني والتعددية السياسية.

المعارضة في البحرين لها كل الحق في المطالبة بالمشاركة وبالحريات، ولكن بعضها، وليفهم الإخوة المعارضون، بعضها اليوم له أجندة أخرى في أقلها تحكم رجل الدين في المقدرات السياسية. فرصة التحول إلى حريات أكثر ومشاركة أوسع في حالة السيولة السياسية العربية التي نشهدها فرصة كبيرة لتحقيق الكثير للتحول الصحي إلى مجتمع مدني حديث يحترم حقوق الناس بالتساوي، خاصة في ساحة الحوار التي فتحتها القيادة السياسية في البحرين. أن تتحقق الحريات هو مكسب وطني للجميع، أما أخذ البلاد والعباد عن طريق المزايدة إلى مكان ما تحت عباءة الولي الفقيه، فذلك تزيّد يهدد بالانتكاس، كما يعرض النسيج الاجتماعي للتمزق الخطر. العالم يرى ويسمع ما يجري لدى الجارة إيران، من تململ على رؤوس الأشهاد، جراء الضمور المرضي لكل أشكال الحريات، حتى البسيطة منها كحرية التظاهر، فما بالك بحرية الرأي المخالف، وقمع التظاهر، ومنع تنظيم المعارضة السلمية، وإجبار المختلفين على البقاء في منازلهم. فكيف يمكن إقناع العقلاء بالتوجه إلى "ولاية الفقيه" وأهلها ينفرون منها ليل نهار، ودماء الأبرياء تسيل من دون رادع من ضمير.

المغامرة بفرص متاحة للتحول السلمي من أجل توسيع نطاق الحريات، التي بذرت منذ عشر سنوات نتيجة الإصلاحات التي قدمها العاهل البحريني، وجرى بعدها العديد من جولات الانتخاب، وكسب التقدم نحو الرقابة التشريعية خطوات معقولة، المغامرة بكل ذلك وبفرص توسيعه الممكنة، هي مغامرة غير محسوبة النتائج.

واعلم أن هناك من العقلاء في الصف المعارض من يفهم ذلك. المخاطرة الكبرى أن يقع ذلك الصف، نتيجة المزايدة، إلى ترهيب فكري من جانب القلة ذات الأجندة الخاصة الموجهة للاصطفاف وراء منظومة للحكم الديني؛ إن لم يكن تصريحا فتلميحا، فتتحول المطالب التي يحتاجها الشعب بكل أطيافه من عدالة اجتماعية وإصلاح وتنمية وسيادة للقانون، إلى مطالبات فئوية ظاهرها فيه الرحمة وباطنها فيه العذاب.

الأزمة تقدم لنا فرصا وأيضا تأتي بالمخاطر. الفرص أن يتقدم العقلاء لحلول سياسية تنهي هذا التشنج على قاعدة المواطنة والمساواة وتكافؤ الفرص. أما المخاطر، فهي المبالغة إلى حد التعجيز، واستغلال الأبرياء، والتكسب السياسي من معاناتهم، خدمة لأجندة غامضة تغامر كليا بكل الفرص لتبقى الأزمة مفتوحة على كل الاحتمالات ومنها احتمال خسارة لا تعوض للحريات..



التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
بغداد و المنامة
حبيب علي الحر -

بالتاكيد لا يمكن ان تعمم فكرة ولاية الفقية في العراق كما ايران وكذلك البحرين جميع العالم عرفوا فشل التجربة الايرانية المبنية على اساس ديني طائفي وهي ولاية الفقية لايمكن ان تفرض فكرة على شعب متعدد الاعراق والاديان والطوائف الحل يكمن في تاسيس دولة علمانية ديمقراطية دولة لا دينية عندما يتدخل الدين بالسياسة فانه يعني القضاء الديمقراطية الفكرية الحكم الديني هو حكم اثبت فشله منذ ايام الدولة الاموية والعباسية لابد من تمتع الشعوب بالحريات الدينية والعقائدية لكن دون فرضها على باقي موكنات الشعب الواحد من اديان وطوائف وقوميات لننظر الى التجربة التركية العلمانية والفرق بينها وبين التجربة الايرانية

مجرد رؤية وتساؤلات
جاسم المعموري -

وهل ان ولاية الفقيه في ايران اغلقت ابواب الديمقراطية وقامت بقمع الحريات ؟ اليست ايران دولة ديمقراطية ؟ ثم مشان ايران في البحرين ؟ هل يعني ذلك ان الشيعة في جميع انحاء العالم لايحق لهم المطالبة بحقوقهم لأن ايران تطبق ولاية الفقيه وهي نظرية سياسية مثل غيرها يرضى بها من يرضى ويرفضها من يرفضها ؟ومن الذي يقتل ابناء شعبه في الشوارع بل ويستعين حتى بقوى خارجية لقمعهم وقتلهم؟ اليس العرب وعلى وجه الخصوص منهم البحرين ؟ فلا اظن ان هناك اي داعي للضحك على عقول الناس وقد عرفوا كل شيء وان مقالا مثل مقالكم هذا لا يأتي الا بنتائج عكسية تماما للغرض الذي من اجله كتب .

أنتحار
أبوعبدالعزيز -

الذين قتلوا خلال المظاهرات بالبحرين أنتحروا و لم يقتلوا ..فهم من هاجم رجال الامن بوحشيه وليس العكس ..هذا ماشاهدته بنفسي ..فكفايه كذب و تدليس..

مقالة طائفية
عراقي -

القرن الواحد والعشرين سيكون فيه الأسلام أكثر ميلا للتشيع الثوري الذي يرفض التدين الأموي البديل ذلك الدين الذي أسس له معاوية خلاصا من دين العدالة والحرية والمساواة والثورة فالأسلام محمدي الوجود حسيني الخلود (حسين مني وأنا من حسين: وصدق صلى الله عليه وآله).

الظلم لايجزء
muhammadd123 -

من المعلوم ان الظلم واحد لايجزء اي بمعني على كل انسان حر ابي وذوا قيم فضلا من انه ينتسب الى دين عليه ان يستنكر الظلم سواء وقع عليه ام على غيره لكني ارى بعض السنة ومنهم الكاتب يستثيرون الدينيا اذا وقع الظلم عليهم اما اذا وقع على خصومهم فهو حلال اي ان الحاكم السني يجوز ان له ان يقتل الشيعة بالدبابات لمجرد ان خصومه شيعة اما اذا كانوا سنة فلايحق له هذا مانراه راي العين بالاحداث الجارية امام اعينا بالله عليكم هل هذه امة تحترم دينها الذي يقول لها ولايجرمنكم شنئان قوم على الا تعدلوا) اي لاياخذكم بغض قوم على ان لاتعدلوا بالحكم وهل الكاتب والخبير لايعلم بظلم ال خليفه ونهبهم للثروات وهل يتساوى المواطين البحريني الشيعي مع الباكستاني السني في البحرين وهل لايعم بتهميشهم في الزظائف الحكومية وهل لايعلم بقمة الفساد هناك والاسطول الخامس الامريكي الذي يحمي ال خليفة ) وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون

الاصلاح يجب ان يتطور
أحمد بوخالد -

و هل علينا ان نقبل بالجمود الذى اصاب المشروع الاصلاحى لجلالة الملك و ما نتج و ينتج عنه من مساوىء انت أعلم منى بها يا دكتور بحجة الخوف من ولاية الفقيه؟ ألم يكن من الحكمة عدم اللجوء الى العنف كحل للمشكلة؟ ألم يكن من الأفضل اعطاء دفعة جادة و ذات معنى و لتكن تدرجية للمشروع الاصلاحى بدلا من التراجعات لكى لا نصل الى ما وصلنا اليه اليوم؟ ان التخندق الطائفى و المذهبى لا يبنى الاوطان بل يدمرها . لقد رأينا ذلك فى بلدان اخرى فى منطقتنا العربية ونتمنى ان نجنب بحريننا الغالية هذه الافة التى أطلت برأسها بقوة منذ يوم أمس. أتمنى لسموولى العهد كل التوفيق فى مسعاه راجيا ان يكون الحوار جادا و مثمرا و يتناول القضايا الكبيرة و المهمة استنادا الى الدستور و الميثاق لكى نخرج من هذا المأزق

أخطاء قاتلة
د.على علوان -

يذكر الكاتب أن المجلس الأعلى العراقى بقيادة الشهيد الصدر وهو خطأ كبير بل المجلس بقيادة الحكيم وليس الصدر وبينهما زمانا وواقعا فرق كبير

رائع يا دكتور
عبدالله -

هذا مقال متزن وهاديء من شخصية معروفة ومطلعة على أوضاع المنطقة. لكن هناك من يقرأوفؤاده يسكن في حوزات قم مثل صاحب الرؤية والتساؤلات التي لا تضيف أو تفيد قيد أنملة.اللهم إحمي بحريننا وخليجنا من كيد الكائدين، ولا تبلغهم مآربهم!

من افاد الاسلام اكثر
اسمعيل -

الى القارئ رقم 4 انت تلوم معاوية لكنك تتجاهل ان ايام معاوية كان الفتح الاسلامي قد وصل الصين والهند واندونيسيا من جهة ومن جهة اخرى وصل لقبرص ومصر وتقول الاحاديث الشريفة بما معناه ; ان من يدخل ولو شخص واحد في الاسلام كان افضل شيء تطلع عليه الشمس ;فما هو جزاء من ادخل الملايين في الاسلام؟ ثم ماذا عمل الحسين غير معركة كان نصحه اغلبية المؤمنين والانصار والصحابة ان لا يغامر فيها وفوق كل هذا اخذ معه النساء والاطفال الى معركة يعلم الجميع انها بدون هدف ومصيرها واضح هو الهزيمة مع حبنا الكبير للحسين ورحمة الله عليه

من يخطئ الحسين!!!!!!
Hadi -

الله أكبر... لا زال الجهل وقصر النظر يعمي بعض المسلمين ليتسائلوا عن الحسين عليه السلام وهو سيد شباب اهل الجنه!!! انني اجد في فعله عليه السلام وتضحيته اروع مثل للكرامة الانسانيه ورفض الظلم خصوصا انه في اهم موقع بعد جده ليفعل ما يستوجبه عليه ربه من فرض الحق ورفض الباطل مهما كلف الامر. أرجوا من الله ان يزيل الغشاوة عن عيون من يحبوا بالقول وليس في قرارة نفوسهم ايمان بمنزلة اهل البيت ودورهم على قمة هرم المسلمين في كل زمان ومكان.