ثائر ليبي : لن يقاتل أحد مع القذافي غير زمرة من المتنفعين
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
منى فرح
"نحن الآن بخير.."، قالها المواطن الليبي سفيان الأطرش. وأضاف في اتصال هاتفي أجرته معه القبس: "لم نكن بخير عندما كانت مدينتا درنا (1500 كلم عن طرابلس الغرب) تحت حكم القذافي (زعيم الجماهيرية معمر القذافي)، ولست متأكدا بالنسبة للغد، لكنني استطيع أن أؤكد لك. أننا وجميع أبناء المنطقة الشرقية أصبحنا أحرارا وتحت حماية الثوار..".
كان الاتصال بسفيان أشبه بمحاولة الوصول إلى شخص من خارج هذا العالم كليا. فالمرة الأولى التي سمعنا فيها صوته جاءت بعد المحاولة الخمسين. وخلال أكثر من أربعين دقيقة قضيناها نعيد الرقمين اللذين بحوزتنا (أحدهما ارضي والآخر نقال) سمعنا أصواتا خاصة بالتشويش لا تعد ولا تحصى: صمت مزعج تقطعه نغمات غريبة تشبه هدير البحر حينا وصفير الريح حينا آخر، رسالة مسجلة على الكمبيوتر باللغة الصينية وأخرى بالإنكليزية "المعلوكة" كل ما يمكن أن تفهم منها هو مراجعة الرقم 18001090466، أصوات يخيل إليك أنها آتية من أعماق الأرض، ثم توت.. توت.. توت!
وعندما كان يحالفنا الحظ، كان صوت سفيان يأتينا ضعيفا مشوشا متقطعا.. وحديثنا المثمر - الصعب انقطع أكثر من مرة.
ليلة جهنمية
وكان أهالي درنا وباقي مدن المنطقة الشرقية (بنغازي والبيضاء وغيرهما) قد أمضوا الليلة قبل الماضية يترقبون الموت في كل لحظة، بعدما هدد النظام بأن طائراته الحربية ستقصف الأحياء السكنية "إذا لم يعد الوضع للانضباط".
ووصف سفيان (28 عاما)، وهو كاتب ومدون وصحافي، تلك الليلة بــ "الجهنمية"، موضحا أن القصف طال معسكر "الرجمة"، وهو عبارة عن قاعدة عسكرية كبيرة تحوي ذخائر وأسلحة من العيار الثقيل، "وقد تم تدميره بالكامل حتى لا يستولي عليه الثوار". كما أن بارجة عسكرية كانت ترابط عند الشاطئ وتهدد بقصف المنازل.
وأضاف: "منذ أكثر من أسبوع ونحن نعيش في أجواء من الخوف والترهيب والموت.. فتلك القوات (النظامية) لم تخاطبنا يوما بغير لغة القتل وسفك الدماء.. وعندما خرجنا نطالب بحقوقنا كان صوت الرصاص أول وكل ما سمعناه من نظام القذافي.. تظاهراتنا كانت سلمية مائة في المائة، لكن الرد الذي لاقيناه من النظام هو ما حرضنا على الثأر..".
المدينة بيد الثوار
وتابع سفيان: "طالبنا بتحسين أحوالنا المعيشية فقتلوا منا العشرات.. خرجنا لتشييع شهدائنا فردوا علينا بسلاح الطيران وقتلوا منا المزيد.. أرادوا أن يقولوا لنا إننا لسنا ليبيين ولا حق لنا.. ونحن نقول إن ليبيا وطننا وستبقى كذلك، لكننا لن نرض بالظلم بعد اليوم..".
وكانت درنا قد شهدت تظاهرات منذ الأسبوع الماضي، ما لبثت أن تحولت إلى اضطرابات ومواجهات عنيفة مع أجهزة الأمن وأدت إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى من المدنيين. والمدينة، كما أكد لنا سفيان، تخضع بالكامل لسيطرة "الثوار"، يساندهم عناصر الجيش "الذين تبرأوا من النظام، وفتحوا ثكناتهم أمام الثوار، وبدأوا بتوزيع الأسلحة والذخائر على الأهالي، وتنظيم دورات تدريبات عسكرية للراغبين في مقاتلة القذافي ورجاله، دفاعا عن ليبيا ومواطنيها".
ووفق سفيان فان "المعركة" الأساسية مع النظام ستكون في العاصمة طرابلس الغرب، التي بدأ الثوار يزحفون إليها من كل صوب، في إشارة إلى أن أكثر من %80 من المناطق الليبية "سقطت في أيدي الثوار"، بما في ذلك ضواحي العاصمة.
المراسيل
وعن وسيلة الاتصال التي يستخدمها الثوار للتنسيق في ما بينهم، لا سيما أن أجهزة النظام قطعت كل وسائل الاتصالات السلكية واللاسلكية، بما في ذلك الانترنت، قال سفيان: "داخل الأحياء والمنطقة الواحدة نعتمد على مكبرات الصوت الخاصة بالمساجد والمدارس لمخاطبة الناس وتوعيتهم وإرشادهم وتزويدهم بكل جديد. وبين الأحياء والمناطق نعتمد على المرسال الشخصي، أي على متطوعين يتنقلون بسياراتهم الخاصة من مكان إلى آخر.. فيصل مرسال من درنا إلى بنغازي فيحمل المعلومات والتوجيهات إلى مراسل آخر يسافر بدوره، إلى البيضاء.. وهكذا حتى نصل إلى طرابلس.. وكأننا نخوض حربا من العهود الوسطى.. فهكذا هي ليبيا القذافي الآن".
وتابع سفيان: "هناك نداءات من كل صوب للتوجه إلى طرابلس لنصرة إخواننا هناك"، مشددا على أن الشعب الليبي متكاتف، قبائل وعشائر، لحماية بعضهم بعضا.
وأوضح أن سيف الإسلام أراد من خطابه "إشاعة البلبلة بين صفوف الليبيين الذين لن يقاتل بعضهم بعضا في أي حال من الأحوال، بمن فيهم أبناء قبيلة القذافي نفسها، لأنهم ليبيون قبل أي شيء.. ومن يعرف ليبيا يعرف أن قبائل الغرب مصاهرون قبائل الشرق والعكس صحيح.. ومن سيقاتل إلى جانب القذافي هم فقط زمرة من المتنفعين".
معركة مع المرتزقة
لكن سفيان أبدى مخاوف كبيرة من أمرين أساسيين، هما: تغلغل ما قال إنه "مجموعات مرتزقة" دست بها قوات النظام لإثارة البلبلة وزعزعة الأمن، ونفاد المواد الغذائية ومخزون الكهرباء.
"ففي الليلة قبل الماضية وقعت مواجهات عنيفة داخل مطار طبرق (60 كلم عن درنا)، حيث تسللت مجموعة من المرتزقة تمكن الثوار من أسر خمسة منهم". وأكد سفيان أن المعتقلين مسجونون حاليا داخل مسجد الصحابة (وسط المدينة)، وانهم اعترفوا بان النظام دس بهم "لإبادة من تجرأ على التمرد ضد القذافي".
وقال سفيان "إن من بين المعتقلين ليبيين اثنين من أصل تشادي وثلاثة تونسيين من مجموعة الحرس الجمهوري الذي كان يتبع للرئيس التونسي المخلوع بن علي". كذلك تم القبض على 15 من "المرتزقة" داخل درنا، وفق سفيان، الذي أكد وجود اعترافات مصورة لهؤلاء، "لكن انقطاع وسائل الاتصالات تحول دون بثها إلى الخارج".