ليبيا والقيم العالمية!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
علي راشد النعيمي
إن الجريمة التي ترتكب بحق الشعب الليبي كشفت أن العالم تحكمه المصالح وأنه لا قيمة لما يسمى "القيم العالمية" أو قيم الحرية والعدالة عند العديد من مدعيها إذا لم تتوافق مع مصالحهم المادية. إن رد الفعل الدولي تجاه قصف الطائرات للمتظاهرين العزل في طرابلس بل ودفاع بعض المسؤولين الغربيين عن ذلك الفعل والتنكر للضحية، ليعبر عن ازدواجية المعايير فيما يتعلق بحقوق الإنسان لدى الغرب. فارتكاب المجازر بحق الشعب الليبي لا يعد خرقاً لحقوق الإنسان، وقتل الأبرياء لا يمثل انتهاكاً للقيم العالمية، وتجنيد المرتزقة لقتل الأبرياء لا يعد جريمة في القوانين الدولية. إن ما يتعرض له الشعب الليبي الآن ليعد جريمة إبادة جماعية في أبشع صورها. فهل يعقل أن يُقصفَ الأبرياء العزل بالطائرات المقاتلة والمدفعية الثقيلة أمام أنظار العالم أجمع وتبقى ردود الأفعال باردة باهتة تناشد الجزار باستحياءٍ أن يرأف بالذبيحة، بل تم استحداث مصطلح "القوة المفرطة" وكأنها إشارة خفية للسماح باستخدام القوة غير المفرطة ضد الشعب الذي ذاق مرارة القهر والحرمان وأراد أن يتنفس نسيم الحرية، فكان جزاؤه الذبح على مرأى من العالم وسمعه.
لقد كنت أترقب "الطلعة البهية" لأوكامبو، مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية، لكي يظهر على شاشات القنوات الفضائية بدعوى ضد مرتكب المذابح في ليبيا، أو على الأقل أن يفرض حلف "الناتو" حظراً جوياً على المجال الجوي الليبي كما فعل في شمال العراق وجنوبه عندما أراد أن يحد من قدرة النظام العراقي على التعامل مع شعبه. لكن لم نجد شيئاً من هذا ولا يجب أن نتوقعه، لأن العالم عودنا على الاستهانة بدمائنا وعلى تجاهل حقوقنا لأننا أهملنا التواصل مع الشعوب واقتصر تعاملنا مع الحكومات التي لها أجندات لا تتوافق مع مصالحنا. إننا بحاجة إلى فهم آلية صنع واتخاذ القرار في الغرب لكي نتمكن من حماية مصالحنا، وهذا أمر لابد أن نتفهمه نتيجة للأدوار التي يقوم بها الغرب في صناعة الأحداث عبر العالم.
إن الشعوب العربية لا تطلب المستحيل، بل تطلب أن تعيش حياة كريمة كغيرها من الشعوب، وتريد من الغرب أن ينظر إليها كبشر لهم حقوق وعليهم واجبات وأن تطبق عليهم نفس المعايير التي يجري تطبيقها على شعوب الأرض. إن أخلاقيات الغرب هي الآن على المحك ولابد أن يدرك أن له مصالح في العالم العربي، وأن حماية هذه المصالح لن تتم المحافظة عليها إلا إذا نعمت الشعوب العربية بالحرية والأمن والاستقرار، وبالذات في ظل الانفتاح والتواصل بين شعوب العالم وبروز قوى مجتمعية تجيد استخدام وتوظيف التكنولوجيا الحديثة لإبراز مطالبها والسعي للحصول على حقوقها.
إن المطلوب من الغرب أن يطبق القوانين الدولية الخاصة بجرائم الإبادة الجماعية على من يقترف المذابح ويستخدم المرتزقة ضد شعبه في ليبيا.