ليبيا: النظام سقط في "الفخ"
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
سعد محيو
خلال الثورة، تأتي تنازلات الأنظمة السلطوية دائماً متأخرة، ودائماً متعثرة .
هذا أمر طبيعي . ففي الانتفاضات الشعبية تصبح كل دقيقة بمنزلة سنة، وكل سنة بمنزلة قرن، لأن الأحداث فيها تجري بسرعة الضوء فتقلب في النهار ما جرى ترتيبه في الليل . وهذا مايجعل التباطؤ في التفاعل مع اللحظات الثورية أشبه بحمل مظلات واقية من الشمس للحماية من حمم البراكين .
النظام التونسي وقع في هذا الفخ حين بدأ يقدم التنازلات الرئاسية بعد أن تحوّل إحراق محمد البوعزيزي لجسده إلى نار عاتية أشعلت الثورة في كل تونس . والنظام المصري نسج على المنوال نفسه، إلى أن حملته القوات المسلحة على مالم يكن منه بد منذ اللحظة الأولى لكسر الشعب المصري حاجز الخوف صبيحة 25 ديسمبر/ كانون الأول .
الآن يأتي دور النظام الليبي . لكن هنا التأخّر/ التعثّر يبدو خرافياً ويفوق حتى الأساطير الإغريقية في لا معقوليته . فهو (النظام) لايزال يعيش في حالة إنكار سايكولوجي لكل مايحدث في البلاد، مقنعاً نفسه قبل الآخرين بأن ثورة 17 فبراير/ شباط هي انتفاضة في فنجان ldquo;يحرّكها مخدر الأمفيتامين المنبّه للجهاز العصبيrdquo;، على حد تعبير طرابلس الرسمية .
وهو (النظام) يُغرق ليبيا في بحر من الدماء مُستخدماً، وفق اعترافه، الطائرات والبوارج الحربية لقصف المتظاهرين المدنيين .
والأهم أن هذا النظام لايزال يتصرف كأنه مازال قادراً على توجيه دفة الأحداث في ليبيا كما يشاء . وهذا كان واضحاً في خطاب سيف الإسلام القذافي الأول، لكنه كان أكثر وضوحاً في مقابلة النجل الثاني للعقيد القذافي ساعدي مع ldquo;فاينانشال تايمزrdquo; .
فساعدي قال إن والده ينوي أن يبقى ldquo;الأب الأكبرrdquo; Big father في ليبيا، عبر لعب دور المستشار في ldquo;أي نظام سياسي جديد ينشأ في البلادrdquo; . أما طبيعة هذا النظام الجديد فسيحددها سيف الإسلام الذي يعمل الآن على صياغة دستور جديد سيعلنه في وقت قريب .
بكلمات أوضح، أنجال النظام الليبي السبعة يستعدون لتقديم تنازلات من شأنها إبقاء العقيد القذافي ldquo;قائداً للثورة إلى الأبدrdquo;، كما إبقاء النظام الحالي على حاله ولكن بصيغ قانونية - دستورية ستحمل الاسم ldquo;الجماهيرية الثانيةrdquo; .
لو أن هذه التنازلات، على هشاشتها المثيرة للسخرية، جاءت قبل اندلاع الثورة، لكان ثمة احتمال كبير بأن يُعلّق العديد من الثوار بعض الآمال عليها بأن تكون فاتحة لمسيرة تغيير وتطوير في البلاد، ولفكروا مرتين قبل الانغماس في لجج العنف الثوري .
لكن الآن، وبعدما سقط مئات الشهداء، وفَقَدَ النظام أي ظل من ظلال الشرعية الشعبية، ويكاد يفقد الآن ماتبقى من شرعية دولية، فلن تؤدي هذه التنازلات إلا إلى زيادة النار اشتعالاً في أتون الثورة التي بدأت تتمدد رويداً رويداً من الشرق إلى الغرب، ومن الشمال إلى الجنوب .
لقد تأخّر قادة النظامين التونسي والمصري في تقديم التنازلات في الوقت المناسب . لكنهم على الأقل لم يتأخروا كثيراً إلى درجة جر النظام برمته معهم إلى الهاوية . وهكذا بقيت الحكومتان ldquo;الرسميتانrdquo; في البلدين بعد تنحي الرئيسين بن علي ومبارك .
لكن الصورة لن تكون على هذا النحو في ليبيا بعد المحارق الأخيرة . فالدم سيستسقي الدم، والبركان سيبتلع النظام برمته، حتى ربما قبل أن ترى تنازلات هذا الأخير النور .