وحدة العراقيين ترعب حكومة الخضراء
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
إياد الدليمي
منذ أن أُعلنت في بغداد وعدد من المدن العراقية الأخرى نية العراقيين في التظاهر يوم الخامس والعشرين من فبراير، ورئيس الحكومة المنتخبة ديمقراطياً نوري المالكي يتخبط في قراراته وتصريحاته حتى فاق في غرابة تلك التصريحات، تصريحات الزعيم الليبي معمر القذافي، أيام فلسفته بكتابه الأخضر, أو أيام تخبطه بعد اندلاع ثورة الشعب الليبي ضده وضد حكمه.
ففي أحد التصريحات التي تفضل بها السيد المالكي والتي كانت كثيرة قبل جمعة الغضب العراقية أمس، قال إن ما جرى في تونس ومصر لا يمكن أن يجري في العراق، والسبب من وجهة نظر فيلسوف بغداد الجديد، أن العراق أكمل تغييره وأن زمن الديكتاتورية انتهى, والآن نحن في زمن الديمقراطية، وطبعا يقصد جانبه الكريم، الاحتلال الأميركي للعراق وما أعقبه من فوضى وتدمير وتخريب وتقتيل وترويع وإرهاب وتشريد وتفقير وتجهيل، وأخيراً تنصيبه وغيره على رأس حكومة أقل ما يقال عنها إنها فاسدة ومرتشية وقاتلة.
ولأن الخوف كان قد أكل من جماعة الحكومة وشرب طيلة الأيام التي سبقت تظاهرة أمس الجمعة، فإن السيد المالكي ألقى أكثر من خطاب إلى الشعب العراقي، كان آخرها قبيل الانتخابات بيوم واحد، وهو بذلك متفوق على أسلافه، بن علي ومبارك، الذين ظهروا على شعوبهم بكلمات متلفزة بعد انطلاق التظاهرات، بل إن المالكي سارع إلى محاولة شراء الذمم كعادته مع كل أزمة، فتوسل إلى شيوخ العشائر والنقابات والاتحادات والمنظمات المدنية والطلاب، وقدم الوعود تلو الوعود، كل ذلك من أجل أن لا يخرج الشعب على حكومته الفاسدة، وكلها لم تجدِ نفعا.
المالكي في خطوة استباقية، وعلى شاكلة القذافي، قال إن العراق بلد ديمقراطي والدستور يكفل حق التظاهر، ولكنه في الوقت ذاته، أعلن قبيل التظاهرات بيوم واحد، حظرا للتجوال في عموم محافظة بغداد، ولأنه خائف ويرتعد من مصير أسود هو وحكومته، قام بوضع حواجز كونكريتية على منتصف جسر الجمهورية الواصل بين ساحة التحرير ببغداد والمنطقة الخضراء، وطبعا هذه الحواجز يصل ارتفاع الواحد منها إلى نحو أربعة أمتار.
وطبعا كانت التهمة الجاهزة، وعلى شاكلة القذافي أيضا، بأن من يقود هذه التظاهرات هم البعثيون والصداميون، وصار يتحدث عن أن ذلك عهد ولّى ولا يمكن أن يعود، تخيلوا أن العراقيين في 18 محافظة الذين خرجوا يوم أمس، كلهم كانوا صداميين وبعثيين من وجهة نظر المالكي، بل إنه اتهم متظاهرين قاموا بإحراق المقر الحكومي لمجلس محافظة واسط قبل نحو أسبوع بأنهم من فلول البعث، علما بأن الشاب الذي قتل في تلك المواجهة مع القوات الحكومية يبلغ من العمر 16 عاما، أي أنه قضى نصف عمره في عهد المالكي الديمقراطي.
المحصلة أنه ومَن معه من حكومة المنطقة الخضراء مرعوبون، مما حدا بأغلبهم إلى محاولة الخروج من العراق قبل يوم المظاهرات، وتهريب ما يمكن تهريبه من أموال، قبل أن تقوم سلطات مطار بغداد بإعادة تلك الأموال المهربة والتي بلغت قيمتها نحو مليون و800 ألف دولار أميركي، كانت بحوزة بعض المسؤولين.
المحصلة أن الدور قادم على حكومة المالكي، والعراقيون باتوا مقتنعين بأنهم أولى بالثورة من غيرهم، فلديهم من الأسباب التي جعلت التونسيين والمصريين والليبيين يثورون، أضعاف مضاعفة، وباتوا على قناعة بأن التغيير لا يأتي من خلال عملية ديمقراطية كسيحة، كل نتائجها تبادل المقاعد بين الوجوه ذاتها.
على القوات المسلحة العراقية أن تنحاز ومن الآن إلى الشعب العراقي، وأن تسلك طريق العديد من الضباط الشرفاء ممن تخلوا عن مناصبهم العسكرية وتحدوا جبروت وبطش المالكي والتحموا بالشعب، فأيام هذه الحكومة معدودة، وإذا كان البعض يتحدث عن ديمقراطية، فإن الديمقراطية أيضا تقتضي أن يسمح السيد المالكي وحكومته للعراقيين بالتظاهر ويقولوا رأيهم.
ما جرى أمس في العراق عموما، هو استفتاء على هذه الشخصيات الكارتونية التي تسير العراق اليوم، استفتاء على ثمانية أعوام من حكم أذناب الاحتلال، لم يخلفوا وراءهم سواء جيش من اليتامى والأرامل والعاطلين والمعوقين والمرضى.
تظاهرات أمس أكدت على أن العراقيين ما زالوا متمسكين بعراقيتهم, وهو ما أرعب ثلة المنطقة الخضراء وجعلها تتخبط.
يقول المالكي في أحد خطابات الفزع الكثيرة التي ألقاها قبل أمس الجمعة: اصبروا علينا عاماً واحداً فقط، ألم تصبروا على صدام حسين 30 عاماً؟