جريدة الجرائد

«اللؤلؤة»... الخروج إلى الدبلوماسية

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

قاسم حسين

فيما يستمر الحديث محلياً وخارجياً عن مبادرة الحوار، بدأت "اللؤلؤة" بتنظيم مسيراتٍ باتجاه قلب المنامة التجاري والمنطقة الدبلوماسية، وتستقبل مسيرات أخرى.

ففي الثالثة من عصر الأحد، بعثت "اللؤلؤة" مسيرةً إلى المحكمة بوزارة العدل للمطالبة بالإفراج عن بقية السجناء، بينما استقبلت مسيرةً من ناحية المجمع التجاري، للمطالبة بإطلاق المواطن البحريني محمد البوفلاسة المختفي منذ 15 فبرلير / شباط 2011 (بعد أن تحدث في دوار اللؤلؤة) في ظروف غامضة. كما استقبلت مسيرة العاملين بالصحة، حيث جدّدوا مطالبتهم بمحاسبة الوزير السابق وطاقمه الإداري على سلسلة الأخطاء أثناء الأزمة، مع الالتزام بسقف المطالب الأساسية لحركة شباب 14 فبراير. كما غادر المستشفى السبت زميلهم الاستشاري (صادق العكري) الذي أصيب في هجوم الخميس، بعد تلقيه العلاج، حيث يُخشى من فقده البصر بعينه اليسرى، وكشفت الأشعة في اليوم الأخير تعرض ثلاثة من أضلاعه للكسر. وبينما زار وزير الصحة الجديد الطوارئ وحيّا العاملين فيه، عاد أمس أحد أفراد طاقم الوزير السابق لتكذيب الرواية المتواترة بمنع سيارات الاسعاف عن الوصول لدوار اللؤلؤة، وهي روايةٌ أجمع عليها كل الأطباء والمسعفين والممرضين والممرضات، وتداولتها الفضائيات ووكالات الأنباء العالمية بالصوت والصورة الموثّقة، ونحم الله أن الوزارة سححب هذا التصريح الكاذب لاحقاً.

سياسياً، قدّمت كتلة "الوفاق" استقالتها بصفة رسمية لمجلس النواب، فيما استمر التحفظ من جهات مختلفة على التعديل الوزاري الأخير الذي شمل إقالة أربعة وزراء، وهو ما اعتبره البعض طائفياً، وأعتبره بعضٌ آخر خطوةً ترقيعيةً وغير كافية. كما أعلن "الائتلاف الوطني" (تشكّل قبل أيام من شخصيات مختلفة) عن ست خطوات تمهد للحوار، وطالب بحل الحكومة وتشكيل لجنة تحقيق محايدة في الأحداث. أما "الجمعية البحرينية لحقوق الانسان" فقد خاطبت المفوضية السامية لحقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة بشأن ما حدث من انتهاكات جسيمة، واستخدام الذخيرة الحية والاعتداء على الطواقم الطبية ومنع وصولها يوم الكارثة إلى ميدان اللؤلؤة.

أخبار الخارج يوم الأحد كانت ساخنةً، ففي عُمان سقط ستة قتلى بالرصاص المطاطي في حركة احتجاجية لبضعة آلافٍ من الشباب العاطل، فأمر السلطان بتوظيف 50 ألفاً فوراً. أما في تونس فقد استقال الرئيس الغنوشي الذي حلّ فجأةً محل سلفه بن علي، لأنه لا يريد "التورط في قرارات تؤدي إلى سفك مزيد من الدماء" كما قال، وتزامن ذلك مع استقالة وزيرة الخارجية الفرنسية لمواقفها الداعمة للنظام الدكتاتوري ومعاداتها لنهضة التوانسة. وفي ليبيا شكّلت المعارضة مجلساً وطنياً انتقالياً، فيما انحصرت سلطة القذافي على أجزاء من طرابلس وسبها في الجنوب، وظلّ ابنه سيف يهدّد ويتوعد. وفي العراق أمهل المالكي وزراءه مئة يوم فقط لتحسين أدائهم وإلا سيغيّرهم! يأتي ذلك في أعقاب احتجاجات شعبية غاضبة ضد البطالة والفساد ونقص الخدمات، وهو ما أدانته المرجعية الدينية أيضاً. كما رحل الأحد مؤسس الحركة التركية الحديثة نجم الدين أربكان.

أول أخبار الاثنين، خرجت من اللؤلؤة مجموعة شبابية باتجاه مجلس الشورى عند التاسعة صباحاً، حيث اعتصموا أمام بوابته، وهناك استقبلهم الموظّفون بتقديم قناني الماء، فقابلوهم بتحيةٍ أجمل مردّدين ذلك الهتاف الهادئ الجميل: "شكراً لكم... شكراً لكم".

وفيما عادت هذه المجموعة عند الحادية عشرة ظهراً، كانت اللؤلؤة تستقبل مسيرةً من سيارات النقل العام والباصات، بعد يومٍ واحدٍ من استقبال الشاحنات والحافلات الكبيرة، وهو مشهدٌ ربما يبدو غريباً على المنطقة، وإن كان مألوفاً في اعتصامات الشعوب الأوروبية.

وكما حدث في الصحة، تشهد وزارة التربية والتعليم هزةً أخرى، حيث أدت سياسة تمكين بعض الجمعيات المعروفة بتوجهاتها الإقصائية من رقبة الوزارة، إلى استغلال الأحداث في زيادة الشحن الطائفي في المدارس الحكومية، ما أضرّ بالبيئة التعليمية في عددٍ كبيرٍ من المدارس المختلطة، بالإضافة إلى إقحام أعدادٍ كبيرةٍ من "المتطوّعين" في السلك التربوي دون مقدماتٍ أو امتحانٍ أو تأهيلٍ تربوي. وكشفت التحقيقات الأولية أن بعضهم لا يمتلك مؤهلات جامعية، وبعضهم متقاعدون أو أصحاب مهنٍ أخرى، وأكثرهم من غير البحرينيين، فيما يعاني آلاف الجامعيين البحرينيين من الجنسين من التعطل لسنواتٍ بحجة عدم توافر موازنة. وبينما بدا التخبط والتناقض أمس في تصريحات وزارة "التربية" بخصوص "المتطوعين"، أقدم رئيس ديوان الخدمة المدنية على خطوةٍ غريبةٍ حين أعلن عن معاملتهم كمعلمي احتياط، في مخالفةٍ واضحةٍ للقانون واشتراطات التوظيف المعتادة. ومن المتوقع أن تتكشف هذه القضية عن المزيد من الجوانب التي ستزيد من اهتزاز الصورة.

وفي سياق التخبّط نفسه، تم مؤخراً تعيين مدرّسٍ للتربية الدينية في مدرسةٍ هيئتها التعليمية من النساء، في سابقةٍ هي الأولى من نوعها في تاريخ البحرين. وآخر ما وصلني وأنا أكتب هذه السطور أن من بين 21 "متطوعة"، في مدرسة زبيدة (ابتدائية، بنات) 4 فقط يحملن البكالوريوس والدبلوم، وإحداهن أحضرت معها طفلها الصغير للصف! وأتمنى أن يتم تدارك هذه الكارثة التعليمية، ووضع حدٍ لهذه المزايدات السياسية، فليس من اعتصم أقل حباً وولاءً للبحرين ممن تطوّع، فكلنا أبناء بلد واحد. ولابد من التخلص نهائياً من هذه الصفحة الهزيلة الطارئة على تقاليد هذه الوزارة العزيزة على قلوبنا جميعاً، والتي تعلمنا وتربّينا في أحضانها جميعاً، لتستعيد وجهها الناصع ودورها الأمين كحاضنةٍ للهوية البحرينية الجامعة.

عند العاشرة، شارك أكثر من ألفي طالب في معهد البحرين للتدريب في مسيرة إلى مبنى الوزارة بمدينة عيسى، وفي طريقهم التحق بهم طلاب المدرسة الصناعية المجاورة، حيث طافوا بمبنى هيئة شئون الإعلام لإعلان احتجاجهم على الأداء السيئ لجهازي الإذاعة والتلفزيون. فالبحرين الجديدة التي يطمح إليها أبناؤها، تستحق صحةً وإعلاماً ووتربيةً وتعليماً أفضل وأكمل. وعلى اللهِ قصدُ السبيل ومنها جائرٌ ولو شاء لهداكم أجمعين


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف