الثورة وآباؤها!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
احمد عبد المعطي حجازي
إذا لم نعرف من أين جاءت ثورة الخامس والعشرين من يناير فلن نعرف أين ستذهبrlm;.rlm; أقصد أن معرفتنا لطبيعة النظام الذي رفضه الثوارrlm;,rlm; والأسباب التي دفعتهم لرفضهrlm;,rlm; والأفكار والمباديء
والخبرات التي منحتهم القدرة علي أن يفهموا طبيعة النظام ويروا مفاسده ويتصدوا له بشجاعة وصبر حتي أسقطوه ـ أقول إن معرفتنا لهذه الأسباب والدوافع والأفكار التي كانت وراء الثورة شرط أساسي لمعرفة الغايات التي تسعي لتحقيقهاrlm;,rlm; والنظام الجديد الذي تريد أن تؤسسهrlm;,rlm; والطريق التي ستسلكها لتأسيس هذا النظام وتحقيق هذه الغاياتrlm;.rlm;
هذا الشرط قد يكون غائبا بالنسبة لبعض الذين فاجأتهم الثورةrlm;,rlm; ربما لأنهم كانوا بعيدين عن النشاط السياسي الذي لم يكن متاحا للجميعrlm;,rlm; بل كان في معظم الأحيان محظورا مهددا محاطا بالأخطارrlm;.rlm; وكان شكليا وغير مجد في أحيان أخريrlm;.rlm; ولهذا انصرف الكثيرون عن السياسةrlm;,rlm; فلم يتابعوا ماحدث في الماضيrlm;,rlm; ولم يفكروا فيما يمكن أن يحدث في المستقبلrlm;.rlm; ومن هنا نسبوا الفضل للفيس بوك والهواتف المحمولةrlm;,rlm; وفسروا الثورة علي هذا النحو التبسيطي الذي يمكن أن تكون له نتائج خطيرةrlm;,rlm; لأنه يزيف وعي الناس بالثورةrlm;,rlm; حين يجردها من إنسانيتهاrlm;,rlm; ويجعلها مدينة فقط لبعض الآلات والأدواتrlm;,rlm; وحين يحصرها في فئة محدودة من الشباب تتحرك كما يري البعض علي نحو تلقائي فلا تستطيع أن تواصل الطريق وحدهاrlm;,rlm; وإذن فلابد أن تلجأ ـ كما يأمل هذا البعض ـ للمتربصين بالثورة المتأهبين لسرقتها أو ركوب موجتهاrlm;,rlm; والدفع بها في اتجاهات تعود بها القهقريrlm;,rlm; وتتناقض مع ماقامت من أجلهrlm;.rlm; وما أسهل أن يدعي هؤلاء أنهم مع الثورةrlm;.rlm; وما أسهل أن يتحدثوا عن الدولة المدنيةrlm;,rlm; وعن العدالة الاجتماعيةrlm;,rlm; وعن الديموقر اطيةrlm;,rlm; وعن حقوق الإنسان التي اغتالها كلها النظام البوليسي الساقط ومثل بها تمثيلاrlm;,rlm; وظل مع هذا يتحدث عنها ويدعي العمل بها ويسمي باسمها المجالس واللجانrlm;!rlm;
فاذا كان لابد من الاشارة لهؤلاء المتربصين فهم موجودون حيث يوجد المالrlm;,rlm; وحيث توجد القوةrlm;,rlm; وحيث يوجد التنظيم الحديديrlm;.rlm; وهم ينجحون في سرقة الثورة وتغيير وجهتها حين يتمكنون من تزييف وعينا بها وبالتاريخ الذي صنعها والتاريخ الذي تريد هي أن تصنعهrlm;,rlm; وهذا ما أود أن ألفت إليه النظر في هذا المقالrlm;.rlm;
rlm;gt;gt;gt;gt;gt;rlm;
ونحن نعرف التاريخ الذي صنع الثورة حين نعرف هدف الثورة أوغايتها التي تسعي للوصول إليهاrlm;,rlm; وأظن أننا متفقون علي أن غاية الثورة هي الحرية التي فقدها المصريون منذ سقطت بلادنا في قبضة الضباط الذين اغتصبوا السلطة في يوليو عامrlm;1952rlm; واحتكروها ثمانية وخمسين عاماrlm;,rlm; لم نذق فيها طعم الحرية اللهم إلا حين نجح ثوار يناير في إسقاط الممثل الأخير للإنقلابrlm;,rlm; وإرغامه علي أن يتخلي عن السلطةrlm;.rlm;
فهل هبط هؤلاء الثوار علينا من المريخrlm;,rlm; أم خرجوا من لحم المصريين ودمهمrlm;,rlm; وتعلموا من تاريخهمrlm;,rlm; وواصلوا السير في الطريق الذي سار فيه الآباء والأجداد؟rlm;!rlm;
هذا هو التاريخ الذي لا أستطيعrlm;,rlm; ولا غيري يستطيع أن يلم بأطرافهrlm;,rlm; فنحن نري طوال العقود الستة الماضية مسجونين بالآلافrlm;,rlm; ومعتقلين بالآلاف من الشيوعيينrlm;,rlm; والليبراليينrlm;,rlm; والإسلاميين وغير هؤلاء وهؤلاءrlm;.rlm;
ونحن نري مفصولين بالآلاف محاربين في رزقهم من أساتذة الجامعةrlm;,rlm; والقضاةrlm;,rlm; والصحفيينrlm;,rlm; والطلابrlm;,rlm; والمدرسينrlm;,rlm; والعمال وباستطاعة القاريء أن يعود الي المذكرات التي سجل فيها بعض هؤلاء المناضلين ماتحملوه من عذاب لايمكن وصفهrlm;,rlm; تخصص في إنزاله بهم جلادون أنذال آن الأوان لمحاسبتهم سواء أكانوا أحياء مازالوا أم كانوا موتيrlm;..rlm; من هذه المذكرات عندما جلدوني في المعتقل شهادة عن الواقع السياسي والثقافي لإبراهيم عبد الحليمrlm;,rlm; و معتقل كل العصور لفوزي حبشيrlm;,rlm; ومن ذكريات معتقل سياسي لصليب إبراهيمrlm;,rlm; وهديل اليمام وراء القضبان إعداد سمير عبد الباقي وغيرها كثيرrlm;.rlm; فطوال العقود الستة الماضيةrlm;,rlm; وقبلها أيضاrlm;,rlm; كانت السجون والمعتقلات المصرية ومازالت عامرة بالأحرار المصريين طلاب الحريةrlm;.rlm; وأولئك هم آباء ثورة يناير الذين ظلوا في أحلك الظروف يرفعون أعلامهمrlm;,rlm; ويسطرون بدمائهم ملاحم النضال في سبيل الحرية والكرامة والعدلrlm;.rlm;
ونحن نعرف أن ضباط الانقلاب شنقوا زعماء العمال الذين تظاهروا في كفر الدوارrlm;.rlm; وعذبوا حتي الموت أستاذ اللغة الإنجليزية شهدي عطية الشافعيrlm;,rlm; والطبيب فريد حدادrlm;.rlm; ونعرف ماتعرض له رجال القانون الذين وقفوا الي جانب الديموقراطية فإضطهدتهم السلطة ونكلت بهمrlm;,rlm; مذبحة القضاة في ستينيات القرن الماضيrlm;.rlm; وإقتحام مجلس الدولة بالمرتزقة والبلطجية وضرب السنهوري في الخمسينياتrlm;,rlm; واعتقال عبد المنعم الشرقاوي شقيق الشاعر عبد الرحمن الشرقاوي وتعذيبه حتي أشرف علي الهلاكrlm;,rlm; وعزل مصطفي القللي أستاذ القانون من الجامعة لأنه دافع عن تلميذه عبد المنعم الشرقاويrlm;,rlm; وحرمان عبد الحميد بدوي نائب رئيس محكمة لاهاي الدولية من الحصول علي جائزة الدولة التقديرية التي رشح لها عدة مرات ولم يحصل عليهاrlm;.rlm;
والذي تعرض له السياسيون والنقابيون والقانونيون تعرض له الصحفيون الذين فرضت عليهم الرقابة من خارج الصحف التي يعملون بها تارة ومن داخلها تارة أخريrlm;,rlm; ومنعوا من الكتابةrlm;,rlm; واعتقلوا ونقلوا الي مصلحة الاستعلاماتrlm;,rlm; وأحيلوا الي التقاعد كما حدث مع احسان عبد القدوسrlm;,rlm; وفكري أباظةrlm;,rlm; وأبو الخير نجيبrlm;,rlm; وأحمد بهاء الدينrlm;,rlm; ومع غيرهم من الكتاب والشعراء والفنانين الذين لم يكفوا عن التنديد بالطغيانrlm;,rlm; والدفاع عن الديموقراطية وعن العقل وحقوق الإنسانrlm;,rlm; ولو رجعنا لأعمال توفيق الحكيمrlm;,rlm; ونجيب محفوظrlm;,rlm; ويوسف إدريسrlm;,rlm; وعبد الرحمن الشرقاويrlm;,rlm; وألفريد فرجrlm;,rlm; وصنع الله إبراهيمrlm;,rlm; وميخائيل رومانrlm;,rlm; وصلاح عبد الصبورrlm;,rlm; وأمل دنقلrlm;,rlm; وصلاح جاهينrlm;,rlm; وفؤاد حدادrlm;,rlm; وكمال عبدالحليمrlm;,rlm; وأحمد فؤاد نجمrlm;,rlm; والشيخ إمامrlm;,rlm; ويوسف شاهينrlm;,rlm; وغيرهم فسوف نري كيف فضح المثقفون المصريون الطغيانrlm;,rlm; وكيف قاوموهrlm;,rlm; وكيف تنبأوا بسقوطهrlm;.rlm;
توفيق الحكيم في مسرحيته السلطان الحائر وبطلها أحد سلاطين المماليك الذين حكمونا ثلاثة قرون متواصلةrlm;,rlm; يحدثنا عن اغتصاب السلطة وفقدانها الشرعية وضرورة عودتها إلي الأمة التي هي مصدر السلطاتrlm;.rlm; فالسلطان في المسرحية عبد مملوكrlm;,rlm; وإذن فليس من حقه أن يحكمrlm;,rlm; لأن الذي لايملك أمر نفسه لايملك أمر غيرهrlm;.rlm; ولكي يكون له الحق في أن يحكم المصريين لابد أن يباع في سوق المدينة ثم يعتقه الذي اشتراه ليصبح حكمه شرعياrlm;.rlm;
والرمز واضحrlm;.rlm; فالحاكم ـ وكان في ذلك الوقت جمال عبد الناصر ـ الذي وصل الي السلطة عن طريق الانقلاب العسكري يفتقر الي الشرعية التي لن تتحقق له إلا بأن يخضع للدستور ويأتي عن طريق الديموقراطيةrlm;!rlm;
والقضية التي شغلت توفيق الحكيم في السلطان الحائر هي التي شغلت يوسف إدريس في الفرافير وهي التي شغلت ألفريد فرج في حلاق بغداد وهي منديل الأمانrlm;,rlm; أو الدستورrlm;,rlm; أو الديموقراطيةrlm;.rlm;
وإذا كان هؤلاء الثلاثة قد طالبوا عبد الناصر بالديموقراطية لأنهم كانوا لايزالون يثقون في وعودهrlm;,rlm; فقد ظهر لصلاح عبد الصبور أن الطاغية لايمكن أن يقف إلي جانب الحريةrlm;,rlm; بل هو لا يكتفي بأن يغتصب حقوق الناسrlm;,rlm; وإنما يتجاوزها فيغتصب حقوق الله ويتأله كما فعل عامل التذاكر في الكوميديا السوداء التي كتبها صلاح عبد الصبور في آخر الستينيات بعنوان مسافر ليلrlm;:rlm;
قلناrlm;:rlm; ماذا حدث لنا؟
قالواrlm;:rlm; أحدهمو قد قتل الله هنا
ولهذا فهو يخاصمنا
وبحثناrlm;.rlm; راجعنا كل ملف
سجلنا كل مكالمة تليفونية
صورنا كل خطاب
أمسكنا بالآلاف
عذبنا عشرين لحد الموت
وثلاثين لحد العاهة
وثمانين الي حد الإغماء
لكن لاجدويrlm;!rlm;
هكذا فضح المثقفون المصريون نظام يوليو وأدانوه وحرضوا المصريين عليه وتنبأوا بالثورة التي لم تقض عليه في مصر وحدهاrlm;,rlm; بل قضت عليه في مصر وفي غيرها من البلاد العربية التي ابتليت بأمثال القذافيrlm;,rlm; وبن عليrlm;,rlm; وصدام حسينrlm;,rlm; وسواهم ممن قلدوا عبد الناصر واعتبروا أنفسهم خلفاء لهrlm;.rlm; فإذا كان هذا النظام قد نجح في خداع المثقفين المصريين بعض الوقتrlm;,rlm; فقد خدعهم بمبادئهم وأحلامهم التي إدعي أنه يؤمن بها ويعمل لتحقيقها حتي وقعت الهزيمة وانكشفت الخديعة وراجع المخدوعون أنفسهم وصححوا ماوقعوا فيه من أخطاءrlm;,rlm; كما فعل توفيق الحكيم في كتابه عودة الوعي ولاشك أن للثورة آباء آخرين لايتسع المجال للحديث عنهمrlm;.rlm;
التعليقات
شكرا أستاذنا الكبير
M. Brachet -شكرا أستاذنا الكبير على هذا المقال الرائع. نحن في أشد الحاجة إلى أفكارك و شجاعتك خصوصا في هذه المرحلة الحرجة من تاريخنا، أرجوك الاستمرار في عملية التنوير التي بدأتها منذ سنوات، فمازالت العقول المظلمة تسيطر على الساحة الفكرية في مصر و مازال الكثيرون يرفضون أفكارك التقدمية . أتمنى أن اقرا مقالاتك ليس فقط يوم الأربعاء و لكن كل أيام الأسبوع؛ فكتاباتك هي من أجمل و أعمق ما يمكن قراءته في الصحافة العربية .
شكرا أستاذنا الكبير
M. Brachet -شكرا أستاذنا الكبير على هذا المقال الرائع. نحن في أشد الحاجة إلى أفكارك و شجاعتك خصوصا في هذه المرحلة الحرجة من تاريخنا، أرجوك الاستمرار في عملية التنوير التي بدأتها منذ سنوات، فمازالت العقول المظلمة تسيطر على الساحة الفكرية في مصر و مازال الكثيرون يرفضون أفكارك التقدمية . أتمنى أن اقرا مقالاتك ليس فقط يوم الأربعاء و لكن كل أيام الأسبوع؛ فكتاباتك هي من أجمل و أعمق ما يمكن قراءته في الصحافة العربية .