جريدة الجرائد

حتى لا تجرفنا الثورات

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

ياسر الصالح


في خضم تفاعلنا الإيجابي مع نجاح الثورات من حولنا ينبغي لنا أن نقف ونتأمل ونراجع واقعنا ومدى تأثير هذه الأحداث والثورات على هذا الواقع، سلباً أو إيجاباً... ينبغي علينا أن نتفحص في أي اتجاه تدفعنا هذه الأحداث، هل إلى وضع أكثر استقرارا مما هو عليه حالنا، أم تدفعنا في اتجاه لن تحمد عقباه وإن كان مؤجل التجلي والظهور.
خطوات مهمة تم اتخاذها لتخفيف الاحتقان الداخلي، وترضيات عامة تمت المبادرة لإطلاقها، ولكن هل تكفي هذه الخطوات لتكون دعامات وحواجز تصد الأمواج وتأثيراتها المقبلة من المحيط القريب والأبعد.
سمعنا عن مبادرة للحوار يجري الإعداد لها وربما دخلت في طور التنفيذ، وهذا في حد ذاته خطوة ايجابية لا يمكن الا تأييدها والدفع بها، ولكن ومن خلال هذه المقالة نود أن نساهم في عملية الدفع هذه في الاتجاه الذي نحسب انه سيؤدي إلى نتائج إيجابية استراتيجية تحقق الاستقرار الراسخ لنظامنا السياسي، وتجنبه الوقوع في وضع يكون ظاهره الاستقرار ولكنه يستبطن عوامل تفجير يمكن ان تظهر لتهز استقرارنا في أي مرحلة مقبلة.
من أهم عوامل التفجير التي قد تنتج عن هذا الحوار هو إقرار سياسة "الترضيات الفئوية" بحيث يتم الرضوخ لمطالب فئات تريد الاستئثار بجزء من كعكة موارد البلاد، التي هي ملك للشعب بأجمعه، وتسعى لأخذ قدر أكبر من الحصة العادلة التي تستحقها، وتريد الإعفاء من الالتزام بتطبيق القانون عليها بطرق مباشرة أو غير مباشرة، كما هو الحال في اعتماد النفوذ والواسطة الخارقين للقوانين على الصعد والمستويات كافة في النظم الإدارية والاقتصادية والأمنية، أو من خلال تحديد "كوتة" فئوية في بعض أو كل هذه النظم على حساب بقية أفراد الشعب.
شعار "إلا الدستور" يتبناه عموم الشعب الكويتي وإن لم يعلنه أغلبهم ويخرج في الشوارع للمطالبة به، فليس صحيحاً بأن من لم يتظاهر ليطالب بتطبيق الدستور تحت هذا الشعار يكون ممن لا يتبنونه في الواقع، بل إن هذه التهمة تصح في حق كثيريين ممن رفعوا هذا الشعار في العلن وتظاهروا وتجمعوا تحته وهم في الحقيقة لا يتبنونه، فهؤلاء معروفون بأنهم رموز خرق القوانين والدستور من خلال سعيهم الجلي والحثيث لزرع التفرقة والشقاق بين فئات المجتمع في تصريحاتهم ومواقفهم، وهو أمر مخالف ومضاد لتوجهات ومواد الدستور، وكذلك من خلال سعيهم لتجاوز القوانين عبر ممارستهم للواسطة واستغلال النفوذ بشكل مكشوف ومفضوح أمام جميع أفراد الشعب، فهم لم يرفعوا هذا الشعار البراق إلا في سبيل الضغط للحصول على المزيد من مطالبهم الفاسدة.
إننا ننبه إلى أن التنازل لهذه الفئة وأمثالها لترضيتها سوف يؤدي إلى تحرك الفئة الصامتة ممن تتبنى الدستور حقيقة، وهم الغالبية العظمى من "شباب" هذا الشعب الذين يمثلون غالبيته العددية غير المنتمية فعلياً لأي من التيارات السياسية التي اصبحت مهمشة على المستوى الشعبي، وهؤلاء الشباب كسروا بدرجة كبيرة الحواجز الفئوية للتواصل والتعاطي مع بعضهم البعض، ويحملون وعياً لا تحجب الترضيات الآنية أدوات تشخيصه الثاقبة التي زادتها تجارب الشباب في المحيط القريب والأبعد بصيرة وخبرة، وهذا الشباب على تواصل مع الفاعلين من أقرانه في هذا المحيط.
كما أننا نرى بأن عامل الاستقرار الحقيقي لنظامنا السياسي هو تطبيق العدالة في جميع المستويات والنظم: الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والإدارية، والأمنية، وغير ذلك، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال اتخاذ قرار استراتيجي وحاسم ونهائي بأن يكون نظامنا السياسي هو نظام يتبنى القانون المبني على الدستور تشريعاً وتطبيقاً، فلا تدوير للزوايا، ولا التفاف، ولا تمويه، ولا شعارات فارغة من واقع، بل تبني حقيقي... وما لم يتم ذلك، وكانت نتيجة الحوار هي حزمة من الترضيات السرية والمعلنة فإننا نعتقد أنه وبعدد هذه الحزم ستكون حزم التفجير المستقبلي لواقعنا.
نرجو ألا يخيل لأحد بأنه يمكن التشاطر والتذاكي على الوعي الشبابي سياسياً، أو يمكن التعامل الفعال بالقدر الكافي لكبح الحراك الشبابي من الناحية الأمنية، فالأنظمة التي سقطت حوى أغلبها على أساتذة الدهاء السياسي، وأساتذة الدهاء والبطش الأمني للكثير من السياسيين والأمنيين العرب... ولكن حين حانت الساعة اكتشفوا جميعاً بأنه "لات حين مناص".
عوامل القوة في نظامنا السياسي تمثلت بوجود دستور مطبق بشكل نسبي ما حقق عدالة نسبية أدت إلى حالة استقرار النسبي، ولكننا ان أردنا الاستقرار الحقيقي فإنه يتوجب علينا تعظيم عوامل القوة هذه وتطبيقها بشكل كامل ودائم، فهذه الأيام والظروف لا تتحمل، أو تحتمل النسبية.
ومضة
بعد ثورة تونس مباشرة حذرنا في مقال لنا من تأثيرات لهذه الثورة قد تتسبب في إحداث تبعات على واقع قضية البدون عندنا، وحاولنا إيصال هواجسنا هذه لمن يهمه الأمر، ولكن يبدو أن شعار "الحكومة أبخص" كان هو الحاكم... فهل بعد ما جرى سيتغير هذا الشعار في أجواء الحوار الجديدة؟ لننتظر ونرى.


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف