جريدة الجرائد

القضية الفلسطينية والتحديات الجديدة...

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

خيرالله خيرالله


ثمة شرق أوسط جديد يفرض طرح أسئلة من نوع مختلف. في طليعة الأسئلة التي تحتاج إلى جرأة عربية وفلسطينية، أو لنقل إلى حد أدنى من الصدق مع النفس: هل هناك من لا يزال يتذكّر وجود القضية الفلسطينية في ضوء ما شهدته مصر أخيراً، وما تبدو المنطقة كلها مقبلة عليه من تحولات مصيرية؟ الثابت أن القضية الفلسطينية تواجه منذ ما يزيد على عشرة أعوام تحديات من نوع جديد حولتها إلى قضية من قضايا المنطقة بعدما أصرّ العرب، بصدق أحياناً وخبث في أحيان أخرى، طوال عقود على أنها قضيتهم الأساسية، بل المركزية.
في الوقت الراهن، لم يعد من اهتمام دولي وإقليمي سوى بمصر وتداعيات ثورتها على الداخل والمحيط. أي شرق أوسط بعد الذي حصل في مصر؟ نسي العالم، وحتى العرب، ما شهدته تونس التي فاجأ شعبها كثيرين كانوا يظنون أن هناك أنظمة لا يمكن أن تتزحزح. نسوا أن هناك بلداً عربياً تعرض للتقسيم هو السودان، وأن دولة جديدة، لا تزال تبحث عن اسم، ولدت من رحمه. ربما وجدت الدولة الجديدة الاسم أخيراً ويبدو انه سيكون "السودان الجنوبي" وليس "السودان الجديد" كما كان متوقعاً.
تتسارع الأحداث إلى درجة أنه بعد مضي أقل من شهرين على بداية العام 2011، بتنا أمام شرق أوسط جديد يبحث لنفسه عن خريطة جديدة لا علاقة لها بتلك التي عرفناها في الأعوام الخمسين الماضية...
بدأ التدهور يزداد على الصعيد الفلسطيني صيف العام 2000 نتيجة فشل قمة كامب ديفيد التي ضمت الرئيس كلينتون والزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني ياسر عرفات، رحمه الله، ورئيس الوزراء الإسرائيلي وقتذاك ايهود باراك. تبين نتيجة القمة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، وهو في موقع وزير الدفاع الآن، لا يريد تسوية وإنما سعى عملياً إلى جرّ "ابو عمّار" إلى فخ ووضعه في موقع الرافض لعرض "سخي" قدمه له الجانب الإسرائيلي. في الواقع، لم يكن هناك عرض إسرائيلي واضح، بمقدار ما كانت هناك أفكار عامة كان على ياسر عرفات الموافقة عليها من دون ضمانات. لم يحسن "أبو عمّار" التصرف في تلك المرحلة، فكان قراره الكارثي المتمثل في عسكرة الانتفاضة والذي عاد على الفلسطينيين وقضيتهم بالويلات، خصوصاً مع وصول ارييل شارون إلى السلطة في الشهر الثاني من العام 2001...
لم يكن القرار القاضي بعسكرة الانتفاضة الوحيد الذي ساهم في الاساءة إلى القضية الفلسطينية، خصوصاً أن المطلوب إسرائيليا في تلك المرحلة كان قطع طريق واشنطن على ياسر عرفات. جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 لتزيد من التقارب الأميركي- الإسرائيلي من جهة، وتمكين شارون من وضع ياسر عرفات في الإقامة الجبرية في رام الله من جهة أخرى.
لكن نقطة التحول كانت الاجتياح الأميركي للعراق في مارس من العام 2003، الذي قلب التوازنات الإقليمية رأساً على عقب. نقلت الخطوة الأميركية في اتجاه العراق كل الاهتمام إلى هذا البلد الذي كان ركيزة من ركائز النظام الإقليمي القائم منذ نحو تسعة عقود والذي تشكل الشرق الأوسط، الذي كنا نعرفه، انطلاقاً منه ابتداء من مطلع الخمسينات وصولاً إلى قيام الكيانات الخليجية التي نعرفها الآن في الستينات والسبعينات.
اننا الآن في مرحلة يعاد النظر فيها بكل شيء في الشرق الأوسط. من الطبيعي أن يكون الفلسطينيون معنيين بما يجري على حدودهم المباشرة، خصوصاً في مصر. كيف سيتصرفون في هذه المرحلة؟ هذا هو السؤال البديهي. من حسن الحظ انهم لم يستسلموا للاحتلال الإسرائيلي، بل يبدو رد فعلهم سليماً إلى حد كبير. هناك دعوة إلى انتخابات عامة ورئاسية قريباً. وهناك استقالة لحكومة الدكتور سلام فيّاض، على أن يعود الرجل إلى الموقع ذاته على رأس حكومة جديدة. اليوم، أكثر من أي وقت لم تعد هناك أوهام فلسطينية.
لم يعد هناك حتى وهم اسمه المصالحة الوطنية الفلسطينية. لا تزال الوثيقة المصرية التي صاغها نائب رئيس الجمهورية لفترة أيام السيد عمر سليمان والذي يبدو انه خرج من السلطة مع الرئيس حسني مبارك، حية ترزق. ولكن ما قيمة الوثيقة ما دامت "حماس" لا تمتلك حرية قرارها وهي مكتفية بالسيطرة على امارة غزة "الطالبانية" بعدما توصلت إلى هدنة طويلة مع إسرائيل تضمن بقاءها في السلطة إلى أن يقضي الله أمراً...
للمرة الأولى في تاريخهم الحديث، يعتمد الفلسطينيون استراتيجية جديدة قائمة على العمل من أجل بناء مؤسسات لدولة مستقلة في ظل الاحتلال. نعم، هناك مؤسسات تقوم غصباً عن الاحتلال. هناك أمن فلسطيني يعمل للمحافظة على المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية. انتقل الفلسطينيون، ربما بسبب ما تشهده المنطقة من تطورات مصيرية، من مرحلة النحيب والشكوى من غياب الاهتمام العربي الحقيقي بقضيتهم إلى مرحلة السعي إلى طرد الاحتلال بفضل قدرة مجتمعهم على الانتماء إلى ثقافة الحياة بديلاً من ثقافة العمليات الانتحارية التي استخدمتها "حماس" للقضاء على كل أمل في مستقبل أفضل من جهة، وخدمة كل نوع من أنواع التطرف داخل المجتمع الإسرائيلي المريض من جهة أخرى. لم يعد هناك اهتمام بالانقسام بي "فتح" و"حماس" وحتى بالتجاذبات التي تشهدها "فتح" حيث يحاول رجال الحرس القديم القضاء على أي محاولة لتطوير الحركة. انتقلت القضية الفلسطينية الى مكان آخر. انتقلت إلى الفلسطينيين الذين لم يعد امامهم سوى خيار واحد وحيد يتمثل في جعل الأرض الفلسطينية مرحبة باهلها بدل أن تكون أرضاً طاردة لهم كما يتمنى بيبي نتانياهو. من علامات الزمن أن عدد الذين عادوا الى الضفة الغربية في 2010 يزيد على عدد الفلسطينيين الذين خرجوا منها. إنها مجرد بداية في زمن مختلف وفي منطقة تتغيّر بأسرع مما يمكن للمرء تخيّله.


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف