جريدة الجرائد

هلوسة القذافي... والتقسيم !

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

راجح الخوري

ليس واضحا كيف ستكون نهاية معمر القذافي. ولكن لا ريب في أنه يستحق موتا يختلف عن موت كل الطغاة الذين سبقوه: موتا على شيء من الجنون والهلوسة والقتل المبتكر والغريب غرابة هذا المخبول في الشكل والزي واللغة واللسان والخروج المطلق عن المنطق والواقع.
لا ندري من كان المهلوس أمس عقيد "زنكا - زنكا، بيت بيت، حارة حارة"، أم أصحاب القرار الذين استمعوا اليه في الشرق والغرب، عندما قدم فصلا يؤمل أن يكون ختاميا في مهزلة حكمه التهريجي الذي استمر 42 عاما حتى الآن، وقد اختار له منذ اسبوعين خاتمة فاجعة وهي أن يشق أنهرا لدم الليبيين، بعد مهزلة النهر العظيم، الذي ابتلعته الصحراء كما ستبتلع القذافي في النهاية.


❐ ❐ ❐

فمنذ أسبوعين والناس مسمّرون في العالم أمام ما يحصل في ليبيا من تظاهرات وثورات وقتل على أيدي المرتزقة الذين استجلبهم القذافي لذبح أبناء بلده، ثم يخرج هذا الرجل مرة جديدة بما يتجاوز الهلوسة التي سبق ان اتهم بها المنتفضين ضد حكمه، ليقول: "لم تحصل تظاهرات في ليبيا اطلاقا"، ربما لأنه يصدق أن الشعب لا يخرج إلا لتمجيده، وهو الذي اعلن انه نوح وأن "العناية الالهية" اختارته لانقاذ البشرية!
لقد اخترع مناسبة سماها الذكرى 34 لاعلان قيام "سلطة الشعب"، ليعلن للعالم أمس انه ليس مسؤولا ولا يمارس أي سلطة سياسية أو ادارية... وأنه يضع إصبعه بقوة في عين من لا يصدق (!) في وقت كان يرسل المقاتلات والمجنزرات والمرتزقة لقصف المنتفضين ضده في شرق البلاد وغربها.
القذافي يظن ان العالم كله يهلوس، فما يحصل تمرد مسلح نظمته خلايا نائمة من "القاعدة" وليس حركة احتجاج من الشعب الذي يعبده، وأن المليارات المودعة في معظم دول العالم باسمه واسم أبنائه هي أموال الشعب الليبي وتجميدها قرصنة من الغرب، وأن رصيده هو القيم والمجد والتاريخ فقط لا غير!


❐ ❐ ❐

كان في وسع هذا الكلام ان يضيف حلقة أخرى الى مسلسل الظاهرة الاكثر غرابة في تاريخ القادة، حلقة تثير مزيدا من السخرية والضحك، لكن هذا الكلام يأتي في وقت يحرك القذافي آلته العسكرية وسلاح الطيران والمدفعية الثقيلة ضد أبناء شعبه، ولا مجال للضحك على تخوم القتل الجماعي.
في الجانب الآخر من هذه الصورة التي تقدم للمتابع شريطا لمذبحة مفتوحة ضد المواطنين، تبدو ملامح هلوسة من نوع آخر. ففي غياب ما يسمى المرجعية العربية بسبب دومينو الانتفاضات والثورات لا يجد وزراء الخارجية العرب، سوى الاعلان عن رفضهم التدخل الاجنبي في ليبيا. وهو رفض سبقه اليهم الليبيون أنفسهم وليس هناك من يعترض على هذا الرفض، لكن الاعتراض هو على التقصير الفاضح على الاقل في مساعدة الجاليات من العمال العرب الهاربين من ليبيا والذين يواجهون الموت جوعا على الحدود!
و"الهلوسة" على المستوى الدولي لا تقل عن جنون القذافي، فما صدر عن مجلس الامن هو شكل من أشكال الهلوسة السياسية حيال ما يجري. والانقسام الأوروبي - الاميركي حول شكل التدخل المطلوب في ليبيا لأسباب "إنسانية واجتماعية" وبغرض حقن الدماء والاغاثة هو ايضا هلوسة.
وعندما تقول هيلاري كلينتون إن أمام ليبيا الوصول الى الديموقراطية ولو بعد سنوات او الانزلاق الى الحرب الاهلية، ويبدأ القذافي هجومه المضاد بعد ساعات على هذا الكلام، فان ذلك يعني ليس الحرب الاهلية الطويلة فحسب، بل ربما الوصول الى التقسيم.


❐ ❐ ❐

واذا هبّت رياح التقسيم ما بين المحيط والخليج فستكون قمة الهلوسة والجنون من نصيب الشعوب والقبائل والاديان والمذاهب. ففي منطقة بائسة الى هذا الحد ومهترئة الى هذا الدرك أوصلت الانقسام حتى الى صفوف الفلسطينيين الباحثين عن وطن سليب، يمكن أن يصير التقسيم نوعا من الدومينو الذي يقفز من بلد الى بلد، تماما مثل الانتفاضات والثورات.
ففي نصف قرن من الزمن الرديء والانظمة الاكثر رداءة لم تكن المهانة وحدها والفقر وحده والديكتاتوريات على أنواعها وحدها التي خلقت هذا الاحتقان وولدت هذه الانفجارات التي لن تتوقف، بل ايضا ذلك المزيج القبيح من الهزائم والعار ومن التخلف والجوع. وهكذا عندما تنفجر ثورة الشباب هنا او هناك، مطالبة بالتغيير ولا تحمل معها مشروعا متكاملا لنظام بديل متفق عليه، فان الفترة الطبيعية والضرورية للتوصل الى هذا البديل قد تشكل المنافذ المفتوحة للاستهدافات والمؤامرات، وفي مقدمها الحروب الاهلية والشرذمة والتقسيم.
واذا كانت الهلوسة ماثلة في تصرفات القذافي فانها كانت في سياسات دول كثيرة، بما يثير خوفا حقيقيا من انزلاق ليبيا الى حرب أهلية تنتهي بتقسيم قد يشكل وباء قد يضرب في دول أخرى في المنطقة!

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف