من اللؤلؤة إلى جنيف
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
قاسم حسين
يأتي الخبر الليبي هذه الأيام على رأس نشرات الأخبار، ثم اليمني والعماني، ثم تتنافس على المراتب التالية مصر وتونس والبحرين.
في ليبيا، خرج الزعيم أمس على التلفزيون في ذكرى تسليمه السلطة للشعب في العام 1977 (!)، متهماً تنظيم القاعدة بالتغرير بالشعب الليبي، وعاتب أميركا لتخلّيها عنه، فما هكذا تكون الصداقة وما هكذا يكون الوفاء! كان هادئاً هذه المرة، لم يشتم الليبيين أو يصفهم بالجرذان والفئران والحيوانات والكلاب، ولم يهدّدهم بالملاحقة من بيت إلى بيت، ومن دار إلى دار، ومن زنقة إلى زنقة! (يبدو أن "زنقة" مشتقة من كلمة "زرنوق" أو العكس)!
في اليمن، انضم القائد السلفي الشيخ الزنداني للمعارضة التي تطالب بإسقاط النظام، بعد يومين من إعلان الشيخ الأحمر (الابن) استقالته من جميع مناصبه ومطالبته بـ "يوم غضب"، ما يعني إنهاء "التحالف القبائلي - الديني - التقليدي" الذي أقامه النظام لعقود، فماذا يمكن أن يفعل الرئيس صالح إذا تخلى عنه رؤساء القبائل؟ هو الآخر اتهم أميركا ومعها "إسرائيل" بإنشاء "غرفة عمليات" تهدف إلى إسقاط الأنظمة العربية. ربما سيلوم أميركا لاحقاً لتخلّيها عنه، بعد سنوات من المشاركة في الحرب ضد "القاعدة". يبدو أن هذه "الفزاعة" لم تعد تخيف أميركا تنطلي عليها هذه الأيام، ولم تعد تصدّقها شعوب المنطقة!
في عمان الشقيقة، التي تعيش على ساحل بحر العرب في هدوء وعزلة تحسد عليهما في هذا المحيط المضطرب، فوجئ الجميع بصور المظاهرات والمواجهات. لم تكن من بين الدول المرشّحة أصلاً لحدوث تحرك شعبي، وكان مفاجئاً مشاهدة صور حرائق في مبان خاصة وعامة في أكثر من مدينة، فهذا ال ات لعدد من أع ضائه في الجلسة الأخيرة (ودون أن نستبق الأحداث)، يشير إلى أن التململ وصل إلى هناك، بسبب ما جرى من معالجة أمنية في دوّار اللؤلؤة يوم الخميس الدامي. أما البرلمان المنعقد بنصف نصابه تقريباً، فقد مرّر بعض القوانين المؤجلة (من بينها قانون الصحافة العتيد)، بعيداً عن متابعة الرأي العام. ويُخشى أن يكتشف الناس لاحقاً وجود ثغرات تفتح أبواباً للخلافات في المستقبل، كما جرى في قانوني "الجمعيات" و "التجمعات"، اللذين أساءا للتجربة البرلمانية، وكانا من الأسباب الأساسية لزيادة تعقيد الأوضاع السياسية في الأعوام الستة الأخيرة. صباح أمس، خرجت مظاهرات وبعضها وصل من مناطق بعيدة مشياً على الأقدام إلى دوار اللؤلؤة. وفي العصر خرجت مسيرةٌ إلى وزارة الداخلية. وبعد صلاة المغرب شهد جامع الفاتح حشداً جماهيرياً للمرة الثانية بعنوان "لنا مطالب" لتجمع الوحدة الوطنية. وفي الثامنة ينتظر أن يجتمع "الائتلاف الوطني" المكوّن من شخصيات مختلفة.
الجمعيات السياسية أصدرت بياناً في ختام "مسيرة الوحدة الوطنية" الثلثاء، حدّدت فيه مطالبها، من دستور جديد يضعه مجلس تأسيسي منتخب، ومملكة دستورية وحكومة منتخبة، ونظام انتخابي يحقق التمثيل العادل لكل مكونات الشعب، وحكومة انتقالية تحقق انفراجاً سياسياً وأمنياً سريعاً، ولجنة تحقيق مستقلة في أعمال القتل التي وقعت منذ 14 فبراير، مع توفير الضمانات، وتحييد الإعلام الرسمي ليقوم بدوره الوطني الجامع، فالأخير أصبح مطلباً ملحاً بعدما تحوّل الإعلام الرسمي إلى أدوات للشحن والتأجيج الطائفي بسبب مواقفه وأدائه وعزلته عما يجري في الشارع البحريني، ما اضطر الجمهور للجوء إلى الفضائيات لسماع ما يجري في الداخل!
في الأسبوعين الأولين للأزمة كانت التصريحات تؤكد على سلامة الوضع الاقتصادي، أما مع بداية الأسبوع الثالث، فقد بدأت التصريحات العكسية والتحذيرات بالصدور، وبدأنا نقرأ تقارير وتحقيقات سلبية في بعض الصحف، وآخرها افتتاحيةٌ بكائيةٌ تحذّر من قرب انهيار قطاع الفنادق، ودعوة "الغرفة" لطرح مبادرة للخروج من الأزمة. كما أُعلن عن تحذير بعض الدول المصدّرة لخدم المنازل رعاياها من الذهاب للبحرين، وبعضهم قام بالمنع.
في جنيف، ألقت وزيرة التنمية الاجتماعية كلمةً في الدورة السادسة عشرة لمجلس حقوق الإنسان، خلطت فيها بين "مسيرة الأمن والاستقرار" و "ترسيخ حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير والمساواة بين المواطنين دون تمييز بسبب العرق أو اللغة أو الدين أو الجنس أو الرأي". وهي قضايا خلافية في الداخل، وخصوصاً أنها استشهدت بوجود عدد كبير من منظمات المجتمع المدني، تولّت محاربة الكثير منها، في مقدمتها الصناديق الخيرية، و "الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان"، وجمعية التمريض، ومركز المنامة الإعلامي، حيث اقتادتهما إلى المحاكم لأول مرة في تاريخ البحرين! الوزيرة تبنت رواية وزارة الداخلية التي تقول بأن الإصابات وسقوط الضحايا في الأحداث "ما كانت لتقع لو أن الاعتصامات والمسيرات التزمت بالسلمية وبالقانون". والعالم يدرك اليوم بـ "اليوتيوب و "الفيسبوك"، أن كل الاعتصامات والمسيرات في الأسبوعين الأخيرين كانت سلميةً تماماً، وكان الاشتباك يتم من طرف واحد.
هذا الطرح قابله بيانٌ لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" أكد على أن تعهدات البحرين التعاقدية تلزمها بمحاسبة منتهكي حقوق الإنسان، وأن "الإصلاح السياسي يجب أن يشمل إجراء تحقيق شفاف ومستقل في العنف الذي بادرت به الحكومة، وأودى بحياة سبعة متظاهرين وإصابة المئات". ودعت المنظمة إلى مقاضاة المسئولين عن ارتكاب أعمال العنف، ومن أساءوا إلى الأفراد الذين تعرضوا للاحتجاز. ففي عالم اليوم لم يعد يُؤخذ بالروايات الرسمية وحدها، بعدما أصبح للمجتمع المدني حضوره وتأثيره.
في هذا السياق أصدر "اتحاد كتاب وأدباء الإمارات" بياناً حول ما يشهده العالم العربي، أعرب فيه عن دهشته وقلقه من "النتائج الباهرة التي انتهت إليها جهود شباب الأمة من إعادة الوجه الناصع والمشرف للعرب أجمع أمام العالم". وإن "كتاب الإمارات، شأنهم شأن الشرفاء من كتاب وأدباء العرب والعالم، يثمّنون غالياً نضال المهمشين والمظلومين وسعيهم إلى الحرية والعدالة الاجتماعية، وتطلعهم إلى الحياة الحرة الكريمة".