جريدة الجرائد

هشاشة النظام العربي

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

أسامة عبد الرحمن

يعاني النظام الرسمي العربي من هشاشة في هياكله وآلياته، ويبدو عاجزاً عن القيام بالدور المطلوب منه في مواجهة التحديات الكبيرة، والجامعة العربية هي الحاضنة للنظام الرسمي العربي وآليته تعكس هذه الهشاشة . إذ مرت عليها عقود طويلة ولم تتطور بصورة ملموسة عبر هذه العقود، وظلت إلى حد كبير إطاراً بروتوكولياً شكلياً يقف عند حدود التوصيات أو القرارات التي لا يجد معظمها طريقه إلى التنفيذ . والأمانة العامة للجامعة العربية هي سكرتارية لا تملك أن تتجاوز حدود اختصاصاتها وصلاحياتها، وتكاد تكون منبراً إعلامياً يحاول أن يعطي صورة عن حراك عربي رغم أن الحراك غير حاضر، أو أن الحراك قاصر .

وتلتئم القمم العربية، ويعتبر التئامها إنجازاً، خصوصاً في خضم أي عاصفة من عواصف الانقسام العربي، ولا تكاد تكون المحصلة منها ملموسة، وتظل كثير من القضايا الرئيسة عالقة أو معلقة أو تدور من لقاء إلى لقاء، أو تحال إلى لجان تدور بها في ردهاتها ولا تنتهي في الغالب إلى محصلة .

ربما كان هناك قدر كبير من التفاؤل الذي صاحب فكرة إنشاء الجامعة العربية، وقد كتب عبدالرحمن عزام أول أمين للجامعة العربية، مشيراً إليها على أنها تقرب إلى الأفكار الوحدة، ويستطرد: ldquo;نحن في القرن العشرين، في عصر التناطح بين كتل بشرية ضخمة، والتنافس بين قوى مجمعة تستند إلى موارد متعددة، فلا سبيل لمجاراتها والعيش معها على قدم المساواة، ولا سبيل لأن يكون لأنفسنا صوت مسموع في الدنيا إلا إذا كانت لنا جبهة متراصة، فالحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للشعوب العربية تستلزمها، وهي الضمان الوحيد للاستقلال والحرية والسلم الداخلي والخارجي لهذه الشعوب . (الهلال: المجلد الثاني والأربعون، الجزء الرابع 1934) .

ويقول عباس محمود العقاد: ldquo;إن جامعة الأمم العربية، عنوان صادق في الاتجاه الجديد الذي تتجه إليه الإنسانية في العصر الحاضر، وعلى الفرد أن يرجع خمسين سنة فقط إلى الوراء لينظر أين كان مكان الأمم التي لم تملك من الثراء والسلاح إلا بمقدار ما تملكه الأمم العربية اليوم، وليحسب الفارق بين ذلك المكان ومكان الجامعة العربية في العصر الحاضر، فإنه فارق لا يستصغره على خمسين سنة إلا رجل لا يحسن القياس . (الهلال: المجلد الثالث والخمسون، الجزء الرابع 1945) .

ومن المفارقات اللافتة للنظر أن التفاؤل الذي كان حاضراً في البدايات ربما تلاشى وظلت الجامعة العربية أسيرة الوضع الذي نشأت عليه أو ربما انحسرت عنه .

وإذ مثل قيام الجامعة العربية أملاً في الوحدة فإن مفهوم الوحدة لم يعد ماثلاً والنظام الرسمي العربي بصرف النظر عن مفهوم الوحدة يعوزه التنسيق ويكاد يغلب عليه الانقسام في وتائر متذبذبة صعوداً وهبوطاً، حسب الأهواء والنزعات والميول، وحسب الضغوط الداخلية والخارجية .

وإذا كان الانقسام هو الغالب فليس من المنتظر التنسيق، وإن كان الإطار البروتوكولي والشكلي للقاءات حاضراً، ذلك أن القرارات يجب أن تكون مستندة إلى إرادات جادة تضع المصالح العليا فوق كل اعتبار قطري . وإذا كان كثير من الكتاب قد دأبوا على المقارنة بين الأقطار العربية والاتحاد الأوروبي . وكيف أمكن لهذا الأخير أن يتجاوز كل تركات الحروب الكارثية، والتباينات الكثيرة بين دوله، لتبين العجز العربي في تحقيق إنجاز مماثل، فإنه لا يغيب عن البال أن فردية القرار وشخصنة القرار تتحكم إلى حد كبير في الساحة العربية وليس للديمقراطية الحقيقية حضور . وفردية القرار وشخصنة القرار لا تستقيم مع الشأن الجماعي، والهدف الجماعي، والتصدي الجماعي للتحديات الكثيرة التي تعصف بالمنطقة العربية بين فينة وأخرى، وكثيراً ما تتصادم القرارات الفردية أو الشخصية وحتى إذا التقى بعضها في ظرف معين فهو لقاء عابر وليس لقاءً استراتيجياً لمصالح استراتيجية، وتحقيق أهداف محددة وواضحة، وترسيخ آليات فعالة .

ويحتاج الأمر إلى إرادة جادة تعلو على التوجهات والأهواء والميول الفردية، وتتمسك بوحدة الهدف ووحدة المسار، في سبيل بلوغ الغاية المرجوة في ظل ديمقراطية حقيقية .

ولذلك فإن هشاشة النظام الرسمي العربي، وهي نتيجة طبيعية للوضع القائم، وما لم يكن للديمقراطية الحقيقية حضور، فإن الوضع القائم منذ عقود طويلة سيستمر وسيبقى النظام الرسمي العربي هشاً في مواجهة أي تحديات مصيرية أو أي ضغوط خارجية، أو أي انفجارات داخلية .

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف