القذافي الخَطِر !
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
جواد البشيتي
حكم القذافي يَصْلُح تعريفاً لحكم الفرد الخالص, المطلق, الذي لا يبقي لغيره ولو نزراً يسيراً من السلطة, فإنَّ الدكتاتور المثالي لا يميل إلاَّ إلى الألقاب التي يمكن أنْ تتَّسِع لـ "عَظَمَتِه" التي لا يراها سواه, فمناصب من قبيل "رئيس الجمهورية (أو الدولة)" هي أضْيَق, وأضْيَق كثيراً, من أنْ تتَّسِع له.
وهذا الذي يسمُّونه "جنون العَظَمَة" هو خاصية (شخصية وسلوكية) جوهرية لكل حاكم فردي نال, بالاغتصاب والسطو والإكراه بصوره كافة, من السلطة (الفعلية الحقيقية) ما نمَّا لديه الإحساس بأنْ لا شيء في بلاده, كَبُر أم صَغُر, يمكن أن يحدث إذا لم يُرِدْ له الحدوث, فهو الحاكم الذي ليس كمثله حاكم; أمَّا أمْرُه فيوشِك أنْ يكون كذاك الذي بين "الكاف" و"النون". وفي الشِّعْر صُوَّر هذا الحاكم الذي من شاكلة القذافي خير تصوير في قول أحد شعراء السلاطين: ما شِئْتَ لا ما شاءت الأقدار, فاحكم فأنتَ الواحد القهَّار! .
و"جنون العَظَمَة" هو ما يجعل صاحبه, أي القذافي, في سعيٍ دائم إلى أنْ يُثْبِت بالقول والفعل والتصرُّف والسلوك أنَّه نسيج وحده; وإنَّني لأجزم بأنَّ القذافي يستنفد وقته وجهده, كل يوم, في إجابة سؤال واحد لا غير يستبد بتفكيره, هو: ما الذي يمكنني الإتيان به من قول أو عمل أو تصرُّف أو سلوك يُفاجئ الناس جميعاً, ويتعذَّر, إنْ لم يستحِلْ, عليهم توقُّعه; لأنَّ فيه خروجاً تاماً عن المألوف والمعتاد?
وفي هذه الطريقة فحسب ينال القذافي مزيداً من الشهرة الإعلامية, ويجعل الناس يعرفون ليبيا من خلاله; فهو لا يملك شيئاً من مقوِّمات القيادة الحقيقية, فيضطَّر, من ثمَّ, إلى أنْ يختلف, وأنْ يُظْهِر اختلافاً, في أمور شكلية, فيَقِل المُعْجَبون, إنْ وُجِدوا, ويَكْثُر المتعجِّبون.
لكنَّ القذافي يعرف خيراً من سواه "حقيقته القيادية", ويعرف أيضاً أنَّ "الكتاب الأخضر" لا يكسبه شيئاً من النفوذ في ليبيا, أو في خارجها, وأنَّ قارئ هذا الكتاب, ولو كان قليل الذكاء والثقافة, لن يجد فيه إلاَّ ما يَصْلُح سبباً للهزء والسخرية منه, ومن صاحبه.
والقذافي يعلم علم اليقين أنَّ حكم ليبيا لن يدوم له إلاَّ بإحكام قبضته هو (وأبناؤه وفئة ضئيلة من الموالين له والذين يثق بهم ثقة مطلقة) على مصادر السلطة الفعلية والحقيقية, وهي النفط, وعائدات تصديره, و"الكتائب الأمنية".
إنَّه يستعمل النفط, مع عائداته التي يُحوِّل قسماً كبيراً منها إلى ثروات شخصية (في الخارج) له ولعائلته, في شراء تأييد الغرب له ولبقائه في الحكم, أو في شراء سكوته عمَّا يأتي به من أفعال يجب عدم السكوت عنها; ولقد قال صراحة في خطاب له بعد تفجُّر ثورة السابع عشر من فبراير "إنَّني دَفَعْتُ ثمن بقائي هنا".
القذافي الآن في منتهى الخطورة; إنَّه الطاغية المحاصَر بشعب يمقته, وثائر عليه; وقد استطاع بفضل ثورته وانضمام جزء كبير من الجيش إليه تحرير الجزء الأكبر من ليبيا, والسيطرة على النفط, حقولاً وآباراً وأنابيب وموانئ.
والقذافي (مع أبنائه وقِلَّة من الموالين له حتى الموت) ما عاد قادراً على الإفلات من المحكمة الجنائية الدولية, ويزداد عجزاً عن التصرُّف بقسم كبير من ثروته الشخصية الهائلة والموجودة في الغرب.
ولدى القذافي الآن, في صراعه ضدَّ شعبه الأعزل والثائر عليه, من الدوافع والقوى والأسلحة ما يجعله مستسهلاً لارتكاب مجازر في حق شعبه, فنجاته ما عادت باحتمال واقعي, و"الكتائب الأمنية" مستخذية تماماً لمشيئته وأوامره, ومستودع المرتزقة الأجانب في متناوله, وأموال طائلة يستعملها لشراء الولاء والتأييد له ما زالت بين يديه, كما أنَّ شيئاً من الولاء القبلي ما زال متاحاً له.
وهذا الواقع الفريد للصراع بين الشعب والطاغية يتحدَّى الآن المجتمع الدولي أن يجيب عن السؤال الآتي: ما الذي يمكن أنْ يفعله المجتمع الدولي, وينبغي له فعله, لإثبات وتأكيد أنَّ هذا المجتمع لا يسمح, ولن يسمح, من الآن وصاعداً, لأيِّ دكتاتور بأنْ يرتكب مجازر في حق شعبه الأعزل الثائر عليه?
إنَّ على المجتمع الدولي, ممثَّلاً في الأمم المتحدة, ومجلس الأمن على وجه الخصوص, أنْ يقرِّر فعل كل ما من شأنه إنهاء قدرة الدكتاتور القذافي على ارتكاب المجازر في حقِّ شعبه الأعزل على ألاَّ يشمل هذا التدخُّل الدولي (الذي قرَّرته الأمم المتحدة, وطلبه الشعب الليبي عبر ممثليه وقادة ثورته) وجوداً عسكرياً أجنبياً (دولياً) على الأراضي الليبية.