جريدة الجرائد

النموذج العراقيّ؟ نعم ولا

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

حازم صاغيّة


تسرّع بعض الكتّاب والمعلّقين العرب، وهم يشاهدون الثورتين التونسيّة والمصريّة ويتابعونهما، في استنتاج بعض ما استنتجوه. فقد قالوا، وهو ما كانوا يرغبون في قوله حتّى لو لم تقم الثورتان، إنّ العراقيّين كانوا ليطيحوا صدّام لو لم يتدخّل الأميركيّون.

لكنّ الاستنتاج العراقيّ هذا، استناداً إلى التجربتين التونسيّة والمصريّة، ليس في محلّه... اللهمّ إلاّ عند من ظنّوا أنّ العراق خلا من الطائفيّة والإثنيّة إلى أن جاء بهما الأميركيّون.

والحال أنّ المصريّين والتونسيّين نجحوا في إحداث تغييريهما العظيمين لأنّهم غلّبوا كونهم شعبين على كونهم جماعات، وهم في النهاية أقرب كثيراً إلى أن يكونوا شعبين من بلدان عربيّة كثيرة. ولأنّ هذا التغليب يملك مقدّماته في تاريخ البلدين وفي اجتماعهما، لم يستطع نظاما مبارك وبن علي تحويل المصريّين والتونسيّين جماعات متنافرة. صحيح أنّهما أوهنا الوحدة الوطنيّة، ودورُ حبيب العادلي في تفجير الكنيسة القبطيّة مثل فاقع، إلاّ أنّهما فشلا في إحلال ولاءات أهليّة وتجمّعيّة محلّها.

وهذه ليست حال العراق الذي سدّ الدورُ الخارجيّ في تغييره، بغضّ النظر عن رأينا فيه، مسدَّ افتقاره إلى أولويّة الوطن والوطنيّة. وقد سبق للعراقيّين أن انتفضوا ببسالة على صدّام، إلاّ أنّهم انتفضوا كشيعة وكأكراد. وهذا إنّما حصل قبل عقد ونيّف على الحرب الأميركيّة. ثمّ بالمناسبة، لم يبدأ الدور الخارجيّ في 2003، بل مع إعلان الحظر الجوّيّ فوق كردستان عام 1991. آنذاك نشأ الاعتراض الأوّل على السيادة العراقيّة التي اختبأ وراءها صدّام كي يقهر شعبه. إلاّ أنّه كان يخفي في طيّاته عجز العراقيّين، كشعب واحد، عن إبدالها بسيادة أخرى.

يقال هذا الكلام فيما ينتصب النموذج الليبيّ نموذجاً أقرب إلى ذاك العراقيّ منه إلى ذينك التونسيّ والمصريّ. وهذا ما لا صلة له بالتضحيات النبيلة والمجيدة التي يبذلها الليبيّون، ولا بالهمجيّة التي يبديها القذّافي في إخضاعهم. كما أنّه شيء آخر غير موضوعة الحقّ، علماً بأن الحقّ يقف دائماً، وبالمطلق، إلى جانب المنتفضين على تلك الأنظمة، في ليبيا وفي سواها. ذاك أنّ المسألة، هنا، تتّصل بحقائق أصلب تحملنا على تجاوز الثنائيّة البسيطة (المنقولة نسخاً عن التجارب الغربيّة) التي تُرَدّ إليها البلدان جميعاً، أي ثنائيّة النظام والشعب، والتي تترتّب عليها ثنائيّة أخرى مستقاة نسخاً عن الحداثة الغربيّة وفكرها، هي أنّ المشاكل بين طرفين تنتهي بحلول تكون دائماً في صالح التقدّم، وفي صالح الطرف المُحقّ - المتقدّم.

فاليوم، وحيال المداولات الدائرة في شأن تدخّل محتمل ما في ليبيا، تدخّلٍ يُرجّح له ألاّ يبلغ الإنزال البرّيّ، نجدنا أمام الأسئلة العراقيّة ذاتها: هل يُترك الليبيّون يموتون، وهم مكبّلون بتوازن قوى لا يسهل حسمه، من أجل ألاّ يُعطى "الأجنبيّ" موقع قدم في ليبيا، أم يكون إعلان الحظر الجوّيّ، أي التدخّل الغربيّ، مطلوباً؟ وهل نحتفظ بتلك المعادلة المتناقضة والرثّة التي تدين التدخّلات الغربيّة وتدين، في الوقت نفسه، عدم تدخّل الغرب استجابةً لدواعٍ إنسانيّة؟

إنّ ما يحصل في ليبيا حريّ بإخراجنا من الأساطير وإعادة ربطنا بالواقع. وبعض هذا الواقع يقول إنّ أسباباً موضوعيّة تتّصل بتاريخ ليبيا وتركيبها ترشّح القذّافي لأن يكون بطل الثورة المضادّة الذي يدافع عن النظام القديم والشائخ بأكمله. لكنّ هذا النظام موغل في تردٍّ واهتراء يجعلان الجنون والتفاهة القذّافيّين شرطاً لإنقاذه، تماماً كما يجعل القبيلة والطائفة الحارستين للعالم القديم والمانعتين لتغييره.

وهذا إنّما يُخرجنا من ثنائيّة النظام والشعب ليضعنا أمام مسألة المجتمعات والخرائط ذاتها. هكذا تندمج، في وقت واحد، مهمّتان: التغيير وتشكيل الشعب أو تأسيسه، أو ربّما كسر وحدته الشكليّة المانعة للتغيير، من أجله ومن أجل التغيير.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
التبسيط
سعيد -

هل يريد منا حازم صاغية أن نصدق أن التدخل الغربي في ليبيا، إذا وقع، سيحدث بهدف تخليص الشعب الليبي من الطاغية القذافي الذي يسومه العذاب؟ من حق الناس أن تشكك وتتردد وتتخوف وحتى ترفض تدخلا غربيا في الشأن الليبي، فالغرب ليس مؤسسة خيرية يقدم المعونات للشعوب الواقعة تحت الاضطهاد. إنه يتدخل لفرض سيطرته وحماية مصالحه، والعراق نموذج صارخ في هذا الباب. كما أن أكثر الأنظمة التي ما زالت في عالمنا العربي تضطهد شعوبها، الغرب يتحالف معها، ويوفر لها الدعم والحماية. الأمر ليس بالبساطة التي يصورها حازم صاغية في هذا المقال..

الحق واضح
سيف الوليد -

اخي الكاتب شكرا لمقالتك ولكنك تدري بالحقيقة ولكن لا تجرؤ على قولها ..المسألة لا تحتاج الى كتابات وتحليل ..أن الوضع العراقي المعقد هو بسبب وجود الشيعة الذين يدينون بمذهب أهل البيت عليهم السلام..بينما السنة موحدين ضد الشيعة وقد استخدمهم صدام حسين في قتل اهل الجنوب والكرد لأيمان السنة بأحقية الحاكم على أساس أنه ولي الأمر..المثال الآخر هو في البحرين فلأن الشيعة الذين يدينون بمذهب أهل البيت موجودون فأن السنة سيقفون مع الحاكم..أشكالية السنة هي المذهب الأموي الذي يععطي الحاكم الحق في كل شيء كما حصل أخيرا في السعودية عندما أعادت دين الوهابية وقالت بأن المظاهرات حرام ولا تتماشى مع منهج المملكة وهم ينتقدون أيران عندما تقمع المظاهرات...أما السنة في مصر وتونس فهم يدينون بالمذهب المالكي والحنفي وليس الوهابي والسلفي وهم أقرب الى مذهب الأمام جعفر الصادق رغم أن المتصيدين دائما يتهمون أيران بأنها وراء ماحدث...الحرب القادمة وحسب ماأرى هي الحرب الدينية وللأسف الشديد ستكون بين السنة والشيعة وذلك لتمسك السنة بالمذهب الأموي رغم خطئه...مع الحب

التبسيط
سعيد -

هل يريد منا حازم صاغية أن نصدق أن التدخل الغربي في ليبيا، إذا وقع، سيحدث بهدف تخليص الشعب الليبي من الطاغية القذافي الذي يسومه العذاب؟ من حق الناس أن تشكك وتتردد وتتخوف وحتى ترفض تدخلا غربيا في الشأن الليبي، فالغرب ليس مؤسسة خيرية يقدم المعونات للشعوب الواقعة تحت الاضطهاد. إنه يتدخل لفرض سيطرته وحماية مصالحه، والعراق نموذج صارخ في هذا الباب. كما أن أكثر الأنظمة التي ما زالت في عالمنا العربي تضطهد شعوبها، الغرب يتحالف معها، ويوفر لها الدعم والحماية. الأمر ليس بالبساطة التي يصورها حازم صاغية في هذا المقال..

سؤلا لإيلاف
حسن -

هل هنالك خلل في إيلاف أن أن كومبيوتراتنا فيها فايروسات من قوى لا تريدنا الإطلاع على إيلاف و كتابة تعليقات فيها. لا أستطيع قراءة أو كتابة تعليق في إيلاف يطول عن دقيقة أو إثنتين ثم تختفي الصفحة و يجب أن أضغط على الريفرش لكي أعود الى الصفحة. رجاءاً البت بالأمر.

رائع
عماد البغدادي -

الاستاذ حازم صاغية المحترم -- مقالاتك تتسم بفهم عميق للواقع العربي والدولي وفهم المتغيرات الدولية التي تتحرك حول شعوبنا واممنا لذلك وبراءيي ان على من يريد ان يعرف حقيقة مايجري حوله من احداث عليه ان يقراء لك وان يرى بعينيك فنرجو منك المزيد ياسيدي الفاضل

سؤلا لإيلاف
حسن -

هل هنالك خلل في إيلاف أن أن كومبيوتراتنا فيها فايروسات من قوى لا تريدنا الإطلاع على إيلاف و كتابة تعليقات فيها. لا أستطيع قراءة أو كتابة تعليق في إيلاف يطول عن دقيقة أو إثنتين ثم تختفي الصفحة و يجب أن أضغط على الريفرش لكي أعود الى الصفحة. رجاءاً البت بالأمر.