جريدة الجرائد

الثورة الليبية ومصير العقيد القذافي

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

يوسف نور عوض


قال رئيس المجلس الانتقالي في ليبيا إن المجلس ربما يوافق على مغادرة العقيد القذافي البلاد دون ملاحقته قضائيا إذا قرر ذلك خلال ثلاثة أيام، ولم يوضح رئيس المجلس من أين استمد سلطته هذه بعدم محاسبة القذافي بعد سلسلة الجرائم التي ارتكبها في حق شعبه، ونهبه الأموال التي تقدر بالمليارات وقد هربها هو وأبناؤه خارج البلاد؟
يبدو في ضوء ما يجري أن مجرد التفكير في إمكان أن ينتقل القذافي إلى ملجأ آمن مع أفراد أسرته - سواء كان هذا التفكير من جانبه أو من جانب المجلس الانتقالي- هو ضرب من الخيال، ذلك أن انتقال العقيد إلى ملجأ آمن لن يتم بكل تأكيد ذلك أنه لا يريد أن يحقن دماء شعبه، بعد أن أدرك أن الطريق أمامه أصبح مسدودا، وهو لن يستطيع النجاة إلى مقر آمن بعد الذي فعله، و حتى لو سمح له بالخروج فإن ذلك لن يكون ضمانا كافيا أنه لن يلاحق بعد أن يفقد مصادر قوته خاصة إذا صمم المجتمع الدولي على ضرورة تقديمه للمحاكمة.
هنا يجب أن نتساءل هل من الممكن أن يترك الشعب الليبي القذافي يخرج إلى منفاه وفي خزائنه الخارجية مليارات الدولارات التي قد تضيع هباء إذا توفي العقيد، أو إذا حدث أي شيىء لأفراد أسرته، خاصة أننا نعلم أن هذه الأموال موزعة في عدد كبير من المصارف الخارجية، ونعلم أن هناك عددا من الوسطاء يعرفون أماكن هذه الأموال كما يعرفون كيفية وضع اليد عليها إذا ما اختفى القذافي من المشهد السياسي.
يبدو في ضوء هذا الواقع أن أي توجه بالسماح للعقيد معمر القذافي بالخروج من ليبيا غير مقبول في الوقت الحاضر، إذ من الخطأ أن يتصور البعض أن ذلك هو الثمن الذي يمكن أن يدفعه الشعب الليبي من أجل حقن دمائه، ذلك أن المؤكد هو أن القذافي لن يترك الحكم إلا بعد أن يصبح بالفعل غير قادر على السيطرة عليه.
الأزمة الليبية من جانب آخر تفتح ملفات كثيرة على المستويين العربي والعالمي، فقد لحظنا من الجانب العربي أنه في الوقت الذي ظلت تتفاقم فيه الأحداث في ليبيا كان الأمين العام لجامعة الدول العربية الذي انتهت ولايته يطلق تصريحات بأنه يعتزم الترشح لرئاسة مصر، أفلم يسمع عمرو موسى بثورات الشباب التي تنتظم عالمنا العربي من أقصاه إلى أقصاه وتدعو إلى نظم جديدة في الحكم، أم لعله وجد في حقيقة أن الوجوه القديمة ذاتها هي التي بدأت تسيطر على الحكم في مصر سببا لإطلاق ما صرح به، حتى لكأن التغيير مستحيل في منطقة ربما تنجح فيها الثورات والانقلابات ولكنها محكومة بالفشل في محاولات صياغة النظم الجديدة؟ ألم يفكر عمرو موسى من جانب آخر في أن الجامعة العربية التي تولى رئاستها على مدى عشر سنوات هي من أفشل المؤسسات في العالم العربي، بكونها لا تقوم بأي دور يخدم مصالح الأمة العربية، ويعتبر ميثاقها من أفشل المواثيق إذ هو لا يلزم الدول العربية بأن يكون الأمين العام للجامعة العربية مصريا كما يلزمها بأن يكون مقر الجامعة في مصر، ولا غضاضة في أن يكون الأمين العام مصريا أو أن يكون مقر الجامعة في مصر، ولكن حين يكون ذلك إلزاما للدول العربية مع ما بينها من خلافات فإن ذلك سوف يجعل هذه الدول تنصرف عن جامعتها وتدعها تفعل ما تريد، وهو الوضع الذي رأيناه الآن بالنسبة لليبيا حيث لم تستطع الدول العربية خلال ثلاثة أسابيع من ثورة الشعب الليبي أن تنطق بكلمة واحدة تعالج بها القضية باستثناء طلب من دول الخليج بأن تجتمع الجامعة لتنظر في الأمر الليبي، ويوضح هذا الوضع في العالم العربي إن العمل المشترك من داخل الجامعة العربية أصبح مستحيلا وبالتالي أصبح من الضروري إعادة النظر في هذه المؤسسة والبحث في ما إذا كان من الممكن أن يكون لها دور أفضل في المستقبل،
ولا شك أن ضعف موقف الدول العربية هو الذي انعكس على هذا الموقف الدولي المتردد بشأن ما يجري في ليبيا.
إذ من السخرية أن الولايات المتحدة التي لم تراع في أي عمل قامت به متطلبات القانون الدولي، تقول -الآن - إنها لا تريد أن تتصرف في ليبيا دون أن يكون لديها تفويض من الأمم المتحدة، والتفويض يأتي في العادة من مجلس الأمن الذي تمتلك فيه الولايات المتحدة حق النقض الفيتو، وهي تتذرع في الوقت ذاته بأنها لا تريد أن تقوم بأي تهديد تجاه ليبيا لا تستطيع أن تفي به حتى لا يؤثر ذلك على صدقيتها في المجال الدولي، والسؤال هو لماذا لا تستطيع الولايات المتحدة أن تفي بما تتعهد به؟
الغريب هو تضارب التصريحات الأمريكية - كما لحظت ذلك صحيفة 'النيويورك تايمز' إذ في الوقت الذي قال فيه الرئيس أوباما إن الغرب يبحث كافة الاحتمالات، فقد سخر رئيس هيئة الأركان 'ويليام دالي ' من أولئك الذين يطلقون شعارات مثل فرض منطقة حظر للطيران فوق ليبيا، وكأنهم يتحدثون عن بعض ألعاب الفيديو كما يقول، وقد سبقه في ذلك وزير الدفاع 'روبرت غيتس ' الذي قال إن فرض مثل هذه المنطقة يحتاج إلى استعدادات كبيرة وذلك ما نفاه بعض العسكريين في القوات الأمريكية المسلحة.
في الوقت نفسه تسعى دول الاتحاد الأوروبي لاستصدار قرار من مجلس الأمن يفرض عقوبات على ليبيا، و تعلم هذه الدول أن ما ينتظرها هناك هو الفيتو الصادر من روسيا أو الصين اللتين تعارضان أي تدخل عسكري دولي في ليبيا:
ومن الغريب أن الولايات المتحدة بدأت تقلل من أهمية أي تدخل دولي في ليبيا في هذه المرحلة بزعمها أن العقيد معمر القذافي بدأ الآن يدعم موقفه في داخل البلاد، وفتحت بذلك نافذة جديدة للنقاش أو الحوار الداخلي ما إذا كان من الحكمة أن تتدخل الولايات المتحدة في دعم الثوار أم لا؟ والحقيقة هي أنه حتى في العالم العربي لا يريد الناس أن تدخل الولايات المتحدة كطرف في النزاع، بل إن الكثيرين لا يريدون أيضا تدخلا مباشرا من أي بلد أوروبي، إذ هم يريدون فقط المساعدة من أجل رفع الضيم عن الشعب الليبي ووقف المذابح التي يرتكبها القذافي هناك.
وتصعب في ظل هذا الواقع رؤية الإستراتيجية التي تتبعها الولايات المتحدة في هذا الصراع، إلا أن يكون الأمر متعلقا بوقف الفوضى التي بدأت معالمها في العالم العربي ولكن بكل تأكيد فإن الولايات المتحدة لن تتخذ موقفا حاسما في هذا الأمر إلا أن تكون لها مصالح واضحة في هذه المنطقة.
ومهما يكن من أمر فنحن ندرك أن الثورة في ليبيا هي بداية مرحلة جديدة ضد الأنظمة الفاشية والعسكرية في العالم العربي، وقد أتيح لي أخيرا أن أرى صور الزنازين في ما يسمى بجهاز أمن الدولة في مصر، وعجبت كيف يمكن أن تفكر أي دولة في معاملة مواطنيها على هذا النحو، خاصة أننا سئمنا سماع عبارات مثل 'جهاز أمن الدولة ومحاكم أمن الدولة 'وكلها مؤسسات قائمة لحماية أمن النظام وليس حماية أمن الشعب بكون هذه المؤسسات تعرض أمن المواطن وأمن الشعب للخطر، والغريب أنه في الوقت الذي يعاني فيه كثير من المواطنين من الضيم فإن كثيرا من المجرمين الذين يدعمون نظم الحكم التعسفية ينعمون بالمناصب العالية في الدولة ويستمتعون هم وأفراد أسرهم بدرجات عالية من الثراء المنهوب من قوت الشعوب، بحيث أصبح هذا الوضع عاديا في معظم البلاد العربية التي ما زالت تخضع للحكم العسكري، والسؤال المهم هو لماذا تجنح بعض الحكومات العربية لمعاملة مواطنيها على هذا النحو؟ فهل من أجل أن تستمتع قلة بالنفوذ والثراء تخضع الغالبية العظمى من أبناء الشعب لهذا الظلم؟
الإجابة واضحة، ومن هنا يجب أن يكون المشهد الليبي مرحلة جديدة في التاريخ العربي ويجب بالتالي ألا يسمح للعقيد القذافي البحث عن ملجأ آمن يستمتع فيه هو وأفراد أسرته بما نهبه من أموال، بل يجب أن يقدم الشعب الليبي من خلال محاكمة القذافي واستعادة ثروته درسا لكل من يفكر في المستقٍبل الخروج على قواعد الأخلاق بارتكاب مثل هذه الأعمال المجنونة، فهل فكر القذافي كم امرأة رمل وكم طفلا يتم في مغامرته هذه؟ وقبل هذا وذاك كيف يفكر حاكم في قتل شعبه لمجرد أن يرضي نزواته في الحكم والسيطرة؟
' كاتب من السودان

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف