جريدة الجرائد

ليبيا بين مطرقة النظام وسندان واشنطن

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

عمر الحسن


لاشك في أن التحرك الغربي المحموم، بقيادة الولايات المتحدة لمواجهة تطورات الأوضاع في ليبيا، بدعوى إنقاذ الشعب الليبي من نظام القذافي، يكشف سياسة المعايير المزدوجة التي يتسم بها تعاطي الغرب مع القضايا والأزمات والأحداث التي تشهدها المنطقة رغم تشابه الظروف المرتبطة بها .

فخبرة الواقع تقول إن واشنطن - مهما كانت الإدارة التي تحكم سواء ديمقراطية أو جمهورية - لا تتحرك لأهداف إنسانية أو قانونية أو أخلاقية حرصاً على حياة المدنيين أو وحدة أرضهم وبلدهم، ومن يعتقد غير ذلك يقع في خطأ كبير . فالتجارب السابقة في المنطقة تفيد أنها تتحرك فقط لخدمة مصالحها وخاصة النفطية ومصالح حلفائها وربيبتها ldquo;إسرائيلrdquo;، فهي لم تكن تتبع يوماً سياسات عادلة في التعامل مع أزمات وأحداث المنطقة، بل كانت سبباً رئيسياً في تلك الأزمات، أو خلقها وإعاقة حلها لأنها تدعم عدم الاستقرار والفوضى، وتدعو لهما بشكل علني .

والشاهد هنا على نفاق سياسة الولايات المتحدة هو موقفها مما يحدث في ليبيا منذ السابع عشر من فبراير/شباط الماضي، وما يتعرض له الشعب الفلسطيني على يد النازيين ldquo;الإسرائيليينrdquo; من قتل وتشريد واعتقال وهدم منازل، ومصادرة أراض وانتهاك مقدسات على مدى ما يزيد على ستة عقود فقد سارعت واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون إلى التحرك داخل مجلس الأمن والمجلس الدولي لحقوق الإنسان لاتخاذ إجراءات تراوحت ما بين تجميد أرصدة، ومنع تصدير أسلحة، وفرض منطقة حظر جوي، ومنع مسؤولين ليبيين من السفر، فضلاً عن إحالة ملف انتهاكات نظام القذافي إلى المحكمة الجنائية الدولية، والتهديد بعمل عسكري قد يقود إلى نتائج كارثية لن يدفع فواتيرها سوى الشعب الليبي وثورته .

وفي المقابل، لا تحرك واشنطن وحلفاؤها أي ساكن عندما يتعلق الأمر بالجرائم ldquo;الإسرائيليةrdquo; في حق الفلسطينيين منذ احتلالها الأراضي الفلسطينية عام 1967 والتي تعد في عرف القانون الدولي جرائم حرب ضد الإنسانية، وبدلاً من أن تنتفض لنصرة الشعب الفلسطيني مثلما تظهر الآن مع ليبيا وقبلها مع السودان والعراق بدعوى الاعتبارات الإنسانية نجدها تتحرك بحماس لمنع أية إدانة دولية لحليفتها ldquo;إسرائيلrdquo; داخل مجلس الأمن، وتتصدى لأية محاولة تصدر عن أية جهة لمحاسبتها أو إدانتها مثلما فعلت مع تقرير لجنة جولدستون (الخاص بالتحقيق في عدوانها الإجرامي على غزة في ديسمبر/كانون الأول 2008 ويناير/كانون الثاني 2009)، لدرجة أن العديد من دول الاتحاد الأوروبي تحاول تحت الضغوط الأمريكية وجماعات الضغط ldquo;الإسرائيليةrdquo; تغيير قوانينها الحالية التي تسمح بمحاكمة قادة ldquo;إسرائيلrdquo; على جرائمهم ضد الشعب الفلسطيني . . في ضوء ذلك، لا ندري كيف تقبل الدول العربية أن تستمر في عملية سلام كلها خداع وكذب، وكيف تسكت هذه الدول منذ العام 67 على عدم تنفيذ ldquo;إسرائيلrdquo; قرارات مجلس الأمن والقرارات الدولية الأخرى، وكيف لا تعترض ولا تشجب فيتو الولايات المتحدة المتكرر في مجلس الأمن لمصلحة ldquo;إسرائيلrdquo; وعدم مساءلتها دولياً؟

ألم يحن الوقت - والسؤال موجه إلى قادة أمتنا العربية - لوضع هذه الأمور على طاولة الحوار مع واشنطن ومطالبتها بمواقف تحقق فيها العدالة تجاه قضايا المنطقة؟

وما يزيد الأمر سوءاً أن واشنطن، التي باعت نفسها للشيطان، وحلفاءها الذين تنازلوا عن المبادئ وانتهكوا الحقوق واستبدلوها بمقولة القوة هي الحق - لا يكتفون فقط بحمايتهم لrdquo;إسرائيلrdquo;، التي تمعن في العدوان بل إنهم يعتبرون مقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال إرهاباً ويصنفون منظماته على أنها منظمات إرهابية مرددين ما تقوله ldquo;إسرائيلrdquo; وما يمليه اللوبي اليهودي الأمريكي عليهم .

ذلك التناقض في الموقف الأمريكي حيال ما يحدث في ليبيا وما حدث ولازال في فلسطين يكشف الوجه الأمريكي القبيح، فإذا كانت واشنطن وحلفاؤها سيتدخلون عسكرياً في الأزمة الليبية لاعتبارات إنسانية؛ فلماذا لم تتدخل إنسانياً لإنقاذ الشعب الفلسطيني من جرائم ldquo;رابينrdquo; وrdquo;بيريزrdquo; وrdquo;شارونrdquo; وrdquo;باراكrdquo; وrdquo;أولمرتrdquo; وrdquo;نيتانياهوrdquo; وقبلهم كثيرون؟ أم لأن الأمر عندما يتعلق بrdquo;إسرائيلrdquo; تسقط الاعتبارات الإنسانية والقوانين الدولية ولا يقام لها وزن .

وكما سبقت الإشارة فالسياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط تحديداً تحركها المصالح، والمصالح الأمريكية في المنطقة تتركز بالأساس في النفط (حيث تمتلك 67% من احتياطيه العالمي)، ولو نظرنا إلى ليبيا سنجد أنها تعد ثالث أكبر منتج للنفط والغاز في إفريقيا .

تلك الثروة لا شك أنها تسيل لعاب واشنطن مثلما سال من قبل على نفط العراق، فبادرت إلى غزوه واحتلاله، مستغلة ضعف نظام ldquo;صدام حسينrdquo;، ومعاونة نفر من العراقيين حركتهم شهوة البحث عن السلطة وكل ذلك تحت دعاوى إقامة الديمقراطية ودعم الحريات، وهي دعاوى ثبت زيفها، ولم يجن من ورائها الشعب العراقي إلا تقسيم دولته وإهدار ثروته وتكريس الطائفية وإراقة الدماء وتفشي الفقر وتدمير المدن والقرى وانقطاع الماء والكهرباء .

وما جرى في العراق جرى أيضاً في السودان، ولكن بطريقة مختلفة، فرغم أن الولايات المتحدة لم تتدخل عسكرياً بصورة مباشرة في جنوب السودان، إلا أنها تحت دعاوى إنسانية قدمت هي وحليفتها ldquo;إسرائيلrdquo; كل الدعم العسكري للجنوبيين في حربهم ضد الخرطوم، وسعت إلى تكريس منطق انفصال الجنوب عن الشمال حتى تستأثر بثرواته من النفط وغيره .

ما سبق يؤكد أن تدخل الولايات المتحدة في المنطقة لم يكن أبداً في مصلحة الدول التي تدخلت فيها، وإنما كان سبباً في تدميرها وتقطيع أوصالها، وهو ما يثير المخاوف من أن يكون مصير ليبيا هو نفس مصير العراق والسودان لو تدخلت عسكرياً تحت ذريعة حماية المدنيين مما يعطي البعض الفرصة للتشكيك في وطنية الثورة ومطالب الشعب، بعيداً عن أية تدخلات أجنبية تجعل مستقبل ليبيا مرهوناً بإرادات قوى أجنبية تسعى لتطويعه وفقاً لمصالحها الاستراتيجية .

وإذا كان التدخل الغربي العسكري في ليبيا مرفوضاً ليبياً وعربياً، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا يحجم العرب عن التدخل؟

إن الحديث عن موقف العرب مما يجري في ليبيا يستلزم الإشارة إلى أن ما حدث في تونس ثم في مصر لم يدفع قادة الدول العربية للاجتماع لمناقشة تلك التطورات وكيفية التعامل معها، ثم ها هي الأوضاع تتكرر في اليمن ودول أخرى ولا توجد بوادر لاجتماعات عربية، وكأن الأمر لا يعنيها، بينما تتوالى بالمقابل اجتماعات دول الناتو التي تعتبر الأحداث خطراً على استقرارها وأمنها واقتصادها، وتهدد بالتدخل العسكري لحماية مصالحها، وما يثير الاستغراب أنه في الوقت الذي يبدو فيه العرب نائمين أو عاجزين عن مواجهة أحداث تهدد أمنهم واستقرارهم نجد ldquo;إسرائيلrdquo; تعقد الاجتماعات وتتشاور مع حلفائها في أوروبا وأمريكا، وتطالب الباحثين والخبراء لديها بتقييم الأوضاع ووضع سيناريوهاتها المحتملة وتداعياتها على أمنها ومستقبلها لإعداد خطط لمجابهتها . إن تبرير تقاعس الدول العربية عن اتخاذ موقف حيال ما يحدث في المنطقة ليس له ما يبرره، وإن ترك الساحة للتدخلات الخارجية جريمة تسهم في تفكيك أوطاننا، ووأد طموحاتنا ونهب أموالنا وثرواتنا ستحاسب عليه من قبل الشعوب .

رئيس مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف