ماذا فعلت بنا يا بوعزيزي؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
عصمت الموسوي
كلما انتفض شارع عربي مطالبا بالاصلاح والتغيير وتداول السلطة ودولة القانون والحريات وحقوق الانسان بعد عقود من الاستفراد، وجدتني استعيد النشيد الرومانسي القديم الذي تعلمناه في المدرسة، بلاد العرب اوطاني من الشام لبغداد / ومن نجد الى يمن الى مصر فتطوان، لقد انطلقت رياح التغيير - التي تأخرت طويلا - حتى وجدنا الامة العربية تصنف كمنطقة بعيدة عن الحداثة السياسية والقيم الديموقراطية الكونية والتنمية الرشيدة، ولا مفر اليوم من مواجهة كل الملفات السياسية والاقتصادية المتراكمة التي جرى تأجيلها وتسويفها والرهان على الوقت لحلها، هذا زمن لا يناسبه التلكؤ وتأخير الاستحقاقات السياسية تحت ذرائع شتى، وثمة من استبق الثورات وفهم مغزاها واراد تجنيب شعبه الدماء والخسائر والاعتصامات والادانات الدولية واهتزاز الهيبة والشرعية، فأقدم مبكرا على اجراء الاصلاحات السياسية والدستورية كما فعل ملك المغرب بعد ان وجد ان التسونامي الثوري قادم لا محالة، وان الحكمة تقتضي المبادرة قبل لا بعد وقوع الفأس في الرأس
واللافت ان الشارع العربي المنتفض على وقع حريق البوعزيزي قد اضحى حالة عربية غير معتادة وغير مسبوقة في تاريخ هذه الامة الولادة، حالة يصعب تجاهلها او التقليل من وزنها واهميتها محليا وعالميا في رسم خارطة الطريق الوطني الجديد، انه شارع اصبح موحدا في التمسك والاصرار على المطالب الاساسية المشروعة للشعوب وارساء عقد اجتماعي جديد يقوم على الشراكة الحقيقية، شارع يخلق الفعل ويتحرك سريعا ويرفع سقف مطالبه يوما بعد يوم، ويستلهم الافكار والشعارات من بعضه البعض ويطورَها ويضيف اليها هويته وخصوصيته وابداعه، في الوقت الذي نجد فيه النظام العربي كله مجرد متلقي للفعل وحسبه ان يراقب مستعينا بوسائله القديمة وخططه واستراتيجياته الامنية والاعلامية البائسة والفاشلة والمعروفة لمواجهة هذا الشارع الثائر، ويجمع الكثير من المراقبين انه بقدر ما كان الشارع العربي مبادئا وجديدا وعصريا وخلاقا ومبدعا في احتجاجاته ووسائله ومستعدا لتقديم الشهداء والتضحيات والدماء، فإن النظم العربية لا تزال كعهدها القديم.
لم يعد هناك شارع عربي خارج هذا السرب المتنامي، وتحول يوم الجمعة الهادئ الذي كان يصدح بالمواعظ والارشادات الدينية الى ايام غضب ومواجهات وتقرير مصير، وصارت الميادين ساحات للمطالبة بالتغيير والديموقراطية، اما عالم الاخبار فتجعلنا نتساءل هل كنا نعرف الاخبار الحقيقية يوما؟ وهل لدى اعلامنا وصحفنا اليوم القدرة على مواجهة كل هذا المد الذي انطلق من تونس ومصر وتواصل مع الاردن واليمن وعمان والبحرين وليبيا والمغرب والعراق وفلسطين ولبنان؟