جريدة الجرائد

صحافة أجنبية : القرش الإيراني يتوقف عن السباحة!

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك


Barbara Slavin - Foreign Policy


يشكل إحلال آية الله محمد رضا مهدوي كاني، وهو رجل محافظ مقعد وكبير في السن، مكان رفسنجاني الملقب بالقرش آخر تحرّكات القائد الأعلى، آية الله علي خامنئي، في إطار مساعيه لإطلاق عملية تطهير بطيئة للساحة السياسية، وما يثير السخرية هو أن خامنئي وصل إلى منصبه الأعلى بدعمٍ من رفسنجاني في عام 1989، ويبدو أنه يهدف بذلك إلى تجريد المؤسسات الإيرانية الأخرى من كل سلطة.

تزداد السياسة الإيرانية شبهاً بلعبة وحشية تمتدّ على فصول استعراضية فاضحة، ففي الشهر الماضي، اختفى اثنان من كبار السياسيين الذين ترشحوا ضد الرئيس محمود أحمدي نجاد في عام 2009 بعد أن أصبحوا معتقلَين سياسيَّين، ويوم الثلاثاء الماضي في الثامن من مارس، أُقيل آية الله أكبر هاشمي رفسنجاني- رئيس سابق وأحد أبرز السياسيين النافذين في إيران طوال ثلاثة عقود- من منصبه كرئيس لجمعية الخبراء، وهي هيئة مؤلفة من رجال دين يشرفون نظرياً على القائد الأعلى الإيراني ويختارون من يخلفه.

يشكل إحلال آية الله محمد رضا مهدوي كاني، وهو رجل محافظ مقعد وكبير في السن، مكان رفسنجاني آخر تحرّكات القائد الأعلى، آية الله علي خامنئي، في إطار مساعيه لإطلاق عملية تطهير بطيئة للساحة السياسية، وما يثير السخرية هو أن خامنئي وصل إلى منصبه الأعلى بدعمٍ من رفسنجاني في عام 1989، ويبدو أنه يهدف بذلك إلى تجريد المؤسسات الإيرانية الأخرى من كل سلطة، وإضعاف المعارضة الإيرانية بقيادة الحركة الخضراء، وإثبات أن الانتفاضات العربية التي حصلت في الشهرين الماضيين ستتوقف على حدود إيران... ربما ستنجح مساعيه هذه حتى الآن.

لكن من خلال إسكات عدد كبير ممن عملوا داخل النظام السياسي المعقد في إيران من أجل تطبيق الإصلاحات، يقوم خامنئي بتضييق قاعدة الدعم التي يتمتع بها، ما يزيد احتمال أن ينزل الإيرانيون إلى الشوارع أو على الأقل أن يقاطعوا الانتخابات المستقبلية ويجرّدوا النظام من كل شرعية.

في هذا الإطار، يقول مهدي خلجي، خبير إيراني في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: 'كان رفسنجاني آخر عائق أمام إحكام قبضة المتطرفين على السلطة'، وتساوي تنحيته 'انطفاء آخر بصيص أمل بتحقيق الإصلاح في إيران'.

إنّ رفسنجاني، 76 عاماً، ليس رجلاً ديمقراطياً، فهو يُلقَّب بالقرش بسبب ذكائه، وكان رئيساً للبلاد بين عامي 1989 و1997، حين كانت إيران تُعدِم الخصوم محلياً وخارجياً، وقد جمعت أسرته ثروة طائلة بفضل علاقاتها السياسية، لكنه كان أيضاً رجلاً براغماتياً سعى إلى إعادة إحياء الاقتصاد الإيراني بعد فترة الحرب الإيرانية العراقية، بين عامي 1980 و1988، فأقدم على تخفيف الضوابط الاجتماعية المفروضة على الشعب الإيراني، وحاول تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة.

عام 2005، قرر الترشح للرئاسة مجدداً، وفي تلك الفترة، أخبرني أحد أبنائه، مهدي هاشمي، أن والده، في حال فاز في الانتخابات، فهو سيحوّل منصب القائد الأعلى إلى منصب صُوري على رأس الدولة، كما هي حال 'ملكة إنكلترا'، وسيمنح المؤسسات المنتخبة في إيران السلطة المطلقة، وكذلك، حذّر هاشمي من أن البلد بأسره سيخضع لجماعة واحدة في حال لم يترشح والده، ولن تحصل بعد ذلك أي انتخابات حرة في إيران'.

لكن لم تؤدِّ تعليقات مماثلة حتماً إلى تقريب المسافة بين رفسنجاني وخامنئي الذي أعلن دعمه لأحمدي نجاد، وربما كان هو من زوّر الجولة الأولى من الانتخابات لضمان وصول مرشّحه المفضّل إلى الجولة الثانية التي تفوّق خلالها نجاد على رفسنجاني.

خلال الانتخابات الرئاسية في عام 2009، أعلن رفسنجاني دعمه لمير حسين موسوي الذي كان رئيس الحكومة خلال الحرب الإيرانية العراقية، وأدى رفض رفسنجاني دعم إعادة انتخاب أحمدي نجاد المثيرة للجدل إلى تجريد الرئيس السابق من دوره كإمام صلاة الجمعة في طهران، وهو منصب محوري له تأثير كبير في الرأي العام.

خلال السنة والنصف الماضية، حاول رفسنجاني اتخاذ موقف وسطي ما بين خامنئي والحركة الخضراء وتشجيع القائد الأعلى على إيجاد تسوية سياسية مع الإصلاحيين الإيرانيين، لكن في المقابل، أعطى خامنئي الإذن باعتقال موسوي ومهدي كروبي، وهو مرشح آخر للرئاسة ينتمي إلى المعارضة، فاختفى الرجلان من منزليهما في الشهر الماضي، وسرت معلومات متضاربة حول مكانهما.

يحتفظ رفسنجاني بمنصب أخير في النظام الإيراني، فهو رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام الذي يُفترض أن يحلّ الخلافات بين مختلف فروع الحكومة، لكن أصبح المجلس غير فاعل منذ انتخابات عام 2009، وستنتهي ولايته في السنة المقبلة.

صحيح أن رفسنجاني فقد نفوذه السياسي، لكن لا تزال أسرته تملك الموارد المالية، وهي تحتفظ بمعظمها على الأرجح في الخارج، فكان ابنه مهدي هاشمي يعمل من لندن لدعم الحركة الخضراء، وقد استقال ابنه الآخر محسن من منصب رئاسة خدمة قطار الأنفاق في طهران بعد أن رفض أحمدي نجاد تخصيص الأموال لإنشاء مشروع تبنّاه البرلمان. كذلك، اعتُقلت ابنته فايزة لفترة قصيرة، مرّات عدة، بسبب انضمامها إلى التظاهرات الشعبية، وستقوم العائلة على الأرجح بتعزيز جهودها لإضعاف أحمدي نجاد وخامنئي.

ستثير هذه الحملات قلق أعضاء آخرين من النخبة السياسية الإيرانية، وتحديداً رجال الدين في المدينة المقدسة قُم، وقد دعم هؤلاء رفسنجاني على مرّ السنوات، وهم يحترمون كل ما قدّمه خدمةً للجمهورية الإسلامية. في هذا السياق، قال خلجي، من معهد واشنطن، إن إقالة رفسنجاني ستدفع بأحمدي نجاد إلى تركيز غضبه على إحدى أبرز العائلات الدينية، عائلة لاريجاني المحافظة، وقد تكون هي الهدف التالي الذي سيتعرض للتهميش، إذ يحتل علي لاريجاني راهناً منصب المتحدث باسم البرلمان، وشقيقه صادق هو رئيس الهيئة القضائية.

من المستبعد أن يحظى كاني، بديل رفسنجاني، بأي نفوذ حقيقي، وبصفته الرئيس الجديد لجمعية الخبراء- مجموعة من 86 رجل دين يُنتخَبون كل ثماني سنوات (ستجري الانتخابات المقبلة في عام 2014)- فهو لن يمارس أي صلاحيات تفوق سلطة خامنئي، وتعليقاً على الأمر، قال خلجي: 'أرادوا رجل دين مسنّ كي لا يستطيع فعل شيء... هم لم يختاروا شاباً لديه أجندة عمل خاصة به'.

لكن قد يندم خامنئي على هذه الخطوة في نهاية المطاف، فمن المألوف في السياسة الإيرانية أن نشهد ظهور انقسامات جديدة بين الأشخاص الذين يستأثرون بالسلطة بعد القضاء على جميع فئات المعارضة ظاهرياً، ولطالما سرت شائعات بأن خامنئي، 71 عاماً، مصاب بالسرطان، ولا شك أن وفاته ستثير اضطراباً شديداً في وجه من سيحلّ مكانه.

نصل الآن إلى منصب الرئاسة، فوفقاً للقانون الإيراني، يجب أن يتنحى أحمدي نجاد بعد الانتخابات الجديدة في عام 2013، ومن بين المرشحين لخلافته، يبرز رئيس بلدية طهران، محمد بكر كاليباف، وهو رجل محافظ وبراغماتي، كما أنه محارب مخضرم شارك في الحرب الإيرانية العراقية مثل أحمدي نجاد.

كما يتمتع النظام الإيراني بصلاحيات هائلة لممارسة الأعمال القمعية، وهو لم يُظهر أي تردد في استعمالها، غير أن تنامي تعصّبه تجاه أي مظهر من مظاهر المعارضة يتناقض مع موجة الديمقراطية التي تجتاح المنطقة، ما يجعل النظام الديني الإيراني بعيداً عن تأدية دور النموذج المثالي الذي يجب أن يقتدي به الديمقراطيون الطموحون في الشرق الأوسط.

شكّلت الثورات العربية مصدر إلهام للمحتجين الذين عادوا إلى الشوارع في أكبر المدن الإيرانية، في الشهر الماضي، للمرة الأولى بعد أكثر من سنة، ويتم التخطيط الآن لاحتجاجات إضافية مع اقتراب رأس السنة الفارسية في 21 مارس.

يعتبر خلجي أن الإيرانيين لا يزالون في حالة صدمة من الثورة الإسلامية في عام 1979 ومن مجازر الحرب الإيرانية العراقية، ويقول إن أحداً لم يعد يريد الموت بعد الآن من أجل قضية معينة، ولكنه يعترف أن السياسة الإيرانية تحمل المفاجآت دوماً، وبحسب قوله، 'قد يدوم هذا النظام لأكثر من 20 سنة، أو قد يتغير غداً!'.


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف