الأزمة الليبية ونفاق السياسات الغربية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
روجيه كوهين
هناك تسجيل فيديو تظهر فيه الدكتورة عالية من كلية لندن للاقتصاد وهي ترحب بالعقيد الليبي معمر القذافي وتناديه "الأخ القائد" في الكلية قبل ثلاثة أشهر كما أنها أهدته قبعة كتب عليها اسم الكلية جريا على تقاليد هذه المؤسسة الأكاديمية، وهو الكلام نفسه الذي قالته الدكتورة عالية عندما سلمت القبعة نفسها إلى الزعيم الإفريقي الجنوب الإفريقي نلسون مانديلا، لكن شتان ما بين الثرى والثريا.
قد يكون من الممكن الانحطاط والنزول إلى مثل هذا الحضيض غير أن الانحطاط والانحدار إلى الحضيض في هذا الوقت بخاصة قد يكونان أكثر من أي وقت مضى.
لقد استقال السير هوارد ديفيس، مدير كلية لندن للاقتصاد احتراما لنفسه بسبب الروابط المالية بين الكلية والعقيد معمر القذافي وإقرارا منه بالأخطاء التي ارتكبها وسوء الأحكام التي وقع فيها. أتمنى لو كانت كلية لندن للاقتصاد الحالة الوحيدة من نوعها. إن الربيع الغربي هو أيضا الخريف الغربي، غرب العلاقات المشبوهة والنفاق.
لقد سعدت بالمواقف التي اتخذتها الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا إلى حد ما من تطورات الأحداث في ليبيا غير أنني لم أسمع منهم أي محاولة للرجوع إلى النفس ونقد الذات.
يجب أن تعقد الآن جلسات الاستماع في الكونجرس الأمريكي وفي مختلف البرلمانات الأوروبية حول هذه الأسئلة المهمة:
} كيف أمكننا السكوت على أمثال العقيد معمر القذافي كل هذه السنوات؟
} ألم نتسبب بمثل هذه السياسات التي انتهجناها في تأجيج الغضب الجهادي العارم الذي تسعى المجتمعات والحكومات الغربية اليوم جاهدة إلى احتوائه؟
لطالما ارتبط الغرب بعلاقات وثيقة مع العقيد الليبي معمر القذافي وأمثاله في افريقيا ومناطق أخرى من العالم. صدرت للأديب الليبي المعروف هشام مطر رواية جديدة بعنوان: "تشريح الاختفاء" كما أن والده جاب الله قد اختطف في سنة 1990 من إحدى الشقق في القاهرة من قبل أجهزة أمنية عربية سلمته إلى ليبيا.
لم يعثر على أي أثر لهذا الرجل المثقف على مدى عقد كامل من الزمن وهو دبلوماسي سابق وقد شوهد آخر مرة في سجن أبوسليم السيء الذكر. أما جريمته هي المطالبة بشيء من الحرية والديمقراطية. لقد اختفى تماما واصبح ابنه من بعده في حيرة من أمره يطالب بمعرفة مصير والده: هل هو حي يرزق أم هل أنه مات؟
كان هناك المحور بين القاهرة وطرابلس. لقد كان هذا المحور مفيدا جدا للغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية فيما يتعلق بالمعلومات الاستخباراتية وتسليم السجناء الخطرين إضافة إلى السلام البارد مع إسرائيل بالنسبة إلى المصريين في عهد الرئيس السابق حسني مبارك. ثم لا ننسى أيضا النفط والغاز فيما يتعلق بليبيا. لقد قام العقيد الليبي معمر القذافي بتصفية ما لا يقل عن ألف سجين سياسي في سجن أبوسليم السيئ السمعة في يونيو .1996
إن العالم الغربي كله، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية كان شريكا في معاناة عائلة هشام مطر الذي حققت روايته الأولى "بلاد الرجال" نجاحا كبيرا وتم ترشيحه رسميا لنيل جائزة بوكر للكتاب. إن الغرب هو الذي قدم الدعم بكل أشكاله للعقيد معمر القذافي ونظامه الدكتاتوري الذي يوشك اليوم أن يتداعى تحت ضربات شعبه الذي جرده من الحقوق بل من الحياة نفسها.
لقد قال هشام مطر لمجلة ذا نيويوركر إن "الوقت قد حان كي يفكر الأمريكيون في الأفعال التي ظلوا يقومون بها والسياسات التي ظلوا ينتهجونها على مدى العقود الثلاثة الماضية. لا يتعلق الأمر بالولايات الأمريكية فقط بل بكل الدول الغربية الكبرى التي ظلت تدعم القذافي وأمثاله من الحكام الشموليين. ما الذي جعل نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن يقول يوم 27 يناير 2011 ان حسني مبارك ليس دكتاتورا؟ اعتقد أن جو بايدن يستطيع أن يجيبنا عن هذا السؤال".
هناك عدة أسباب تجعلني أتخذ اليوم موقفا معارضا لأي تدخل عسكري للدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في ليبيا في ظل الأوضاع الراهنة. يمكن أن أوجز أسباب اعتراضي في النقاط التالية:
} مرارة تجربة الغزو العسكري الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في العراق سنة 2003 وما نجم عن ذلك من عواقب وخيمة، فالولايات المتحدة الأمريكية لاتزال حتى اليوم تعاني تبعات ذلك التدخل العسكري على اقتصادها، ناهيك عن الخسائر البشرية والمادية التي تكبدتها. وفوق ذلك كله فإن إيران هي التي قطفت ثمار الغزو العسكري الأمريكي في العراق.
} إن هذه الحركات التحررية العربية إنما هي حركات مصنوعة داخليا وفيها الكثير من التلقائية.
} إن التدخل العسكري في ليبيا قد يكون سهلا بطبيعة الحال غير أن الخروج سيكون بعد ذلك بالغ الصعوبة.
} الاتهامات التي تلاحق الغرب دائما بأنه يتبنى سياسات انتهازية ولا يهمه سوى مصالحه النفطية ما سيزيد في تسميم الأوضاع في الميدان بليبيا.
} هناك حربان يقودهما الغرب في العالم الإسلامي وهو أمر كاف.
أما السبب الأهم الذي يجعلني اعترض بشدة على أي تدخل عسكري غربي في ليبيا فهو يتمثل في إفلاس الغرب أخلاقيا فيما يتعلق بالعالم العربي وقضاياه، فالعرب ليسوا في حاجة إلى الجنود الأمريكيين أو الأوروبيين حيث انهم يسعون اليوم إلى الحرية التي حرمتهم منها الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية نفسها. يمكن لنظام العقيد معمر القذافي أن يسقط من دون الحاجة إلى أي تدخل عسكري غربي من هذا القبيل، فقد ضاق عليه الخناق وبدأت منابعه تجف. لن يستطيع العقيد معمر القذافي أن يبقى في الحكم. اعتقد أنه سيكون على أحد الضباط الليبيين أن يفهمه هذا الأمر بكل وضوح.