جريدة الجرائد

اليمن غير البحرين والأمن القومي السعودي أولا

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك


هدى الحسيني

يوم الجمعة الماضي كان بمثابة امتحان لقوة إيران في الاستمرار في زعزعة استقرار منطقة الخليج، إذ كان الجمعة الأول لدخول قوات درع الجزيرة العربية (14 الجاري) إلى البحرين الذي حسم وجود صراع سعودي - إيراني.

الشهر الماضي برمته تركز على الجزيرة الصغيرة (البحرين)، لكن إيران التي نصبت نفسها المدافعة عن مصالح الشيعة في العالم، رأت في الخطوة السعودية تهديدا لـ"خريطة الطريق" التي وضعتها والمتعلقة بالخليج، وحركت "الباسيج" ضد السفارة السعودية في طهران وضد القنصلية السعودية في مشهد، كما تحرك حزب الله في لبنان، بدءا من مظاهرة أمام مبنى "الاسكوا" في بيروت، وصولا إلى خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، الذي ظهر على الشاشة ووراءه أعلام الدول التي عصفت بها الانتفاضات والمظاهرات، لم يكن بين الأعلام العلم السوري. والسخرية في الأمر، أن إيران نفسها تخلت عن ماضيها الثوري ولجأت إلى كل وسائل القمع لتدمير الحركة الديمقراطية داخلها. المهم أن الرياض لم تتوقف عند التنديدات التي حركتها طهران، فالبحرين قضية تمس أمنها القومي، ثم إنها شعرت بأن مواقف واشنطن متناقضة، وصار من عاداتها التخلي عن حلفائها إذا ما تطورت الأمور إلى درجة يمكن عدم السيطرة عليها (مصر)، كما أن العالم كله رأى، أن واشنطن التي تخل بكل التزاماتها تجاه حلفائها، وتدعي أن الحق عليهم، لأنها منذ سنوات تطلب منهم الإقدام على الإصلاح، لم تتراجع قط تجاه إيران، فهي لا تزال تعتمد سياسة إيجاد وسيلة للتقارب مع طهران.

والمعروف أن هذا التذبذب (تصريحات وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون المتناقضة في فترة أسبوع) كان سببا في التوتر بين واشنطن والرياض، وهذا ما كانت تأمل فيه إيران. إذ بالنسبة لطهران، حتى تجبر الرياض وواشنطن على المجيء إليها بحثا عن تفاهم ما، تريده هي حسب شروطها، فإنها تحتاج إلى إبراز قدرتها على إثارة القلاقل في الخليج، لكن، الجمعة الماضي كان هادئا بشكل نسبي في البحرين، والسعودية والعراق وكشف أن النفوذ الإيراني لا يغطي كل الشيعة العرب.

لكن الهدوء النسبي هذا، غطت عليه المجزرة التي ارتكبت في اليمن، ربما لأن من أصدر الأمر بارتكاب تلك المجزرة كان يعتقد أن صوت دماء الضحايا لن يسمع والأحداث في ليبيا تتصدر عناوين الصحف، وتشغل اهتمام العالم كله. إلا أن أزمة اليمن وتداعياتها على استقرار الخليج لها نتائج استراتيجية أكبر، لأن السعودية تواجه الخطر الإيراني على جبهة البحرين، ولا تريد أن تفتح جبهة ثانية تهدد خاصرتها، لأن الوضع المتأجج في اليمن، لا يمكن للسعودية أن تتركه على نار هادئة.

يوم الجمعة الماضي، كان يوم التحول الحاسم في اليمن، أدى في الأيام اللاحقة إلى الانسحابات من الحزب الحاكم، ومن السلك الدبلوماسي وإلى تخلي شخصيات أساسية في قبيلة حاشد عن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح في الشمال، وبعض كبار الضباط الذين كان يعتمد عليهم صالح، خصوصا الأخ غير الشقيق. كل هذه التداعيات تعرض الرئيس لسقوط بانقلاب عسكري (رغم تعهد وزير الدفاع بأنه لن يسمح بذلك)، أو تعرض اليمن لحرب أهلية.

الرئيس اليمني أرسل وزير خارجيته أبو بكر القربي إلى الرياض، ربما ليطلب الدعم عارضا قضيته بأن سقوطه سيؤدي إلى تقسيم اليمن وإلى المزيد من اللااستقرار في شبه الجزيرة العربية.

خلال الأزمة، لم تظهر أي علامة من السعوديين بأنهم تخلوا عن علي عبد الله صالح، وفي الوقت نفسه لم يظهروا أنهم يدعمونه دعما كاملا أيضا. في غضون ذلك تفرغت الحكومة السعودية للتعامل مع الطموحات الإيرانية، فأبعدها هذا مؤقتا عن التركيز الكلي على أزمة اليمن. لأن إيران، باستخدامها البحرين كمركز لإشعال الاضطرابات الطائفية، فإنها كانت تغذي حملة اللااستقرار في شرق السعودية بهدف زعزعة التحالف الأميركي مع منافسيها من السنة العرب.

وفي حين أن اليمن على المستوى الاستراتيجي أقل أهمية بكثير من البحرين، والسعودية والكويت، إلا أنه ليس بمنأى عن المخططات الإيرانية. ففي مقاطعة صعدة الشمالية، عانت الحكومة للسيطرة على تمرد الحوثيين (الفرع الزيدي) الذين يعتبرون فرعا من المذهب الشيعي، وما أقلق الرياض هو تمرد الحوثيين شمال اليمن، لاحتمال امتداده إلى نجران وجيزان (جنوب السعودية، وفيهما الإسماعيليون الذين هم أيضا فرع من الشيعة).

عام 2009، عندما نشرت السعودية قواتها على الحدود مع اليمن، برزت إشارات واضحة عن تلقي الحوثيين الدعم العسكري من إيران. الآن مع ما كان يجري في البحرين وسقوط اليمن في أزمة سياسية ضخمة، فمن المؤكد أن السعوديين يتخوفون من استغلال إيران لجبهة ثانية عبر اليمن، تهدد أراضيهم. هذا بالإضافة إلى الأخطار الأخرى التي يشكلها اليمن وبالأخص خطر "القاعدة" التي كانت تستعمل الأراضي اليمنية كنقطة انطلاق لمحاولة القيام بعمليات داخل السعودية.

تعرف إيران، أن اليمن يقع على الحدود السعودية، لكن جغرافية تلك المنطقة تمثل تحديات أكبر من تلك القائمة بين السعودية والبحرين، ثم إن نشر السعودية لقوات لها على تلك الحدود يختلف كثيرا عن إرسال قوات إلى صنعاء.

من دون شك، فإن الرئيس اليمني مسؤول شخصيا عن الصدأ الذي أصاب نظامه، حكم وكأن ليس هناك من غد إلا تعبيد الطريق لابنه، لكنه في الوقت نفسه، هو ضحية سياسية للموجة التي يعيشها الشرق الأوسط، ويواجه أياما صعبة في محاولته السيطرة على نظام متهرئ. مشكلة صالح، تختلف عن المشكلة التي عاشها الرئيس حسني مبارك في مصر، أو الرئيس زين العابدين بن علي في تونس. في مصر وتونس هناك مؤسسات، خصوصا الجيش الذي في البلدين، وضع مسافة بينه وبين الحكام وضحى بهما في الوقت المناسب. ثم إن أفراد عائلتي مبارك وبن علي ركزا على تجيير الحزب الحاكم لمصالحهم المالية والاقتصادية، ولم تكن علاقاتهم راسخة في الأجهزة الأمنية، كما هو الوضع بالنسبة إلى عائلة الرئيس اليمني التي تحكمت في الأجهزة الأمنية، و"استثمرت" صلاحياتها للسيطرة على الأراضي والصفقات.

وضع الرئيس اليمني قريب من وضع الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي الذي يتزعم مجتمعا قبليا منقسما على امتداد محور الشرق والغرب في ليبيا، كمحور شمال وجنوب اليمن، مع العلم أن اليمن أكثر تقدما، لا سيما سياسيا، من ليبيا، لكن القذافي وصالح عزلا نظاميهما، بأن منعا وعن قصد بروز قواعد سلطة بديلة، واعتمدا على التحالفات القبلية المعقدة، وعلى إعطاء المناصب العسكرية للأقارب، ليحكما سعيدين.

يشرح لي، أحد المؤرخين البريطانيين: "إن مثل هذه الأنظمة تحتاج إلى عقود من الزمن لتبنى، وتحتاج إلى قبضة حديدية للمحافظة عليها، مما يجعل الإطاحة بأي زعيم مكلفة أكثر مما تستحق".

رغم أن هذا النوع من النظام ساهم في إبقاء علي عبد الله صالح رئيسا لثلاثة عقود، فإن شبكة الدعم التي بناها، بعدما قضى على كل منافسيه، تتآكل بسرعة.

السعودية الآن، مدعوة لاتخاذ موقف صعب بشأن مستقبل اليمن، وقد تكون بصدد وضع خطة طوارئ، لكن من المستبعد أن تضحي بعد أكثر من أجل علي عبد الله صالح، فمصلحة الأمن القومي السعودي أبعد من شخص وأهم، وقد تحتاج الرياض لوضع استراتيجية لاستبدال صالح، وهي تعرف كل خفايا اليمن وقبائله، خصوصا المنافسة بين قبيلتي حاشد وبكيل، لاحتواء أكبر قدر من تداعيات ما يجري هناك، قبل أن يتحول خطر الحرب الأهلية إلى واقع. النتيجة ستثبت قيادة السعودية لدول الخليج.


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
قواعد اللعبة
الفصول المهمة -

أستغرب من المحللين الذين يقرأون الواقع بصورة عاطفية أو طائفية أو سطحية أو جهل أو تملق و تزلف. أمريكا تعى الان قبل أي وقت أخر أن النظام في السعودية بشكله الحالي لا يحمي المصالح الاقتصادية و الامن القومى الامريكي كما كان في السابق و خوض السعودية في وحل البحرين بعد زيارة وزير الدفاع الامريكي و اغلاق باب الحوار الذي وصل في كواليس الازمة البحرينية الى مستويات مطمئنة أكبر دليل على الفرصة الاخيرة للنظام السعودي بشكله الحالى أو تغير لهذا نري أن الجيش السعودي نزل البحرين لحرب مقدسة لا يوجد حل وسط فيها بمعني قبول الوضع على ما هو عليه أو الموت. بكل وضوح السياسة السعودية فقدت عدة أوراق و اليمن الان سيشكل خطر كبير على جبهة كبيرة سعودية و لا استبعد تقسيمات ستحصل بحرب أو بغيرها و البحرين بالشكل الطائفي و سفك الدماء و ابتعاد امريكا عنها و جر المشكلة المحلية و جعلها اقليمية هو ضوء أخضر لايران لتغير الواقع السعودي عن طريق البحرين الذي لا يريد حكامه تطوير نظامه ليوافق المصالح الامريكية بالرؤية الامريكية الجديدة الخلاصة المنظومة الخليجية ستتغير في حالة استمرار القراءة الطائفية في حل مشكلة البحرين الداخلية و هذا أمر خطير جدا على الاقل في منظور الاسر الحاكمة.

نجاح
محمد -

ههههه اضحكني جدا تعليقك ... من السهولة معرفة طائفة من يكتب ا لردود. لو تابعت الازمات العالمية الحالية بدءا بمشكلة ليبيا ومفاعل اليابان لعرفت ان السعودية اثبتت للدول الكبرى وليس امريكا فقط انها قادرة على التحرك لضمان استقرار اسواق النفط وسد العجز الموجود وقادرة على فرض استقرار المنطقة حتى ولو ترددت امريكا للتحرك وهذه رسالة ليست موجهة لامريكا بل لكامل دول العالم. اعتقد ان السعودية نجحت في الاختبار. ونجحت انها على عكس باقي الدول العربية هي تحظى باجماع شعبي وتضامن لايشهد مثيلا من كل شرائح مجتمعها وهنا يضمن لها قوة لامثيل لها بالتعامل مع الاوضاع الراهنة. الكاتب لم يوفق عندما تحدث عن يامية نجران لان اليامية هي من نسيج المجتمع العربي السعودي وولائهم له وليس لملالي ايران.

اليمن غير
الجابري -

نعم اليمن غير لذالك عليكم ان تهتمو بوضعكم الداخلي وكفا لستم أوصيا علينا فقد مرينا بأزمات اقوي من هذه وخرجنا منها