الثورات العربية وأنظمة الحكم
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
ناجي صادق شراب
الثورات في معناها الواسع تعني تغييراً شاملاً للمنظومة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الدول التي تقوم بها، وهذا ما نلمس بعض إرهاصاته في كل من مصر وتونس وليبيا وغيرها من الدول العربية الأخرى التي عليها أن تتكيف وتستجيب إلى هذه التغييرات قبل أن تصلها رياح الثورة، لماذا؟ لأن التغيير هو قانون حتمي، ولم يعد بمقدور أي نظام أن يبقى بمنأى عن هذه الثورات . ولعل التغيير المطلوب هو الذي يتعلق بطبيعة نظم الحكم، أي أن التغيير المطلوب هو التغيير السياسي، وهنا تقع المعادلة الصعبة في التغيير، استناداً إلى مقولة إن كل شيء في العالم العربي مسيس إلا السياسة، بمعنى أن نظم الحكم قد يكون لديها قدر من الاستجابة لبعض المطالب المادية والاقتصادية، ولكن عندما تصل حدود هذه المطالب إلى النظام نفسه نجد الرفض المطلق، والمصحوب كثيراً بسياسة القوة والاعتقال وملاحقة كل الأصوات المعارضة، وتضييق دوائر الحريات السياسية والشخصية . وقد عبرت هذه الظاهرة عن نفسها بالسياسات الأمنية والقمعية، وبتوغل الدولة في كل مناحي الحياة .
هدف الثورات العربية هو التغيير للوصول إلى أنظمة حكم أكثر مدنية، وأكثر ديمقراطية وانفتاحاً على مواطنيها، وأكثر مشاركة سياسية . وبكلمات بسيطة أنظمة حكم ليست أبدية أو شخصانية .
ومن خلال تتبع الخطاب السياسي لهذه الثورات كان المطلب الجوهري يتعلق بطبيعة نظام الحكم المنشود، فتارة نسمع عن نظام الحكم البرلماني، وتارة أخرى نسمع عن نظام الحكم الرئاسي المقيد، وتارة ثالثة هناك مطالبة بأنظمة حكم ملكية دستورية على غرار النموذج البريطاني، أي أن المطالبة تطال تغييراً شاملاً في مختلف أنظمة الحكم .
ليس المهم أن يكون النظام برلمانياً أو ملكياً دستورياً لكن المهم أن ندرك أن نظام الحكم ينبغي أن يعكس وبصدق مكونات بيئته، وأن يتكيف ويتطور معها . وأن تقوم علاقة من التفاعل السياسي بين الحكم والمحكوم وفقاً لقاعدة كل حاكم محكوم، وكل محكوم حاكم . ثم إن نظم الحكم تتباين وتتعدد من دولة إلى أخرى، ولا يوجد نظام حكم خاص بالمطلق، لكن أبرز أنظمة الحكم التي عرفتها أدبيات النظم السياسية تتراوح ما بين أنظمة حكم دكتاتورية شمولية تقوم على احتكار كامل للسلطة وتختزل الدولة في شخص الحاكم أو الحزب الحاكم . وأنظمة الحكم السلطوية وهي امتداد للأولى من حيث احتكار السلطة، مع هامش محدود ومسيطر عليه في ممارسة التعبير عن الرأي أو الممارسة السياسية . وإلى جانب هذه النظم توجد النظم الليبرالية أو الديمقراطية التي تقوم على مجموعة من المبادئ أهمها تداول السلطة، والفصل بين السلطات، وسيادة القانون واستقلالية القضاء والتعددية السياسية، وحرية التعبير في إطار الشرعية السياسية الواحدة ومبدأ دورية الانتخابات تطبيقاً وترجمة لحق المسؤولية الشعبية، إلى جانب مبدأ الحرية الاقتصادية وسهولة الحراك الاجتماعي بين الطبقات، تطبيقاً لمبدأ أن الوصول للسلطة متاح أمام الجميع، كما يقال في السياسة الأمريكية من الكوخ إلى البيت الأبيض، وهناك العديد من أنظمة الحكم الملكية الوراثية، والملكية الدستورية، وأنظمة الحكم الدينية التي يلعب فيها الدين دوراً حاسماً .
والمعيار ليس فقط في الحكم ولكن في درجة نزاهته، وشفافيته ودرجة الفساد فيه، وفي درجة تطبيقه لمفهوم العدالة الاجتماعية بين المواطنين، والمفارقة أن النظم الجمهورية هي أعلى في درجة الفساد السياسي والمالي، وفي درجة التضييق على الحريات، وممارسة أساليب القمع، وزيادة تضخم الثروة في يد حفنة قليلة، وانتشار الفقر والبطالة بنسب عالية، على الرغم من أن موارد هذه الدول ليست قليلة . وهي العوامل التي وقفت وراء الثورات التي نشهدها الآن .
معيار الحكم هو في درجة صلاحيته ورشادته، وهذا يستوجب دعم الوسائل الرقابية البرلمانية والشعبية، وزيادة درجة المحاسبة، ولكن الأهم من كل ذلك الحاجة إلى ثقافة في الإصلاح وعملية التنشئة السياسية العميقة التي تخلق وتعمق مفهوم المواطنة . ونريد الحاكم المواطن، والمواطن المحكوم . وهذه العملية تحتاج إلى وقت طويل ورؤية وثقافة واضحتين للتغيير .