الصحافة الفرنسية: رسائل التدخل الغربي بليبيا... وسجال حول الطاقة النووية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
باريس
تجدد العنف ما بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والتدخل العسكري الغربي في ليبيا، واندلاع الاحتجاجات الشعبية في سوريا، ودعوة لفتح نقاش عام حول مخاطر الطاقة النووية... موضوعات أربعة استأثرت باهتمام الصحافة الفرنسية هذا الأسبوع.
تجدد العنف
صحيفة "لوموند" أفردت افتتاحية عددها لأول أمس الجمعة للتعليق على الانفجار الذي وقع الأربعاء الماضي في محطة للحافلات في القدس الغربية وأسفر عن مقتل إسرائيلية وإصابة ثلاثين آخرين. انفجار يأتي في ظرف يتميز بجمود سياسي على كلا الجانبين، تقول الصحيفة. فإذا كان صحيحاً أن عملية السلام الإسرائيلية- الفلسطينية قد ماتت سريرياً على ما يبدو، فإن العلاقات بين الفلسطينيين والإسرائيليين ، وبخاصة في المجال الأمني، تظل في الوقت الراهن مطبوعة بإرادة متبادلة في التعاون، في الضفة الغربية على الأقل. وهذا الأمر يدركه رئيس الوزراء الإسرائيلي، تقول الصحيفة، ولهذا فإنه من غير المرجح أن يصغي إلى "الصقور" داخل ائتلافه الحكومي، الذين يدعون إلى عملية عسكرية قاسية على غرار "الرصاص المسكوب"، في إشارة إلى الهجوم الذي شنه الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة في شتاء 2008؛ وسيتعين أن يكون الرد على قطاع غزة "محدوداً" في حال تمكنت "حماس" من إسماع صوت العقل لمجموعات "متشددة" مثل الجهاد الإسلامي، المسؤولة عن معظم القذائف التي تطلق على جنوب إسرائيل (خمس وعشرون قذيفة في أسبوع واحد).
وحسب الصحيفة، فإنه لا يوجد أي تعليل مقبول لتبرير "الهجوم الإرهابي" الذي هز القدس الغربية، ولـ"المذبحة" التي استهدفت في الحادي عشر من هذا الشهر عائلة استيطانية من خمسة أفراد بالضفة الغربية في مستوطنة إيتمار، مضيفة أنه لا علاقة للهجوم بالمفاوضات أو غيابها، وذلك لأنه سبق أن نفذت هجمات في الفترات التي كانت تجري فيها مفاوضات، وفي الفترات التي لم تكن فيها مفاوضات. وترى أن لإسرائيل أسبابها التي تجعلها لا ترغب في الشروع في الحوار مع "حماس"، التي لا تعترف بوجودها؛ غير أنها أردفت قائلة إن السلام يبُنى مع الأعداء. ولكن المؤشرات تشير إلى أن نتنياهو قد اختار ربما منح الأولوية للحفاظ على ائتلافه المكون من أحزاب "اليمين" و"اليمين المتطرف" على ركوب مغامرة سياسية لصالح السلام.
رسالة مزدوجة
تحت عنوان "الرسالة المزدوجة لقذائف... توماهوك"، نشرت أسبوعية "لو كوريي إنترناسيونال" افتتاحية كتبها "فيليب ثرو دانجان" اعتبر فيها أن التدخل الغربي الذي بدأ في التاسع عشر من مارس ضد نظام القذافي يتسم بالغموض واللبس. وفي ما يبدو تذكيراً بشريط الأحداث، يقول كاتب الافتتاحية إن ما بين الثاني من مارس، تاريخ شروع القذافي في الرد الانتقامي ضد الثوار، والسابع عشر من مارس، وهو اليوم الذي تبنى فيه مجلس الأمن الدولي القرار 1973، مر أسبوعان سمحا للقذافي بالتقاط أنفاسه من جديد وبالاستعداد لما هو آت. ثم بسبب ساركوزي الذي كان حريصاً على حضور الجميع في قصر الإليزيه قبل بدء العمليات العسكرية وكان يرغب في أن يكون أول من يرسل طائراته فوق الأراضي الليبية، تم إرجاء التدخل يومين إضافيين. وهكذا شهدنا في نهاية المطاف استعراضاً للقوة بدون مخاطر، نظراً لافتقار الجيش الليبي للتجهيز الكافي.
غير أن كاتب الافتتاحية يرى أن الغرب بعث بعدة رسائل في آن واحد. الرسالة لأولى: أجل، الغرب مازال قادراً على التدخل ومساعدة معارضي الحكام المستبدين، وهي رسالة موجهة بالخصوص إلى "حكام" ليسوا أصدقاء للغرب بشكل صريح، كما يقول، وإظهار تفوق أسلحة الغرب، مثل صواريخ توماهوك وطائرات رافال. والرسالة الثانية: لا، لن ندفع نيران الحرية في كل مكان، ولن نتدخل إلا في حالة الضرورة القصوى. وفي الختام، يقول "ثرو دانجان" إن القذافي، الذي لم يستبعد أن يكون قد لجأ إلى الصحراء جنوب البلاد، ينتظر التتمة، مضيفاً أن تصريحات الحلفاء تترك فرصة صغيرة للدبلوماسية، وهو "عين العقل!".
سوريا وأسئلة المرحلة
"بيتر هارلينج"، الباحث بـ"مجموعة الأزمات الدولية" المقيم في دمشق، كتب في عدد يوم الأربعاء من صحيفة "لوموند"، مقال رأي سلط فيه الضوء على تصاعد الحركة الاحتجاجية "العفوية" التي تعرفها سوريا، على غرار عدد من دول العالم العربي، وذلك بسبب شكاوى وتظلمات شعبية من قبيل الخلط بين المال والسلطة، وتسلط النخب، وقمع الانتقادات، واستغلال وتوظيف الانقسامات الاجتماعية، إلخ. ويرى الكاتب أنه بموازاة مع التحول الذي تعرفه المنطقة، يتعين على الجميع أن يواجه الانتظارات الشعبية الكبيرة ويواكب تحديات عصر جديد، لأن خطابات ومواقف العهد السابق باتت قديمة ومتجاوَزة. والحال أن النظام السوري يجهد من أجل أن يُنظر إليه من منظار الاستمرارية، حيث يواصل مقاومةَ الدعوات المطالبة بالإصلاح، سواء الآتية من الداخل أو من الخارج.
بشكل إجمالي، يقول الكاتب، تعارض أنظمةُ المنطقة التحديات الجديدة التي تواجهها بردات فعل متشابهة على نحو يثير الذهول؛ حيث تجد هذه الأنظمة صعوبة في التخلي عن عاداتها القديمة، وتصف المظاهرات بأنها مظاهرات أقلية أو مؤامرات تحاك في الخارج، وتقوم بتعبئة قواعد اجتماعية ضيقة، وتشن مظاهرات مضادة مؤيدة للنظام . كما تقوم بتقديم تنازلات غير كافية، فضفاضة أو متأخرة؛ وتقمع المعارضين؛ وتغذي التخوفات من الفوضى والاضطرابات. ولكن معظم هذه الأنظمة، يتابع الكاتب، ترفض الاعتراف بأن هذه الاحتجاجات الشعبية هي في الوقت نفسه معدية، ولا يمكن التنبؤ بها مثلما لا يمكن التحكم بها، وأنها تنتشر بدون خطاب إيديولوجي وممثلين، وأن كل الأساليب التقليدية لم تعد فعالة. ثم يخلص الكاتب إلى أن على دمشق من جديد أن تبرهن على "استثناء سوري"، في ظروف هي نفسها استثنائية - ولكن الأمل هو ألا يكون ذلك على طريقة القذافي.
الطاقة النووية
"الاختيار"، بهذا عنونت صحيفة "ليبراسيون" اليسارية افتتاحية نيكولاس ديموراند لأمس السبت، وخصصها لتسليط الضوء على مخاطر الاعتماد المفرط على الطاقة النووية في تأمين الكهرباء، وذلك في ضوء الأزمة النووية الخطيرة التي ألمت باليابان، في إشارة إلى تسرب إشعاعات نووية خطيرة من محطة فوكوشيما النووية في أعقاب الزلزال القوي الذي ضرب البلاد في وقت سابق من هذا الشهر، داعياً إلى فتح نقاش وطني حول فوائد الطاقة النووية مقابل مخاطرها نقاش يفرض نفسه بقوة، ولاسيما في بلد يعتمد اعتماداً كبيراً على الطاقة النووية مثل فرنسا.
هذه الأزمة، تعيد طرح أسئلة كان يعتقد أنه قد تم البت بشأنها بشكل نهائي، أو أنها تابوهات لا ينبغي التطرق لها، ومن ذلك: هل الطاقة النووية هي قدرنا؟ في فرنسا، يشكل هذا النقاش أيضاً صفحة من التاريخ يلتقي فيها المرء بشخصيات مثل الرئيس ديجول و جورج بومبيدو، والرغبة الجامحة في تحقيق الاستقلال بكل أشكاله، ومن ذلك الاستقلال في مجال الطاقة، وكل ذلك في جو من التفاؤل والحداثة التكنولوجية التي عرفتها فرنسا في "السنوات الثلاثين المجيدة"، سنوات الطفرة الاقتصادية والصناعية التي عرفتها فرنسا من نهاية الحرب العالمية الثانية حتى منتصف السبعينيات. غير أن حادث فوكوشيما، يضيف كاتب الافتتاحية، يضع كل العلماء والسياسيين والمواطنين أمام مسؤولياتهم، حيث تقع على العلماء مسؤولية تقييم المنافع والمساوئ في ضوء الكارثة، وليس الأخطار فحسب؛ ويتعين على السياسيين منح فرصة متكافئة لكل أنواع الطاقة، بدءاً بتلك التي يمكن أن تكون بديلة للطاقة النووية، وذلك حتى يظل الاختيار قائماً. وأخيراً، يتعين على المواطنين أن ينخرطوا في هذا النقاش عبر الأصوات التي يدلون بها في الانتخابات.
إعداد: محمد وقيف