أحداث البحرين والمصالح الأجنبية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
عبدعلي الغسرة
إن ما حدث في البحرين من أحداث وما خلفته من تداعيات سياسية واقتصادية واجتماعية قد أثلجت قلب الأعداء كثيراً، وأدمت قلب محبيها أكثر. وهي أحداث جنت ثمارها المصالح الأجنبية التي لا يهمها في النهاية إلا مصالحها السياسية والاقتصادية، وفي النهاية فإن هذه الدول تقف مع المنتصر، على سبيل المثال لا الحصر، لم تؤيد الولايات المتحدة الأمريكية في البداية الأحداث المصرية وأعلنت تأييدها للانتقال السلمي للسلطة في مصر، ولكن حين بدت معالم نهاية النظام المصري السابق تبين الموقف الحقيقي لواشنطن التي سارعت ووقفت مع شباب ثورة 25 يناير وأيدت جميع مطالبهم، لأن واشنطن حينها أدركت بأن مصلحتها الآتية ستكون مع النظام الآتي وليس الراحل، وتناست جميع مواقف النظام المصري السابق مع واشنطن الذي كان من أقرب الحلفاء إليها، كما تناست جميع الخدمات التي قدمها لها. إذن واشنطن لا تنظر بعين الرشد والاعتبار إلى شخصية مَن يحكم ولا إلى هوية أي نظام سياسي، بل عينها تكون فقط على مصلحتها، فإذا رأت أن مصلحتها تتهدد بوجود هذا النظام أو ذاك فحينه تعمل على التخلص منه والإتيان بنظام حاكم جديد. لقد أيدت واشنطن وطهران الاحتجاجات والمظاهرات والاعتصامات التي جرت في البحرين، وعارضتا أي تدخل عربي لتعزيز أمن واستقرار البحرين، ولما اتحدت أقطار مجلس التعاون في الخليج العربي أدركت واشنطن أن مصلحتها تتماشى كثيراً مع هذا الاتحاد وأيدت مشاركة درع الجزيرة العربية ودخوله إلى أراضي البحرين. أما إيران فإنها اعتبرت هذا الدخول بمثابة احتلال خليجي للبحرين. إن الذي لا تفهمه هاتان الدولتان أن مصالحهما السياسية والاقتصادية والاستعمارية يختلفان كلياً عن مصالح الشعب البحريني بحق وطنهما البحريني، وإن ما يَحكم الشراكة بينهما ليس هو الشعب البحريني إنما هي المطامع والمصالح الخاصة والتي تلتقي على حساب الشعب العربي وتجزئته واحتلاله كما هو الأمر الواقع الآن في احتلال العراق من قبلهما. الحكومة البحرينية أيدت كل مطالب المتظاهرين والمعتصمين وأعلن سمو الأمير سلمان بن حمد آل خليفة بمناقشة جميع هذه المطالب وغيرها على مائدة الحوار التي رفضتها المعارضة، وهي مطالب لا تحتاج إلى تأييد ودعم من أي دولة أجنبية ما دام هناك تأييد رسمي حكومي لها، وثانياً فإن ما يحدث بين الشعب والحكومة هو شأن داخلي يخص البيت البحريني دون غيره، وعلى الآخرين الاهتمام ببيوتهم وتحسينها. ولا يجب أن تذكرنا واشنطن بأن (النظام البحريني هو حليف تعتمد عليه واشنطن منذ مدة طويلة)؛؛ فهذه الأسطوانة قد صدأت وشاخت، فالنظام الأمريكي منذ أن تأسس ولغاية الآن إستراتيجيته الأساسية في التعامل هي مصالحه أولاً وأخيراً، ولا شيء غير ذلك، فالتعاون والاتفاقيات والمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق الأقليات والعولمة وغير ذلك من المصطلحات الأمريكية ما هي إلا آليات لتحقيق المصلحة الأمريكية أولاً وأخيراً وإن كان تحقيقها يكون على حساب الأمة العربية وشعوب العالم أجمع. أما إيران فهناك علاقة تاريخية خاصة مع البحرين، بحيث إنها مازالت تعتبر البحرين الولاية الإيرانية الرابعة عشرة، وهي على علاقة تتميز بالمد والجزر مع الحكومة البحرينية. وسواء أرادت هذه الدولة أو تلك حصر أحداث البحرين في إطارها الوطني وبعدم تدخل أي نظام عربي بشأنها.. فإن هذا الأمر هو بمثابة تدخل في الشأن الداخلي البحريني، وهو أمرٌ مناهض للسياسة الوطنية البحرينية ويرفضه الشعب العربي البحريني. ولكن الدول الأجنبية عادة تبحث فقط عن مصالحها وتهدف إلى صياغة قرار لتدويل الأزمة البحرينية لتكون شريكاً سياسياً في حلها للحفاظ على مصالحها في البحرين خصوصاً وفي منطقة الخليج العربي عموماً. إلا أنه في النهاية ستكون غلبة للعوامل الداخلية على التدخلات الخارجية في هذه الأزمة، وهذا ما سيؤدي إلى عدم أقلمتها وينهي تدويلها خارجياً. وأن تأجيل الحوار الوطني في هذه الفترة الأمنية المؤقتة لا يعني قبره، بل هناك تمسك بهذا الحوار بطبيعته وبأهدافه. إن رفض البحرين بعدم تدخل أي طرف خارجي في شأنها الداخلي يعني أنها ترفض الوصاية الأجنبية الإقليمية والأجنبية، لأن البحرين دولة عربية ذات سيادة ومستقلة وهي جزء لا يتجزأ من الأمة العربية، لذا، فإن البحرين ليست هي المسؤولة فقط عن أمنها واستقرارها، لكون ما يحدث مرتبط بالأمن القومي العربي. وإذا كانت الدول الأجنبية تستفيد من الوضع البحريني الراهن فإن من مصلحتها أن يُطيل أمد هذا الوضع وتدويله سياسياً. وحينما تعلن وزيرة الخارجية الأمريكية بأن دول الخليج العربي (سلكت الطريق الخطأ) بتدخل درع الجزيرة... فماذا نسمي احتلال واشنطن العسكري للعراق ولأفغانستان؟ وماذا نسمي الاعتداء على سيادة دول العالم وعلى أمنها وأمن شعوبها تحت ذريعة مكافحة الإرهاب؟ علماً بأن قوات درع الجزيرة العربية لم يكن لها أي تماس بينها وبين الشعب البحريني وأنها انتشرت لحماية المرافق العامة الأساسية ومنها الأماكن التي تتركز فيها المصالح الأمريكية والدولية. إنما ما تريده واشنطن للبحرين وللأقطار العربية أن تكون هناك ديمقراطية وهمية، إلا أن ميثاق العمل الوطني ودستور مملكة البحرين قد وضعا مشروعاً هدفه مشاركة الشعب البحريني في صياغة القرار الوطني، ومن المؤكد بأن الأهداف الأمريكية لا تتفق مع هذا المشروع، وقد ترجمت واشنطن ذلك بتحركاتها بين الآونة والأخرى في المنطقة الخليجية والعربية. واليوم الشعب البحريني جميعه وبدون استثناء يتحمل مسؤوليته التاريخية بترجمة وطنيته وانتماؤه وولاؤه لوطنه البحريني، وذلك في الفصل بين الانتماء المذهبي وبين الانتماء الوطني الذي يُمثل المدخل الصحيح بل الوحيد للوحدة الوطنية التي ستجهض أي مشروع استقوائي وطائفي في مملكة البحرين. وإن المستفيد الحقيقي من غياب الوحدة الوطنية هم الدخلاء بينما سيغرق الشعب البحريني في الطائفية التي تتعارض تماماً مع وحدتهم وتضامنهم العربي وتآلفهم الديني، هذا التضامن والتآلف الذين سيكون سداً منيعاً في مواجهة الأطماع الغربية والإقليمية التي تستهدف أقطار المنطقة الخليجية وشعبها العربي