مجلس التعاون يرقى إلى التحديات
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
علي الغفلي
نرحب نحن المواطنين في دول الخليج العربي بتدخل مجلس التعاون في الشأن البحريني، ونؤيد تدخله في كل دولة خليجية عضو في هذا التكتل، ولا نمانع إن اتخذ هذا التدخل صورة عبور قوات درع الجزيرة حدود دول المجلس تلبية لطلب أية دولة عضو فيه، خاصة إن كان قد استقر في تقدير حكومات دول المجلس أن التهديد الذي تتعرض له مملكة البحرين، أو أية دولة خليجية أخرى، هو في حقيقة الأمر من مستوى غير اعتيادي، وخطر غير مسبوق، يطال كيان الدولة ذاتها، ويشي بأن يلحق الإساءة إلى شكل نظامها السياسي، ويقصد التشكيك في الشرعية التاريخية التي تستند إليها نظم الحكم الوراثية القائمة في دول المنطقة، ويتعمد إطاحة الأمن العام الذي تستحق الشعوب الخليجية أن تعيش في ربوعه .
وفي المقابل، نرفض نحن المواطنين الخليجيين تدخل أية دولة أجنبية في الكيفية التي تدير من خلالها دول مجلس التعاون علاقاتها الثنائية أو الجماعية، وينسحب هذا الرفض على كافة مصادر هذه التدخلات، سواء تلك التي تأتي من الجارة إيران، أو أية دولة أو جهة أخرى، بما فيها الولايات المتحدة، أو أوروبا، أو أية منظمة إقليمية أو دولية أو عالمية أخرى . لا تملك إيران، ممثلة في حكومتها ووسائل إعلامها وأي قطاع من شعبها، أي حق في مجرد إصدار أي تعليق عدائي تجاه تكاتف مملكة البحرين مع شقيقاتها في مجلس التعاون من أجل أن تعالج التهديد الداهم الذي كاد أن يحرم الدولة من استقرارها ويودي بأمن شعبها إلى المجهول، وحري بطهران أن تعتني بمشكلات شؤونها الخاصة، وما أكثرها وما أخطرها، عوضاً عن أن تتورط في سلوك سياسات خارجية مريبة تجاه جيرانها العرب في منطقة الخليج، تفوق معظم المعطيات المنطقية التي تتوافر لدى الدولة الإيرانية، إذ إننا في حقيقة الأمر لا نرى إيران قوة كبرى كما تود هي أن تدعي، بل إن الدول الكبرى الحقيقية بالمفهوم المعاصر لا تعمد إلى اتخاذ سلوكيات التدخل اللفظي والعملي بالصورة المقيتة التي ظلت طهران تبديها تجاه دول مجلس التعاون خلال السنوات الأخيرة .
حسناً فعلت دول مجلس التعاون حين لم تستشر واشنطن في قرار إرسال قوات درع الجزيرة من أجل حماية مؤسسات الدولة الحيوية في مملكة البحرين، وواقع الأمر هو أن التحرك الخليجي الجماعي من أجل حماية استقرار دولة عضو في الكيان الخليجي ليس بالأمر الذي يتطلب إذناً من أحد، ولا نود أن نشك لحظة واحدة في صدق تصريح المسؤولين الأمريكيين بخصوص عدم علمهم بالتحرك الخليجي على أرض الشقيقة البحرين، بل إن هذا التصريح يسعدنا كثيراً، وهو يؤذن ببدء تحرر العقلية السياسية الخليجية من الاعتبارات الخارجية التي ظلت دول المجلس تتقيد بها على حساب الجهد التكاملي بين دول الإقليم الخليجي في معظم الأحيان . قد يكون الأمر متعلقاً بضعف أداء السياسة الخارجية لدى إدارة الرئيس أوباما، أو متعلقاً بضياع فاعلية القرار الخارجي الأمريكي الذي تبدت ملامح تخبطه منذ عهد الرئيس جورج بوش الابن ولا يزال مستمراً حتى الآن، ولكن الأمر الذي يعنينا تحديداً هو أن تعي دول مجلس التعاون أن ليس في مقدورها أن تجد في واشنطن الحليف العاقل أو الفاعل خلال هذه الفترة، إذ إن السياسة الخارجية الهوجاء التي اتبعها الرئيس بوش الابن قد أهدت العراق إلى إيران وأسهمت بالتالي في استقواء الأخيرة، والسياسية الخارجية البلهاء التي يتبعها الرئيس أوباما قد أثبتت إخفاقاً ذريعاً في احتواء تنامي عنجهية طهران الاستفزازية، ما يقوض طمأنينة حكومات وشعوب دول مجلس التعاون .
لا تتوفر ضمانة موثوق بها في أن تعود الجارة إيران إلى رشدها وتدرك الحدود المنطقية لسلوكها تجاه جيرانها في مجلس التعاون، وأغلب الظن أنها ستستمر تشكل منغصاً أمنياً عميقاً بالنسبة إلى دول الخليج العربية إلى أمد طويل في المستقبل . ولا يجدر بدول مجلس التعاون أن تعهد بمسألة صنع أمنها الوطني والإقليمي إلى غيرها، ويمتد هذا التحذير ليشمل الولايات المتحدة، إذ إن المرة الأخيرة التي ربما تحركت من خلالها واشنطن بفاعلية تجاه أمن منطقة الخليج كانت منذ عشرين عاماً، حين قادت التحالف الدولي من أجل تحرير دولة الكويت، ولكن الكثير من أمور الاستراتيجيات العالمية والإقليمية قد تحولت منذ ذلك الوقت، والواضح أن أية إدارة أمريكية في واشنطن لن تكون قادرة على الاعتناء بأمن دول مجلس التعاون في ظل إيران ذات تسليح تقليدي أو نووي، أو مساعدة دول الخليج تجاه التحديات التي تجلبها التطلعات والمطالب الشعببة التي تجتاح العالم العربي بالنسبة إلى حكومات المنطقة .
نتحسس بشدة تجاه أشكال التدخل كافة في شؤوننا الخليجية العربية، ونتطلع بترقب واشتياق إلى ذلك اليوم الذي سوف يكون فيه أداء مجلس التعاون الخليجي متمتعاً بالدرجة العالية من الاستقلالية التي صارت الإمكانيات الاقتصادية والعسكرية المتوافرة لديه تدعم المنطلقات التاريخية والثقافية والجغرافية التي كانت ولا تزال تصنع الكيان الإقليمي الخليجي . إن ذلك اليوم الذي سوف يختفي فيه أعداء وخصوم منطقة الخليج كافة لن يأتي أبداً، كما لن يأتي اليوم الذي سوف تجد فيه دول الخليج حليفاً أجنبياً متكفلاً بشكل تام بأمنها ضد التهديدات الخارجية . إن الحليف الأوفر ثقة، والأكثر منعة، والأكبر قوة الذي سوف تجده كل دولة خليجية عربية مسانداً لها يتمثل تحديداً في مجلس التعاون الخليجي .
ولكن مجلس التعاون المنشود هو ذلك الكيان التكاملي الفاعل، الذي يتكون من تكتل متكاتف من الدول الواثقة وطنياً والمتمتعة بالتنمية الشاملة، في النواحي السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والأمنية أيضاً . ومن هذا المنظور، صار لزاماً أن يشرع مجلس التعاون، ممثلاً في دوله المفردة ومؤسساته التكاملية أيضاً، في إجراءات التنمية، وذلك من خلال اتخاذ قرارات ترسيخ المشاركة السياسية، ومكافحة ممارسات الفساد الإداري والمالي، وتدعيم نشاطات التكامل الشامل . ندرك تماماً شكل مجلس التعاون الذي نرتاب منه، وهو ذلك الكيان المتفكك، الذي يتكون من دول متنافسة، تحكمها سياسات الاستبداد وتغلب عليها علاقات التناحر، تتردد حكوماتها في منح مواطنيها مجالاً أوسع في صنع السياسات العامة التي تصنع حياتهم . إنه ببساطة ذلك المجلس الذي لا يرقى إلى التحديات .