النظام العربي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
عبدالله بن إبراهيم العسكر
بعد أحداث الحادي عشر من شهر سبتمبر عام 2001م، ترددت في الإعلام الغربي مقولة أن العالم لن يكون كما كان قبل الأحداث المذكورة. لكن المقولة صدقت في منطقة الوطن العربي فقط، لقد حدث ويحدث التغيير في العالم العربي بعد عشر سنوات من تاريخ تلك المقولة. وأنا هنا أحاول أن أقرأ تلك المقولة من وجهة نظر أخرى.
من يتأمل الشعوب العربية اليوم يجد أن الغالبية العظمى من فئة الشباب، الذين كانوا بالأمس "أطفال الديجيتال digital" لكنهم الآن "شباب الفيس بوك والتويتر facebook and twitter" المتصلة بشباب العالم من خلال الشبكة العنكبوتية العابرة للقارات والخارقة للحجب.
يصف المعلق الرئيسي في قناة السي إن إن CNN أن معظم الشعوب العربية تسعى جاهدة ليكون صوتها مسموعاً وذلك عن طريق التطبيقات الإلكترونية، ثم تنتقل بتطبيقاتها إلى الشارع العام والميادين العامة.
إن تحقيق الحد الأدنى من الوحدة العربية أضحى أمراً مهماً. وأنا لا أدعو إلى وحدة رومانسية، وهي الدعوة التي سادت في خمسينيات وستينيات القرن الميلادي الماضي. ولكنني أدعو ألاّ تعمل البلاد العربية ضد بعضها البعض وتتربص ببعضها الدوائر، وأدعو إلى تكامل اقتصادي معقول في ظل تكتلات اقتصادية شرسة
ويقابل تلك الشعوب أنظمة عربية تتراوح بين الأنظمة الرشيدة والمقبولة إلى حدٍ كبير من شعوبها، وأنظمة فاسدة وبوليسية مكروهة من قبل شعوبها. فالدول العربية ليست سواء. لابد من الاعتراف أنها تختلف اختلافاً بيناً.
والصدق أننا لن نكون قادرين على التفاؤل أمام ما نراه من حرائق في بعض البلاد العربية، خصوصاً أن الدروس التاريخية المستقاة منذ النصف الثاني من القرن العشرين، وحتى مطلع هذا القرن الميلادي تقول بوضوح إن بعض الحكومات العربية غير قادرة على تحديث فكرها السياسي وإدارتها السياسية، وغير قادرة على الاستماع إلى صوت شعوبها، وهي تعيش حالة من التفكك القومي.
والسؤال الكبير هو: ما مستقبل النظام العربي؟!
المشكلة أن بعض الحكام العرب يريد تجزئة السؤال إلى أسئلة مثل: ما مستقبل مصر, أو مستقبل المغرب أو الجزائر أو ليبيا أو أي بلد عربي كل على حدة؟ وهذا تفكيك جائز لو كنا نروم دراسة وحدة قُطرية واحدة، لكن الأسئلة التفكيكية لا تعطينا صورة عن مستقبل النظام العربي، خصوصاً أن العدوى تنتقل من بلد عربي إلى آخر.
لابد من تقرير حقيقة غفل عنها العرب وهي أن قوتهم في اتحادهم، والتقوقع في الحالة القُطرية يعرض البلاد العربية إلى مزيد من التفكيك، كما يلوح في أفق العراق, وكما يهدف مشروع الشرق الأوسط الكبير وصنوه نظرية الفوضى الخلاقة creative chaos وهما ما تتبناه بعض القوى الأجنبية.
ومن مستلزمات هذا الشرق الأوسط الكبير إشعال النيران في كل بلد عربي على حدة من أجل إعادة تشكليه؛ فالعرب في هذه المرحلة الخطرة, إما أن ينهضوا مجتمعين، أو أن يخرجوا من حركة التاريخ، والربط بشكل صريح بين مستقبل العرب وقدرتهم على تطوير جوانب حياتهم السياسية والاقتصادية والثقافية وتعزيز القوة القومية الكامنة في أعماقهم مسألة حيوية لأنها الحالة الصحيحة القادرة على التصدي لحالة الانهيار التي تفرضها القوى الخارجية عبر مشروع الشرق الأوسط الكبير.rlm;
هنا عدة احتمالات من أهمها وأخطرها اشتعال النيران في بلدان عربية أخرى وربما تفكك وحدتها القطرية. وهذا الاحتمال يمليه الواقع المنظور, خصوصاً إذا ظل الواقع العربي مفككاً ومخترقاً, وكل دولة تعمل على انفراد للهروب من مواجهة القضايا المصيرية الداخلية أو الهروب من العمل العربي المشترك للعرب.
ومن المؤكد أن مستقبل العرب قومياً وقُطرياً لن يكون بخير بالرغم من اقتناع البعض أن القطرية هي الحالة الصحيحة للهروب من أزمات الأمة العربية. وفقد بعض ساسة العرب القدرة على استلهام قصة الثور الأبيض. فالنشاط التنموي الذي تبشر به الولايات المتحدة كذبة في عالم ليس ثمة مستقبل فيه للكيانات القطرية، فالعمل القُطري لا يستطيع أن يضع أي قطر عربي على خارطة المستقبل الأفضل, وإن بدأ تحسن جزئي في هذا القطر أو ذاك، لأن التكتلات الاقتصادية الناشئة, والتي ستنشأ مستقبلا لن ترحم الضعفاء, والمحصلة النهائية تجعل الواقعين القطري والقومي تحت وصاية ثقيلة ربما تكون كارثية.
وأرى أن تدرك الأنظمة العربية ضرورة التكامل العربي اقتصاديا وسياسيا وثقافيا، والتلاقي حول القضايا المصيرية, ومواجهة حالة الفرقة القائمة. والتنبه إلى خطورة المشاريع المشبوهة هو السبيل الوحيد الذي يمكنهم أن يحققوا مستقبلاً واعداً. وقبل هذا عليهم ابتداءً مواجهة مشكلاتهم القُطرية الداخلية بكل شجاعة وصدق وإصلاح والقضاء على حالة اليأس والتخبط والعوز التي تعيشها شعوبهم.
إن تحقيق الحد الأدنى من الوحدة العربية أضحى أمراً مهماً. وأنا لا أدعو إلى وحدة رومانسية، وهي الدعوة التي سادت في خمسينيات وستينيات القرن الميلادي الماضي. ولكنني أدعو ألاّ تعمل البلاد العربية ضد بعضها البعض وتتربص ببعضها الدوائر، وأدعو إلى تكامل اقتصادي معقول في ظل تكتلات اقتصادية شرسة. وهنا أدعو المفكرين العرب إلى قراءة مقال: نعوم تشومسكي المسومة: لعبة الأكاذيب، ففيه ما يثبت قولي هذا.
النيران التي تشتعل في البلاد العربية وقودها داخلي لا شك في ذلك، ولن تُطفأ النيران بالاعتماد على الخارج، بل لابد من إصلاح البيت من الداخل، ثم إصلاح العلاقات العربية البينية، يتزامن كل ذلك بأن تعرف البلاد العربية أنها تعيش في عصر لم تعد فيه السياسات الماضية صالحة لهذا العصر. نحن في عصر السياسات التي تلامس أرض الواقع..