جريدة الجرائد

ليبيا في مفترق طريقين!

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

وحيد عبد المجيد


تثير عملية "فجر أوديسا" التي تقترب من نهاية أسبوعها الثاني أسئلة شتى أهمها على الإطلاق السؤال عن نتيجتها. فهل تنتهي بإسقاط نظام القذافي الذي حكم ليبيا لأكثر من أربعين عاماً، أم تتوقف قبل إطاحته؟

وليس هذا سؤالاً عن مصير نظام القذافي الذي فقد مقومات البقاء، وإنما عن الدور الدولي في إسقاطه، وحدود عملية "فجر أوديسا"، وهل تتواصل بعد إنجاز مهمتها التي حددها قرار مجلس الأمن رقم 1973، ونجاحها في تدمير قسم أساسي من سلاحه الجوي، وشل حركة ما بقي لديه من طائرات وتقويض قدرته على تهديد المدنيين، أم تتوقف مع استمرار مراقبة المجال الجوي لضمان سريان حظر استخدام الطائرات؟

والسؤال بهذه الصيغة يحتمل إجابتين تنطويان على خيارين مختلفين إلى حد كبير. الأولى هي أن إسقاط نظام القذافي بدون مساندة عسكرية دولية قد يكون صعباً وربما يتطلب وقتاً طويلاً. فقد حقق الثوار تقدماً ملموساً على الأرض عندما أضعف القصف الجوى كتائب القذافي الأمنية. فإذا أُوقف هذا القصف، قد يصبح القتال على الأرض سجالاً، وربما تتمكن كتائب القذافي من إحراز تقدم في بعض المواقع. ويعني ذلك إطالة معركة أمد التغيير في ليبيا، وانعدام اليقين بشأن نتيجتها النهائية.

غير أنه ليس هناك ما يضمن تقصير هذه المعركة في حال استمرار عملية "فجر أوديسا". كما أن قصرها أو طولها هو أمر نسبي يصعب الاتفاق على تقديره، لأنه قد لايُقاس بالزمن مجرداً بل بالوقت الذي يصعب بعده المحافظة على القبول الذي تحظى به هذه العملية على المستوى الإقليمي وفي أوساط الرأي العام الغربي.

وهذا هو منطق الإجابة الثانية على السؤال عن سقف عملية "فجر أوديسا". فرغم أن هذه العملية نجحت في إضعاف نظام القذافي، وأن استمرارها قد يعجل بإطاحته، لا يمكن استبعاد احتمال أن تؤدي إلى تدمير قدراته العسكرية الهجومية كاملةً، لكن دون أن يقترن ذلك باختراق مركز سلطته وانهيار خطوطه الدفاعية الرئيسية، وتدمير مركز قيادته الحصين في باب العزيزية، وإنهاء سيطرته على العاصمة التي يعتبرها القانون الدولي مركز السيادة في البلاد.

ويعني ذلك أن سيناريو المهمة غير المكتملة أو النجاح المنقوص يظل وارداً، بحيث يبقى نظام القذافي متحصناً في طرابلس وقسم من الغرب، فيما يعزز الثواّر مركزهم في المناطق المحررة من طبرق إلى مصراتة. وربما يزداد وزن هذا السيناريو في حال تخلي القذافي عن السلطة لنجله سيف الإسلام أو أحد أركان نظامه، أو إطاحته عبر انقلاب شعبي. وفي الحالتين، سيرفع "القائد" الجديد شعار الإصلاح ويطالب بالحوار مع الثوار الذين يرجح أن يرفضوا إذا تبين أن الأمر لا يتجاوز تغييراً في الشكل، وليس تحولاً حقيقياً.

وفي هذه الحال، ربما يصعب استمرار التدخل العسكري الدولي بصورته الراهنة. وقد يصبح الانقسام بشأنه وارداً بسبب القيود التي يفرضها القرار 1973 على القائمين به. فمن شأن هذه القيود أن تضع "الناتو" تحت ضغط مرشح لأن يزداد إذا اتخذت روسيا المنزعجة من عملية "فجر أوديسا" موقفاً أقوى، أو إذا حدث تحول في اتجاهات الرأي العام في بعض دول الحلف، خصوصاً في حالة وجود تداعيات سلبية على المدنيين من جراء القصف الجوي.

وإذا حدث ذلك ستُخلط الأوراق أو يسهل خلطها، وتتغير صورة الصراع على ليبيا ويجد من يرغب في تشويه الثورة والثوار ما يعينه على ذلك. ولن يكون صعباً، عندئذ، استدعاء خطاب الحرب ضد الاستعمار والإمبريالية والهيمنة على نحو قد يضعف مركز المناضلين من أجل الحرية في بلاد عربية أخرى يسهل استخدام هذا الخطاب بشأنها. لذلك قد يكون وقف عملية "فجر أوديسا" ضرورياً فور تدمير قدرات القذافي الهجومية، رغم أن كل التقديرات لقدرات الثواّر الذاتية تفيد بأنها لا تكفي لضمان زحف ناجح إلى طرابلس ودخولها وإسقاط نظام القذافي حتى بعد أن تضعفه الضربات الجوية.

ومع ذلك، فثمة ما يدل على أنهم يحققون تقدماً في بناء القدرات القتالية الذاتية مستفيدين من التحول الذي أحدثه التدخل الدولي في ميزان القوى على الأرض. ويمكن دعم هذه القدرات عبر إمدادهم بأسلحة أكثر تقدماً. ويحسن أن تقوم بهذه المهمة دول عربية، وليس الدول الأطلسية حتى إذا غيرت هذه الأخيرة موقفها المتردد تجاه تسليح مقاتلين لا تعرف هويتهم.

وليس صعباً إرسال الأسلحة إليهم عبر البحر إذا توفرت الإرادة. ولا يقل أهمية عن الإرادة، هنا، إدراك أن مساعدة عربية من هذا النوع قد تكون البديل الوحيد عن استمرار التدخل العسكري حتى إسقاط القذافي بطريقة تسيء للثورة الليبية وتترك آثاراً سلبية على الوضع في المنطقة.

ولا ضرر من التأخر في تحقيق هذا الهدف لبعض الوقت. فلا أساس لـ"صوملة" يحذر البعض من أنها قد تحوّل ليبيا إلى بؤرة توتر دائمة على الشاطئ الجنوبي للأبيض المتوسط. كما أن الوقت لن يطول إلى الحد الذي يدفع إلى تصور سيناريو ليبيا شرقية وأخرى غربية على النسق الفيتنامي وليس الكوري. فقد ارتبط ذلك السيناريو بنظام عالمي مضى وبحرب باردة دولية انقضت. ولا خوف، أيضاً، من إعادة تقسيم ليبيا، التي كانت مقسمة إلى ثلاث ولايات (برقة وطرابلس وفزاّن) في عصر الخلافة العثمانية، قبل أن يوحدها الاستعمار الإيطالي بعد حرب ضروس استمرت من 1922 إلى عام 1935. فالعالم كله سيقف مع ثوار ليبيا ويدعم معركتهم من أجل بلد حر موحد.

فلا خوف إذن من سيناريو تقسيم مستمر أو مؤقت، لأن عصر القذافي انتهى في ليبيا كلها. لذلك، لا ينبغي القلق من وقف عملية "فجر أوديسا" قبل إسقاط نظامه، لأن هذا خيار أفضل من تجاوز التفويض الدولي على نحو يخلق حالة عدم يقين تشوّه الثورة وتربك المنطقة كلها وتؤدي إلى خلط الأوراق مجدداً إذا أعادت العقل العربي إلى الانغماس في قضية مواجهة الخارج الاستعماري بعد أن أدرك أخيراً أن الأولوية هي لمواجهة الاستبداد الداخلي، وأن الطغيان هو الذي يفتح الباب أمام التدخل الأجنبي.

وهكذا تبدو ليبيا اليوم في مفترق طريقين يضمن أحدهما تغييراً سريعاً للنظام بينما يحتاج الثاني إلى وقت أطول. وأياً يكون المدى الزمني الذي سيستغرقه إنجاز التغيير، فالمهم هو ألاَّ يفضي إلى وضع ينقسم العرب بشأنه بين من يرون فيه تحريراً لليبيا ومن يطالبون بتحريرها منه.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف