كونفيدرالية خليجية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
محمد العسومي
لعل أبرز التوصيات التي صدرت عن المؤتمر السادس عشر لمركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية والذي عقد في أبوظبي الأسبوع الماضي، تكمن في الدعوة إلى تحويل مجلس التعاون الخليجي إلى اتحاد كونفيدرالي على غرار الاتحاد الأوروبي، وذلك لمواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية والثقافية والأمنية التي تفرض القيام بمثل هذا التحول، مع التأكيد على أن الوقت لا يسير لمصلحة المسيرة البطيئة في التعاون والتكامل الخليجي.
ولم تترك هذه التوصيات عائمة، كما هو الحال في توصيات المؤتمرات العربية، وإنما تم تحديد خريطة طريق لتحقيق هذا الهدف، وضمن خطة الطريق هذه تمت الدعوة إلى ضرورة تكريس المواطنة الخليجية والارتقاء بمنظومة التوجهات الاستراتيجية والتي تساهم بصورة فعالة في تعميق المصالح المشتركة، حيث ما يزال هناك الكثير من المتطلبات المؤجلة والتي أصبحت ضرورة موضوعية.
وفي هذا الإطار حددت التوصيات الرؤية الاستراتيجية الخليجية على أساس تعزيز المرونة المحلية ومراجعة مفهوم السيادة الوطنية التي لو بقي التمسك بها لما نجح أي عمل جماعي، فالأحداث الأخيرة، كالأزمة المالية والتوترات السياسية والمحاولات الخاصة بامتلاك الأسلحة النووية... تحتم الإسراع في استكمال الوحدة الاقتصادية وإنشاء جيش خليجي موحد ومحكمة عدل خليجية لحل المنازعات.
وتكتسب هذه التوصيات أهميتها ليس فقط من خلال الأحداث السريعة العاصفة بالمنطقة، وإنما أيضاً من الأزمات المتكررة التي تجتاح العالم والتي لا يمكن لدول المجلس مواجهتها بصورة منفردة، كما أن غياب القوانين والأنظمة الكونفيدرالية يعرض المكتسبات التي تحققت لخطر التراجع، كما أنه لأول مرة تكتسب هذه التوصيات مثل هذه الأهمية، على اعتبار أنها صادرة ليس عن مؤسسات خليجية، كما هو الحال دائماً، وإنما من قبل مراقبين ومحللين أجانب يملكون نظرة خارجية محايدة وذات أبعاد استراتيجية.
النظام الكونفيدرالي يعتبر مرناً ويحفظ للبلدان المنضوية تحته استقلاليتها في الشؤون الاقتصادية والمالية والسياسية والعسكرية، لكنه يفرض عليها التزامات عامة للحفاظ على المكاسب الجماعية وتطويرها، بما يضمن التنمية والأمن لكافة البلدان الأعضاء، مع الالتزام بالتنسيق في الشؤون الخارجية والعسكرية التي يمكن من خلالها مواجهة التحديات بصورة جماعية في نطاق الاتحاد الكونفيدرالي، وذلك على عكس النظام الفيدرالي الذي يركز السلطات أساساً في الأجهزة الاتحادية.
ولنأخذ مثلاً المواجهة الأوروبية الجماعية لتداعيات الأزمة المالية العالمية والتي خففت كثيراً من حدة هذه التداعيات، إذ لولا هذه "الفزعة" الأوروبية لانهارت العديد من اقتصادات القارة ولانعكس ذلك سلباً على كافة بلدان الاتحاد، بل والعالم أجمع، أما دول مجلس التعاون، فواجهت تداعيات الأزمة المالية بصور منفردة!
وفي جانب مهم آخر انتهزت بعض القوى الخارجية غياب النظام الكونفيدرالي عن المنظومة الخليجية لتعتبر المساعدة الأمنية والعسكرية الخليجية للبحرين بمثابة تدخل خارجي، وذلك رغم أن الاتفاقيات الخليجية العسكرية والأمنية تتيح تقديم مثل هذه المساعدة.
ومن الواضح وفق التحليلات الاستراتيجية أن العالم مقبل على تغيرات اقتصادية وسياسية وأمنية جديدة، بحيث لا تستثنى أية منطقة أو دولة في العالم من تداعيات هذه التغيرات.
ويمكن تجنب عامل المفاجأة من خلال إعادة النظر في مفهوم السيادة الوطنية والتحول إلى النظام الكونفيدرالي وتطوير المؤسسات الخليجية، بما فيها الهيئة الاستشارية والتي يمكنها لعب دور مميز في التكامل متى ما تم تحويلها إلى هيئة بصلاحيات تشريعية، إلى جانب الهيئات التنفيذية، مما سيحول دول المجلس إلى كتلة اقتصادية وسياسية وعسكرية قادرة على حماية مكتسبات البلدان المنضوية تحت هذا التكتل الخليجي الذي أصبح لا غنى عنه في ظل التحولات العالمية المتسارعة.