جريدة الجرائد

الرقصة التركية بين مطبّات الشرق

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

عبدالوهاب بدرخان

بين الدول الإقليمية الثلاث في الجوار العربي، برزت تركيا في الأعوام الأخيرة بمفاهيم علاقات طبيعية مع العرب لا تستطيع أن تجاريها فيها الدولتان الأخريان، إيران وإسرائيل. وفي مرحلة الانتفاضات الراهنة كان متوقعاً أن تُفاجئ تركيا بالإعصار، فهي كسواها أقامت روابطها مع الأنظمة والحكومات، وكانت تعرف مع من تتعامل، أي مع شركاء أو مجرد أصدقاء متمتعين بسلطة قوية غير أنها لا تستند الى مؤسسات ولا تقيم وزناً لإرادة الشعوب، وحتى إذا كانت تجرى انتخابات فإن ذلك لا يعني أنها مهتمة بتمثيل الشعب وإشراكه في عملية الحكم أو في صنع القرارات المتعلقة بشؤونه الحياتية المباشرة.

خلافاً لإسرائيل وإيران، لا ترى تركيا توجهها نحو الشرق مشروعاً للهيمنة أو للاستقواء وافتعال النفوذ. لكنها تعرف أن علاقات التعاون والديبلوماسية النظيفة واحترام الآخر قد تعود عليها بأكثر مما يمكن أن تجنيه من السعي المحموم الى هيمنة بمفاهيم بالية، أو بنعرة عثمانية قد لا تغيب عن خلفية استراتيجيتها. استغلت إسرائيل وإيران، كل منهما بأسلوبها ولأسبابها، الضعف والغياب الاستراتيجي والانقسامات التي وسمت العقدين العربيين المنصرمين.

وإذ حال غباء القوة وغطرستها دون أن تدرك إسرائيل مغزى اللحظة التاريخية التي جنح فيها العرب الى السلام، فإنها أطلقت جشعها الى أقصاه ساعية الى سلام الإخضاع والإذلال، لا الى سلام التعايش الحضاري. وهي اطمأنت، في هذا الهدف، الى علاقة الابتزاز التي نسجتها والولايات المتحدة مع الأنظمة، تماماً كما ارتابت دائماً بالشعوب. ها هي إسرائيل قلقة بفعل التغييرات الداهمة، وكأن تطلعات الشعوب الى أنظمة مدنية وديموقراطية لا تعنيها، أو بالأحرى كأنها لم تعرف بعد لماذا هي موجودة في هذه المنطقة أصلاً.

أما إيران فحاولت وتحاول أن تصوّر الانتفاضات العربية على أنها مستلهمة من ثورتها. لكن هذا الادعاء الإعلامي لم يخدع أحداً. كان أحد الوجوه القميئة لإدارة جورج بوش اعتبر أن مرحلة الانتفاضات بدأت في طهران فعلاً، لكن قبل عامين، أي غداة التلاعب بنتائج الانتخابات وخروج الإصلاحيين الى الشارع لإعلان الغضب والاحتجاج. طبعاً، لن يعجب هذا التحليل ملالي طهران، لكن الواقع يفيد بأن لا بعد إيرانياً لهبّة الشارع العربي. غير أن إيران اجترحت نمطاً آخر من العلاقة مع الأنظمة، إذ تستغل الأنظمة واستغلال الأنظمة لشعوبها. ولا شك في أن الانتفاضات الراهنة عربياً تنذر إيران بأنها في صدد خسارة البيئة الهزيلة الواهنة التي استفادت منها لتشكيل قوتها ونفوذها.

عودة، إذاً، الى تركيا التي دخلت تجربة صعبة ودقيقة في تصويب توجهها نحو الشرق، والعلاقات التي لا بد منها مع الأنظمة، لكن من دون التخلي عن الابعاد المبدئية المنسجمة مع نهجها الديموقراطي الداخلي، الذي يجب أن تستكمله بحل المعضلة الكردية. وعلى رغم بعض التذبذبات الطبيعية والمفهومة، لم يكن هناك شك في ما يمكن أن يكون عليه موقف تركيا من الانتفاضات الشعبية العربية. لعلها أخطأت في صوغ موقفها على هامش الحدثين التونسي والمصري، لكنها خلافاً لسواها طرحت نفسها أو جرى التفكير بها كـ "وسيط" سواء بالنسبة الى المأزق الليبي أو الأزمة في البحرين. والأهم أنها وجدت نفسها قادرة على النصح في غمار الأزمة السورية. بديهي أن تركيا تهجس بمصالحها أولاً وأخيراً، لكنها تريد أن تتأكد من سلامة توجهها الشرقي وليس لديها أي مشكلة مع التغييرات المتفاعلة في جوارها الإقليمي، ومتى كان التوجه إصلاحياً فإنها لا تتردد في حسم موقفها، كما فعلت تحديداً بالنسبة الى البحرين وسورية، بل لعلها الطرف الخارجي الوحيد الذي لا يعاني عقدة في ملامسة الملفات الطائفية، طالما أنه لا يفعل ذلك من قبيل العبث واللعب على التناقضات، بل بحثاً عن الاستقرار الذي يؤمن له مصالحه.

فيما تصدّر إسرائيل الفتن، وإيران "ثورتها" التي باتت سلعة مضروبة، فإن تركيا لا تسعى الى تصدير "نموذجها" القائم على ديموقراطية غربية وإسلام حضاري، لكنها تعرف أن كثيرين في العالم العربي يدعون الى استيراده، بل تعرف أيضاً أنه لا يمكن استنساخه كونه وليد التجربة التركية الفريدة من تفاخر العلمانية والإسلام الى تمازجهما. ولعل الاختبار الذي تخوضه في الشرق، سواء في مقلبه الإسرائيلي أو الآخر العربي أعادها الى معترك الواقع الإقليمي الذي تجاهلته قرابة القرن. ولا بد من أن عودتها إليه وحراكه الحالي يشكلان فرصة لترويض التطرفين الإسرائيلي والإيراني، ويطرحان مفاهيم جديدة للعبة "النفوذ" الدولي أو الإقليمي.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
وإسلام حضاري!!!!!!
Rizgar -

تأتي زيارة أردوغان للعراق وكذلك النجف ولقاءه بـ;آية الله السيستاني لعدم رغبة تركيا وأمريكا بزيادة تدخل إيران في شؤون العراق والمنطقة، كما تريد تركيا ولنفس السبب القيام بالتوافق في البحرين بين المعارضين والحكومة. أن الهدف من زيارة أردوغان وإفتتاح مطار أربيل الدولي الذي يعتبر سابع مطار من حيث الحجم في العالم، هي لزيادة العلاقات التجارية، وتسعى تركيا إلى زيادة نسبة التبادل التجاري إلى 20 مليار دولار حيث أن قسم كبير منه سيكون في كوردستان، وصداقة 200 تاجر مع أردوغان يدل أن زيارته تجارية. موضحاً أن دعم رئيس الإقليم لأردوغان في الإنتخابات، يدل على تأييده الكبير ورضى رئيس اقليم كوردستان عن هذه الزيارة، إلا أن النقطة السلبة من زيارة أردوغان كانت التطرق إلى مسألة الإرهاب، وإعتباره حزب العمال الكوردستاني إرهابياً، في الوقت الذي يعلم فيه الجميع أن حزب العمال الكوردستاني ومنذ عدة شهور لم يقم بأي نشاط وأعلن وقف إطلاق النار من جانب واحد عدة مرات، لم يكن يتوجب عليه الحديث عن هذه المسألة وفي مجلس النواب العراقي، حتى أنه تحدث عن ذلك لدى نوري المالكي أيضاً ومع الأسف أيده المالكي إلى حد ما، إلا أنه لم يتطرق لذلك في إقليم كوردستان وأخذ الوضع بعين الإعتبار. أن مشكلة الكورد في كوردستان تركيا لايمكن حلها في العراق أو في إقليم كوردستان أو في مجلس النواب العراقي، ، فحل هذه المشكلة في أنقرة، عليهم الجلوس والحوار وبدل أن يطلقوا عليهم إسم الإرهاب، عليهم أن يسعوا إلى حل المشكلة بالحوار، وحكومة الإقليم تدعم ذلك وأتمنى أن تحل هذه النقطة السلبية. لماذا تتوجه تركيا لحل مشاكل لبنان وليبيا والبحرين؟، لحل المشاكل بين العرب وإسرائيل؟، لماذا لاتحل مشاكله شعبها؟، فهذه سياسة بوجهين، وأتمنى أن تحل مشاكلها أيضاً.

racist brain
Narina -

لم يذكر أردوغان إسم كوردستان كان ينادي مسعود بارزاني بـ;الرئيس; دون الإشارة إلى رئيس أين ??????جزر الواق واق?????

100 years
100 years -

The newly contracted director of Iraqi Kurdistan’s Shekhan oil field says it is set to become the largest oil field in the whole of Iraq, and the minister of natural resources says the semiautonomous region has massive natural gas reserves, which could supply the needs of the projected Nabucco pipeline for at least 100 years.

Turkish nightmare
J -

the Turkish National Intelligence (MIT), Hakan Fidan, was dispatched on Sunday to Damascus to express his...A major concern for Turkey is the Kurdish population in Syria of 1.4 million, which, in case of collapse of Assad''s regime could to claim an independent state. a new Turkish nightmare.

Turkish nightmare
J -

the Turkish National Intelligence (MIT), Hakan Fidan, was dispatched on Sunday to Damascus to express his...A major concern for Turkey is the Kurdish population in Syria of 1.4 million, which, in case of collapse of Assad''s regime could to claim an independent state. a new Turkish nightmare.