الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد.. ماذا تعني لنا؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
تركي بن عبد الله بن عبد الرحمن آل سعود
أصدر مجلس الوزراء في عام 1428هـ موافقته على الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد. وبعد وقت صدورها المباشر، مضت هذه الوثيقة إلى أرفف الحفظ وغابت عن ذاكرة كثير من الناس حتى أولئك المهتمين بموضوعها.
ولا شك أن ذلك يثير الاستغراب ويزيد في إثارته أكثر كون الاستراتيجية وثيقة جامعة خلقت إطارا صحيحا ومتماسكا يسهل للمهتمين بناء مطالبهم عليها. ومما يلفت النظر أن كثيرا ممن كتبوا في الكتب والصحف أو تكلموا في وسائل الإعلام الأخرى عن الفساد، وتطرقوا إلى بيان مظاهره ومضاره، ودونوا مطالبهم ومرئياتهم عن طريق مكافحته فقط، القليل منهم أشار إلى وجود هذه الوثيقة المقرة من أعلى سلطة في البلاد والتي تشكل المدخل والمنطلق لمتطلباتهم.
يتجلى سريعا لأي قارئ لتلك الاستراتيجية شموليتها ووضوحها. فمقدمتها تشير إلى أبعاد تعريف الفساد بشكل عام تحت تعاريف واسعة، ولكنها تخلص إلى تعريفه في الشريعة الإسلامية بمعناه العام بأن "الفساد كل ما هو ضد الإصلاح العام". ثم بينت المقدمة أن الفساد عدة جرائم كالرشوة والمتاجرة بالنفوذ وإساءة استعمال السلطة والثراء غير المشروع والتلاعب بالمال العام واختلاسه وتبديده وإساءة استعماله، وغسيل الأموال والجرائم المحاسبية والتزوير وتزييف العملة والغش التجاري وغير ذلك. وأشارت إلى أن ظاهرة الفساد ظاهرة دولية ذات أبعاد وأسباب لتواجدها مختلفة. وانتهت المقدمة إلى نتيجة تعتبر بمثابة الإطار العام للاستراتيجية، حيث نصت على "أن حماية النزاهة ومكافحة الفساد تستلزم برامج إصلاح شاملة تحظى بدعم سياسي قوي وتكتسب مضمونا استراتيجيا يقوم على تشخيص المشكلة ومعالجة أسبابها، بتعاون الأجهزة الحكومية ومشاركة المجتمع ومؤسساته وإرساء المبادئ والقيم الأخلاقية للإدارة والمجتمع وتعزيزها والاستفادة من الخبرات الدولية". وهذا النص يحدد المتطلبات الأساسية العامة والمتعاملين معها لكي تحقق الاستراتيجية أهدافها. وهذا النص المختصر يضع النقاط على الحروف فيما يجب عمله وتوافره والأدوار التي لا بد منها إن كان للجهد الذي تدعو إليه الاستراتيجية أي أمل في النجاح.
وبعد المقدمة التي تطرقت للعموم والإطار العام انتقلت الاستراتيجية إلى التفصيل والتعيين. فبدأت بالمنطلقات الأساسية وفي مقدمتها، أن الدين الإسلامي ــ عقيدة وشريعة ومنهج حياة ــ الركيزة الأساسية التي تحكم الاستراتيجية، وأن الفساد عائق للتنمية والتطور، وأن تطوير الأنظمة المستمر مطلب أساسي لمعالجة أنماط الفساد المتغيرة.
وحددت بعد ذلك الأهداف التي تستحق أن نذكرها بالنص:
1 - حماية النزاهة ومكافحة الفساد بشتى صوره ومظاهره.
2 - تحصين المجتمع السعودي ضد الفساد بالقيم الدينية والأخلاقية والتربوية.
3 - توجيه المواطن والمقيم نحو التحلي بالسلوك السليم واحترام النصوص الشرعية والنظامية.
4 - توفير المناخ الملائم لنجاح خطط التنمية ولا سيما الاقتصادية والاجتماعية فيها.
5 - الإسهام في الجهود المبذولة لتعزيز وتطوير وتوثيق التعاون الإقليمي والعربي والدولي في مجال حماية النزاهة ومكافحة الفساد.
6 - تحقيق العدالة بين أفراد المجتمع.
وتعكس هذه الأهداف الشاملة ضرورة السعي في اتجاهات عدة في الوقت نفسه لتحقيق الغلبة على ظاهرة منتشرة ومستشرية مثل الفساد.
وتطرقت بعد ذلك إلى آليات ووسائل لتحقيق الأهداف وضرورة توافر المعلومة والمتابعة ومراجعة وتطوير الأنظمة ذات العلاقة، وسرعة البت في قضايا الفساد وغيرها من الوسائل، ولعل من أهم ما ورد في هذه الوسائل ما ذكر نصا "إقرار مبدأ الوضوح والشفافية وتعزيزه داخل مؤسسات الدولة"، وذكرت أن ذلك يتأتى عن طريق عدد من الإجراءات منها عدم اللجوء للسرية إلا فيما يتعلق بالمعلومات التي تمس السيادة والأمن الوطني ووضع نظام لحماية المال العام وتوضيح إجراءات عقود المشتريات والسماح بالاطلاع عليها.
ومن أهم الوسائل أيضا "مشاركة مؤسسات المجتمع المدني في حماية النزاهة ومكافحة الفساد"، وذلك بإشراكها في اللجان ودراسة ظاهرة الفساد وإبداء المرئيات والمقترحات حيالها.
ومن أهم الوسائل أيضا تحسين أوضاع المواطنين المعيشية.
وانتهت الاستراتيجية إلى أن تفعيلها يتم بواسطة إنشاء هيئة مكافحة الفساد.
وسيحفظ التاريخ مكانا لخادم الحرمين الشريفين أنه إضافة إلى إصدار هذه الاستراتيجية التي تسعى إلى الإصلاح في صلبه، فإنه - حفظه الله - أتم المسار بأن فعّل تلك الاستراتيجية بإنشاء هيئة مكافحة الفساد لتسد بعد ذلك كل أبواب التسويف والتبرير.
وهيئة مكافحة الفساد اليوم وهي تستند في إنشائها إلى هذه الاستراتيجية التي هيأت لوجودها سوف تحسن صنعا إذا استمدت قدرتها وآلياتها ومجال عملها من هذه الاستراتيجية. لا أحد يريد أن يقحم نفسه في أداء دور رئيسها الأخ محمد الشريف أو أن يخبره ما يجب أن يفعل فهو رجل حمل هم الفساد قبل أن توكل إليه مكافحته بوقت كثير، كما أنه نتاج خبرة حكومية وتشريعية طويلة. نتمنى له كل التوفيق في أداء المهام الموكلة إليه والمتوقعة منه. وبلا شك فإن هذه الاستراتيجية لها من العموم والشمول ما يجعلها أرضاً خصبة لكل من لديه أفكار ونوايا طيبة لمحاربة الفساد.
لذا أرى أن الكتابة عن هذه الاستراتيجية هي تنوير للآخرين بما تحويه هذه الوثيقة الوطنية والتي قد لا يكونون ملمين بكافة أبعادها، بالذات المعنيين بهذا الأمر.
إن السواد الأعظم من أبناء هذه البلاد الذين يضعون النزاهة إحدى القيم الأساسية في كافة التعاملات هؤلاء يجب أن تكون أهداف هذه الاستراتيجية حافزة ودافعة لهم، ودون شك سوف يكون لتطبيقها الأثر البارز الذي يجعلهم يطمئنون لرؤية الدولة في الإصلاح بعد أن أوجدت الاستراتيجية الأرضية الصالحة لتحقيقها.
وهي أيضاً تعني كل من أصابه الضرر سواء كان مباشراً أو غير مباشر من تفشي ظاهرة الفساد بأن هنالك التزاما من القيادة العليا في البلاد بالعمل على مكافحة الظاهرة، فربط الهيئة بخادم الحرمين الشريفين مباشرة لا يتوافر لكثير من المصالح والمؤسسات الأخرى، كما أن خلو الاستراتيجية من أي استثناء قد يشكل عائقا يسمح بكثير من المرونة والإبداع في عمل الهيئة وكذلك تكليف إعداد أنظمتها حصراً برئيسها وهيئة الخبراء فقط وبدون إشراك جهات حكومية أخرى يؤكد الحرص على تجنيب الهيئة التأثيرات التي غالباً ما تكون معيقة أكثر من كونها معينة، وهذه نقطة من أهم ما ورد في الأمر الملكي.
وللفئة من المعنيين من أفراد المجتمع والمؤسسات الذين يرون أن لديهم ما يضيفونه من تجربة أو رأي أو مقترح، فإن الباب قد فتح ليكون لمداخلاتهم طريق نظامي ومؤسسي واضح، حيث حثت الاستراتيجية نصا المواطن والمقيم على ذلك "حث المواطن والمقيم على التعاون مع الجهات المعنية بمكافحة الفساد". كما أنها فتحت الباب أمام مؤسسات المجتمع للعمل مع الهيئة في هذا المجال كأعضاء في لجان ودراسة ظاهرة الفساد.
وهنالك أيضاً الأنظمة الحكومية ذات العلاقة. لقد كانت أدوار وضوابط مكافحة الفساد موزعة على عدد من المصالح والأنظمة والكل يعمل في عزلة. فلنأخذ مثلاً أحد الأنظمة التي لها مساس قوي بمكافحة الفساد، وهو نظام المشتريات الحكومية. هذا نظام عتيد منذ عقود عدة أدخلت عليه بين الفينة والفينة بعض الإضافات، وفي وقتها لم يكن الهيكل الحكومي متشعباً مثل ما هو عليه الآن، وكانت وزارة المالية هي الجهة المثلى لإعداد النظام وبالتالي تملك الكلمة الأخيرة في إعداده وتفسيره ومعالجة إشكالات تطبيقه.
في حينها كان الوضع لهذا النظام في أحضان وزارة المالية وهو الوضع الصحيح.
ولكن متغيرات الأمور وازدياد الأهداف والطموحات وتشعب التطبيقات تتطلب تطويراً جذرياً للنظام وآلياته وتطبيقاته، ولا بد من القول إنه مع مضي الزمن أصبح موقف وزارة المالية حيال هذا النظام وغيرتها عليه وعدم السماح بتحليله واعتباره من خصوصياتها أمراً عائقاً - وإن كان بدون قصد - لكفاءة النظام حيال مكافحة الفساد.
وتأتي الاستراتيجية وهيئة مكافحة الفساد - في نظري - كنهاية لهذا الوضع الذي لم يعد له مبرر، وبالتالي سيحدث تطويره أو إضافة آليات ترتكز على مكافحة الفساد نقلة نوعية في هذا الجهد.
والاستراتيجية تمنح بوضوح هيئة مكافحة الفساد النظر في الأنظمة ذات العلاقة ويأتي هذا النظام في صلبها. وسيكون هذا النظام إحدى أهم آليات عملها. والهيئة من أكبر المصالح المعنية بهذا النظام. كما أن سماع ومشاركة كافة الجهات ذات العلاقة - بما فيها مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص - كما دعت إليه الاستراتيجية أمر مكمل ومهم. ومع التسليم بأن جزءا من النظام يهم مصالح أكثر من أخرى مثل الإجراءات المالية التي تخص وزارة المالية، فإن الأهداف الأخرى من النظام تخص مصالح أخرى قبلها مثل آليات كبح وكشف الفساد، حيث تأتي في صميم أعمال هيئة مكافحة الفساد وليس من المقبول الآن أن تكون وجهة واحدة هي التي تقرر اختصاصات وآليات الجهات الأخرى.
ومن المعنيين بهذا الأمر العالم الخارجي المهتم باقتصادنا وتنميتنا، فكما قررت الاستراتيجية أن الفساد عائق للتنمية، فالنتيجة الحتمية أن كبحه سيسهم في دفعها إيجابا. فالتعاون الإقليمي والعربي والدولي هو أحد أهداف الاستراتيجية الستة. وهذا التعاون سينعكس على ثقة الآخرين باقتصادنا مما يشجع استثماراتهم في اقتصادنا، وهذا أحد روافد التنمية الاقتصادية المهمة. ويجب ألا يكون الآن دورنا في هذا المجال خجولاً.
الفساد ظاهرة لم تنشأ في فترة زمنية معينة أو بسبب معين أو أنها مختصة بأمم دون أخرى وإن تفاوتت الحدة والانتشار بينها، الفساد آفة تنامى وجودها على مر الوقت بشكل تراكمي مما أجج تشعبها وتعقيدها واختلاف أنماطها. وعندما يعالج الناس ظاهرة فلن يتأتى النجاح المقبول من جهد واحد أو حراك في اتجاه محدد. ستتغلب عندها الأمور القائمة واختلاف الأنماط على هذا الجهد. التغلب على الظاهرة - أي ظاهرة - يتطلب رؤية واضحة من القيادة ودعما قويا ومستمرا منها ووضع استراتيجية واضحة ذات أهداف شمولية وخطط عمل تكفل تفعيل هذه الاستراتيجية وكفاءة عالية في الأداء ومراقبة للأداء مستمرة تقبل النقد والتغيير والتطوير.
والاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد والأمر الملكي الذي أطلق عملية تفعيلها وأعطى هيئة مكافحة الفساد أقوى سند يشكلان أفضل الأرضيات لبدء حراك مؤسسي جماعي تتعدد فيه الأدوار، ولكنها تتناغم وتتحد في الاتجاه للوصول إلى الهدف المشترك. هذه أساسات لا تضمن النتائج ولكنها تخلق الأرضية والإطار الصحيح للقيام بعمل مؤسسي يبدأ في قراع ظاهرة الفساد بطريقة فعالة. ودون هذه الأساسات لا يمكن لأي جهد أو حراك أن يحقق نجاحا شموليا يقرب من المأمول. لقد مهد خادم الحرمين الشريفين الأرضية الصالحة من كل جوانبها ولم يبق إلا جهد المخلصين في الانطلاق من هذه الأرضية لتحقيق الرؤية والآمال.
التعليقات
أسم ليبيا
لمى -تركي بن عبد الله بن عبد الرحمن آل سعود...بعد ماكو أطول من هذا الأسم.
أسم ليبيا
لمى -تركي بن عبد الله بن عبد الرحمن آل سعود...بعد ماكو أطول من هذا الأسم.
كلام جميل
مراقب -كلام جميل .. ولكن .. الإشكالية ليست في القرارات أو الأوامر .. وليست في تشكيل الأجهزة أو تأسيس الهيئات .. الإشكالية الحقيقية هي في التطبيق .. فالتطبيق يخضع لمراقبة نفس الأنفس الرديئة التي ترسخ في أعماقها ثقافة الفساد وأتقنت إمتهان وسائطه ووسائله. الفساد هو ثقافة سائدة في مجتمعنا مع الأسف .. وهذه حقيقة .. وعلاجه لايتأتى فقط بالقرارات .. علاجه يتأتى بأن نبدأ بإعداد النشأ ليتحلى بثقافة حب واحترام الشأن العام .. فالأنانية أضحت هي المحرك لحياة الأفراد .. والأنانية هي أم الفساد وبيت قصيده .. وما لم يتغير الهيكل العام للإقتصاد الوطني منتقلا من إقتصاد الريع الى إقتصاد الإنتاج الحقيقي .. فسنبقى نستحل أكل المال العام .. ونستحل أكل المال الخاص .. ونستحل الرشوة .. ونستحل السرقة .. ونستحل الأنا العالية.
جذور الفساد
عبد الرحمن - -اعجبني رأي سابق كتبه الأخ عبد الرحمن الكنهل في مدونته عن هذا الموضوع ،يقول:الفساد في بلدنا ولد من رحم منظومة قائمة منذ عقود ، فالفساد هو بمثابة الإبن الشرعي لهذه المنظومة ، ترعاه وتنميه وتحميه من محاولات الحد منه.وهذ المنظومة هي بيئة خصبة للفساد بكافة أنواعه وأشكاله تنمو وتتمدد فتحتوي كافة مفاصل الدولة وشئون المواطن في حياته ومعاشه وحقوقه.لذا إنشاء هذه الهيئة من داخل هذه المنظومة ، ولتمارس مهام عملها داخل نفس المنظومة سوف يؤدي في أغلب حالتها إلى أن تصبح جزء منها ، أي جزء من منظومة الفساد ، وقد تسعى جاهدة بدعم من خادم الحرمين الشريفين لممارسة بعض المهام ولكنها سوف تظل محاطة بقدر كبير من العوائق.حتى المواطن الذي قد يشاهد بأم عينيه فساداً قد لا يجروء عن التبليغ عنه ، لأن منظومة الفساد الواسعة والمعقدة في السعودية قد تكون قادرة في أغلب الأحوال على حماية نفسها ومعاقبة هذا المواطن بممارسة مختلف أشكال التعسف في إستخدام السلطة أو بمضايقته في عمله وممارسة الإرهاب الوظيفي مثلاً إذا كان الفساد في إطار عمله، وهذا يحدث كثيراً بسبب غياب منظومة متكاملة تضمن توفير الحماية القانونية والقضائية للمواطن الذي يحاول مجابهة الفساد بدلاً أن يصمت عنه أو يصبح جزء منه. أن أي محاولة لمواجهة الفساد لا تتجه خارج هذه المنظومة إلى الأدوات والوسائل للدولة الحديثة سوف تكون معرضة للفشل بشكل كبير. فالحاجة ماسة اليوم إلى منح المواطن حقه في المراقبة والمحاسبة من خلال المشاركة الشعبية في إطار دولة الدستور وفصل السلطات الثلاث و القانون والقضاء المستقل ومؤسسات المجتمع المدني وحريات التعبير عن الرأي في ظل نظام يحمي المواطن لا يكمم فمه.
جذور الفساد
عبد الرحمن - -اعجبني رأي سابق كتبه الأخ عبد الرحمن الكنهل في مدونته عن هذا الموضوع ،يقول:الفساد في بلدنا ولد من رحم منظومة قائمة منذ عقود ، فالفساد هو بمثابة الإبن الشرعي لهذه المنظومة ، ترعاه وتنميه وتحميه من محاولات الحد منه.وهذ المنظومة هي بيئة خصبة للفساد بكافة أنواعه وأشكاله تنمو وتتمدد فتحتوي كافة مفاصل الدولة وشئون المواطن في حياته ومعاشه وحقوقه.لذا إنشاء هذه الهيئة من داخل هذه المنظومة ، ولتمارس مهام عملها داخل نفس المنظومة سوف يؤدي في أغلب حالتها إلى أن تصبح جزء منها ، أي جزء من منظومة الفساد ، وقد تسعى جاهدة بدعم من خادم الحرمين الشريفين لممارسة بعض المهام ولكنها سوف تظل محاطة بقدر كبير من العوائق.حتى المواطن الذي قد يشاهد بأم عينيه فساداً قد لا يجروء عن التبليغ عنه ، لأن منظومة الفساد الواسعة والمعقدة في السعودية قد تكون قادرة في أغلب الأحوال على حماية نفسها ومعاقبة هذا المواطن بممارسة مختلف أشكال التعسف في إستخدام السلطة أو بمضايقته في عمله وممارسة الإرهاب الوظيفي مثلاً إذا كان الفساد في إطار عمله، وهذا يحدث كثيراً بسبب غياب منظومة متكاملة تضمن توفير الحماية القانونية والقضائية للمواطن الذي يحاول مجابهة الفساد بدلاً أن يصمت عنه أو يصبح جزء منه. أن أي محاولة لمواجهة الفساد لا تتجه خارج هذه المنظومة إلى الأدوات والوسائل للدولة الحديثة سوف تكون معرضة للفشل بشكل كبير. فالحاجة ماسة اليوم إلى منح المواطن حقه في المراقبة والمحاسبة من خلال المشاركة الشعبية في إطار دولة الدستور وفصل السلطات الثلاث و القانون والقضاء المستقل ومؤسسات المجتمع المدني وحريات التعبير عن الرأي في ظل نظام يحمي المواطن لا يكمم فمه.